آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
صالح السيد باقر
عن الكاتب :
كاتب إيراني

ايران والتطبيع.. حلال على قطر وعمان وحرام على الامارات والبحرين

 

صالح القزويني

لا أبالغ ان قلت ان الدور الذي لعبته الحكومة القطرية في الآونة الأخيرة لا يقل خطورة عن اتفاق التطبيع بين اسرائيل من جهة والامارات والبحرين من جهة أخرى، ولولا الدور القطري لكان الاتفاق والتطبيع في خبر كان.
فتزامنا مع الخطوات الأولى للتطبيع بين اسرائيل والامارات أعلنت فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة وفي مقدمتها حركة حماس عن استعدادها للقيام بمرحلة تصعيد كبيرة ضد الكيان الصهيوني انطلاقا من غزة، لارغامه على تقديم التنازلات والرضوخ لمطالب الغزاويين ومن بينها فك الحصار عن القطاع.
تدخلت قطر في الموضوع، وبدل ان تشجع الفلسطينيين على نضالهم وتدفعهم الى المقاومة لنيل حقوقهم، امتصت غضبهم وقامت بتهدئتهم بحفنة دولارات وشيء من الانفراج، ولو لم تكن الدوحة قد لعبت هذا الدور لانفجرت المواجهة بين الاحتلال والفلسطينيين، الأمر الذي يحرج الاماراتيين والبحرينيين وسائر دول التطبيع من المضي قدما في التوقيع على الاتفاق، ولكن مع هدوء غزة والضفة فان الأرضية تهيأت بالكامل لتمرير الاتفاق.
الملفت في الأمر انه وبدل أن تأخذ قطر من اسرائيل الأموال وتدفعها للفلسطينيين دفعت تلك الأموال من جيبها، بمعنى آخر انها لم تخدم اسرائيل في تهدئة الفلسطينيين وحسب بل قدمت الأموال لخدمتها.
ولاشك أن البعض يبرر الخطوة القطرية هذه، بأن بعض الدول كالامارات والبحرين اتخذت قرار التطبيع مع اسرائيل ولن يثنيها شيء عن ذلك، والدوحة وظفت التوقيت لخدمة الغزاويين وتخفيف الحصار الاسرائيلي عنهم، وبالتالي فان دورها وخطوتها انسانية بحتة ترمي بالدرجة الأولى خدمة الفلسطينيين.
وتزامنا مع هذه الخطوة احتضنت الدوحة مؤتمر السلام الأفغاني، وغير خاف على أحد أن الدوحة تستضيف منذ عدة سنوات مكتب رسمي لحركة طالبان، وقد لعبت قطر دورا رئيسيا في اقناع طالبان بالكف عن قتال الاميركيين، ومع أن العنوان الرئيسي لكل الخطوات التي أقدمت عليها الدوحة في هذا الاطار هو ارساء السلام في افغانستان، غير أن الحقيقة هي تجميد العمل العسكري ضد القوات الأميركية في أفغانستان.
ما يهمنا في تسليط الضوء على هاتين القضيتين، هو الموقف الايراني من الدول التي تهرول نحو التطبيع، فيا ترى لماذا تسكت طهران على الدوحة ومسقط وتعزز علاقتها معهما وتهاجم أبو ظبي والمنامة، خاصة وان قطر وعمان سبقتا الجميع في التطبيع مع اسرائيل فمنذ اكثر من عشرين عاما والدوحة سمحت لاسرائيل بفتح مكتب تجاري لها كما انها استضافت شمعون بيريز وتسيبي ليفني والعديد من المسؤولين الاسرائيليين، أما سلطنة عمان فانها استضافت مؤخرا رئيس وزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو؟ وليس هذا وحسب وانما خففت الدوحة العناء عن عدوين لدودين لايران هما الولايات المتحدة واسرائيل.
طبعا سيثير الموقف الايراني من الدوحة ومسقط وأبو ظبي والمنامة استغرابنا لو طال كل الدول المطبعة وغير المطبعة مع اسرائيل، بمعنى آخر اننا سنستغرب من الموقف الايراني اذا كان المعيار هو التطبيع أو العلاقة مع اسرائيل، ولكن عندما نرى أن لطهران علاقات وثيقة مع دول لديها علاقات مع اسرائيل، فسيزول استغرابنا، لأن ذلك سيولد لدينا قناعة أن المعيار الرئيسي ليس العلاقة مع اسرائيل وانما شيئا آخرا.
فهناك الكثير من الدول لديها علاقات مع اسرائيل ومع ذلك علاقتها مع طهران طبيعية، ومن بينها تركيا التي تلعب دورا مهما في تخفيف وطأة الحظر الأميركي على ايران، وكذلك الحال روسيا، الأمر الذي يدفعنا الى البحث عن سبب آخر لهجوم طهران على أبوظبي والمنامة وسكوتها على الدوحة ومسقط.
وقبل أن أتناول هذا السبب تجدر الاشارة هنا الى أن الأمر ليس سيانا لدى طهران في اقامة سائر الدول علاقات مع اسرائيل أو عدم اقامتها، بل أن النظام الايراني يحرص على اقامة علاقات استراتيجية مع الدول التي ترفض التطبيع والعلاقة مع اسرائيل، ولكن في نفس الوقت فان طهران لا تصعد ولا توتر علاقتها مع كل دولة طبعت ووثقت علاقتها مع اسرائيل.
المعيار هو مدى تأثر الدول بهذه العلاقة، ومدى تهديدها للأمن والمصالح الايرانية.
لقد اثبتت تجربة السنوات الأخيرة ان الامارات والبحرين لاتمتلكان القدرة على رفض املاءات الآخرين في علاقتها مع ايران، فعندما قررت السعودية شن عدوانها على اليمن وطلبت من جميع أصدقائها وحلفائها وخاصة الأعضاء في مجلس التعاون قطع علاقاتهم مع ايران، من بين الدول التي استجابت لذلك هي الامارات والبحرين، بينما لم تستجب الدوحة ومسقط لذلك رغم قناعتهما أن رفضهما سيكلفها الكثير من التبعات وثمنا باهضا، فقد واجهت مسقط حملة اعلامية مسعورة ضدها، كما أن أحد الاسباب الرئيسية للحصار الذي تفرضه السعودية والبحرين والامارات ومصر على قطر هو رفضها لقطع العلاقات مع ايران.
لاشك أن طهران لا تفضل تطبيع الدوحة ومسقط لعلاقتهما مع اسرائيل، ولكن في نفس الوقت فان التجربة أثبتت ان بعض الدول تتمتع بنوع من الاستقلالية في قراراتها وعلاقاتها، ومستعدة لدفع ثمن استقلالها وقراراتها، ومن الطبيعي أن ترى طهران نفسها قريبة من هذه الدول أكثر من الدول التي تسلم كل أمورها بيد الآخرين.
صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2020/11/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد