آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. منصور الجمري
عن الكاتب :
كاتب بحريني ورئيس تحرير صحيفة الوسط البحرينية

التعدُّديّة هي الأفضل لمكافحة التطرُّف والإرهاب


منصور الجمري ..

أدّت هيمنة الفكر الواحد، والرأي الواحد، والمذهب الواحد، إلخ، إلى بروز حركات تنفي الآخر وتعتبر نفسها طريقاً لإدخال الناس عُنوَة إلى الجنّة، أو قتلهم، والعبث بكل ما يتصل بالتاريخ والآثار والعمران والحضارة. هذه الأعمال المشينة والمتوحشة لم تولد في بلدان تنعم بانفتاح وتسامح وتعدُّديّة وديمقراطية وحقوق إنسان، وإنما وُلدت وانتعشت في مناطق لا تعترف بكل ذلك. ما يحصل في مناطقنا من مآسٍ باسم الدين أو باسم الطائفة ليس وليدَ فترةٍ قصيرة؛ ولذا فإنّ التغلُّب على هذه الاتجاهات لن يأتي عبر وسائل القوة لوحدها، والتي وإن استطاعت أن تحد من ذلك فإنها ستحتاج إلى ثقافة مضادّة تنبع من داخل المجتمعات.

وعلى الرغم من تسيُّد الذين لا يؤمنون بوجود الآخر في مكان واحد ومجتمع واحد وبلد واحد، إلا أنّ هناك مؤشرات لبدايات من نوع آخر، حتى لو بدت رمزيّة فقط، وقليلة حاليّاً. فقبل عدّة أيام، مثلاً، تمّ الإعلان عن خطة في العاصمة الألمانية (برلين) لتشييد مركز للعبادة، يُدعى «بيت الواحد»، سيكون الأول من نوعه في التاريخ؛ إذ سيضم كنيسة مسيحية ومسجداً مسلماً وكنيساً يهودياً، وصُمِّمَ المركز ليجمع بين جدرانه مصلّين من الديانات السماوية الثلاث الذين يؤمنون بإله واحد. وهذا سيكون مهمّاً لأنّ ألمانيا استقبلت مئات الآلاف من المهاجرين، وستستقبل المزيد بأعداد أكبر من غيرها في أوروبا، وهؤلاء سيحتاجون إلى أنموذج مختلف عن ما تعوَّدوا عليه، وذلك لكي يقبلوا العيش بسلام في مجتمع يتعايش فيه الناس رغم اختلافهم.

قد ننتقد الألمان لعزمهم تشييد معبد مشترك، ولكن هذه الفكرة أفضل من القطيعة الحاليّة بين أتباع المذاهب الإسلامية في بلاد المسلمين، بل إنها وصلت إلى درجة اعتقاد البعض أنه سيذهب إلى الجنّة إذا فجّر نفسه داخل مسجد وقتل آخرين ينتمون إلى مذهب آخر. أصحاب المشروع الألماني يعلمون أن وضع تصميم لبناء معبد مشترك للمسلمين والمسيحيين واليهود «يُعتبر تحدّياً كبيراً باعتبار أن المشروع غير مسبوق ولا يوجد له نموذج في أيِّ مكان على الأرض»، ولكنها فكرة ستفتح المجال لنوع آخر من الأطروحات ووسائل التعايش، كما أنّ المعبد المشترك «سيتيح للثقافات المختلفة أن تلتقي وتستفيد من بعضها البعض». وكما أوضح أحد المعنيين بالمشروع فإنّ «برلين التي كانت مدينة للجروح خلال القرن العشرين، ستكون اليوم مدينة للمعجزات ومركزاً للتسامح بين الديانات».

من جانب آخر، فقد التقى قبل أيام شيخ الأزهر أحمد الطيب والبابا فرنسيس في الفاتيكان، وهو لقاء وصفه المتحدث باسم البابا بـ «الودّي جدّاً»، وتمّ خلاله التطرُّق إلى «السلام في العالم ونبذ العنف والإرهاب ووضع المسيحيين في إطار النزاعات والتوترات في الشرق الأوسط». هذا اللقاء التاريخي يطرح أسلوباً آخر للتفاهم بين مؤسستين عظيمتين للمسلمين والمسيحيين، ولاسيما أنها تأتي بعد عشر سنوات من التوتر على خلفية تصريحات للبابا السابق بنديكتوس السادس عشر ربطت بين العنف والإسلام.

أمّا في تونس، فقد طرحت حركة النهضة الإسلامية نهجاً مختلفاً بصورة جذرية بالنسبة للإسلاميين؛ إذ قرّرت الحركة الفصل بين العمل الدعوي والعمل السياسي، والتحوُّل إلى «حزب مدني» وإلغاء الموروث السياسي الذي أخذته من جماعة الإخوان المسلمين. هذه الخطوة الجريئة ستكون لها تبعات؛ إذ إنّ عضويّة الحزب (الإسلامي سابقاً) لن تقتصر على «المؤمنين» فقط، ولن تكون القرارات الملزمة مُستمَدَّة من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، وإنما من مواد الدستور التونسي والعقد الاجتماعي الملزم. هذا لا يعني إلغاء السُّوَر والأحاديث، وإنما يعني أنّ الخلفية الإسلامية ستكون داعمة للعمل الديمقراطي (المدني)، تماماً كما هو الحال بالنسبة للخلفية المسيحية للأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا. كُلُّ هذه الخطوات ستفتح المجال للحوار، وحتى لو اختلف معها الآخرون، فإنها ستكسر احتكار الفكر واحتكار الأسلوب، وستفسح المجال لبيئة تعدُّديّة، هي الوحيدة القادرة على مكافحة نوازع التطرُّف والإرهاب.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/05/25

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد