آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

مساعد الوزير المصري أخطأ في حق الأفارقة بوصفهم بـ”الكلاب والعبيد” وعليه أن يعتذر

 

عبد الباري عطوان ..

لم أفاجأ شخصيا بالضجة المثارة حاليا في القارة الأفريقية، ومحورها وصف مساعد وزير البيئة المصري للأفارقة بأنهم “كلاب وعبيد” باللغة العربية، في حالة غضب انتابته خلال مؤتمر دولي انعقد في نيروبي، ومطالبة مندوبة كينيا منسقة لجنة الخبراء الأفريقية في الأمم المتحدة، مصر بالاعتذار، وحرمانها من تمثيل أفريقيا في المحافل الدولية أثر ذلك.

 

سبب عدم المفاجأة، أن الكثيرين من المسؤولين، بل والمواطنين، العرب يتمتعون بجرعة عالية من العنصرية، ليس تجاه الأفارقة والهنود وشعوب أخرى فقط، إنما لبعضهم البعض، بسبب اللون أو العرق، أو الثروة، ومن يتابع وسائل التواصل الاجتماعي التي تعج بتعبيرات مثل “أنا خليجي وافتخر”، أو “الأردن أولا”، أو “فلسطين أولا”، أو “المجوس″، و”الرافضة”، و”النواصب”، و”أبناء المتعة”، يدرك جيدا ما أقول.

 

بعض الأشقاء في السودان كانوا يطلقون وصف “العبيد” على أشقائهم أبناء الجنوب قبل الانفصال وبعده، ويلصقون التوصيف العنصري البغيض بغير العرب في دارفور أيضا، وأنا شخصيا شعرت بالصدمة عندما سمعت مسؤول خليجي كبير يصف الرئيس باراك أوباما بـ”العبد”، مثلما سمعت وقرأت إهانات عنصرية الطابع توجه إلى الخليجيين وتتهمهم بالتخلف والبداوة من قبل “عرب الشمال”، والعكس صحيح أيضا، ولا ننسى تراثا دمويا هائلا حافل بقصص “الذبح على الهوية”، سواء كانت عرقية أو طائفية أو مذهبية، ولا نحتاج إلى ضرب أمثلة.

***

ما أريد قوله إننا كعرب بحاجة إلى إعادة تثقيف وتربية دينيا، وسياسيا، واجتماعيا، حول كيفية احترام الآخر والتعايش معه، واحترام ثقافته، ولغته، ولونه، ودينه، لأننا انحدرنا إلى الدرك الأسفل بعنصريتنا وطائفيتنا ونفختنا الكاذبة، ولعل أبرز مظاهر هذا الانحدار الحروب الطائفية والتقسيمات العرفية المشتعلة في أكثر من بلد عربي، وتقتات على كراهية وأحقاد تغذيها وسائل إعلام ممولة حكوميا للأسف.

 

عشت في مصر أكثر من أربع سنوات في أوائل السبعينات، حيث حصلت على شهادتي الجامعية الأولى، وكانت مصر تعج بالأشقاء من معظم البلدان العربية الأفريقية والآسيوية، وبمنح دراسية من جامعة الأزهر والجامعات المصرية الأخرى، ولا أبالغ إذا قلت إن العديد من هؤلاء الطلاب تزوجوا من مصريات، وكانوا يلقون كل الترحيب والتقدير من الحكومة والشعب في مصر، ففي زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كانت أفريقيا تحتل المرتبة الثانية في الاهتمام بعد الوطن العربي، باعتبارها العمق الطبيعي، والرصيد الشعبي والحضاري الاستراتيجي، ومولت مصر معظم حركات التحرير، وأرسلت المئات من الأئمة لنشر الدين الإسلامي المتسامح دون أي تمنن.

 

في السنوات الأربعين الماضية انقلبت الأمور رأسا على عقب، وتدهورت العلاقات المصرية الأفريقية، وبات العرب مكروهين في أعين نسبة كبيرة من الأفارقة، وها هي اثيوبيا تهدد مئة مليون مصري برغيف خبزهم ببنائها سد النهضة لتحويل مجرى النيل، بدعم مالي وفني من دولة الاحتلال الإسرائيلي، أما نحن كعرب ننشغل بحروبنا مع بعضنا البعض، وتدمير مراكزنا الحضارية، وتمزيق جيوشنا وإضعافها، وإهدار ثرواتنا وأجيالنا الحالية والقادمة.

 

العرب تغيروا نحو الأسوأ، ومصر على رأسهم، والسبب هذه الحكومات الفاسدة التي تحكمهم، والفتن الطائفية والعرقية السائدة في صفوفهم، ويجري تلقينها للأطفال في دور الحضانة وتكبر معهم حتى مرحلة البلوغ ليتحولوا إلى أدوات قتل، ونشر الكراهية الدينية والطائفية، والنزعات العنصرية.

 

عندما يقول المسشار محفوظ صابر وزير العدل المصري السابق أنه يرفض تعيين أبناء “الزبالين” في سلك القضاء المصري، فلماذا نستغرب أن يصف زميل له يصف الأفارقة بـ”الكلاب والعبيد”؟ وحتى عندما أراد المستشار الذي من المفترض أن يكون حارسا للعدالة والمساواة كقاض قبل أن يكون وزيرا، توضيح تصريحاته هذه التي صدرت عنه في برنامج تلفزيوني انطبق عليه المثل الذي يقول “جاء يكحلها عماها”، وانقل عنه تبريره حرفيا “أن مهنة القضاء من المهن المقدسة تحتاج بيئة اجتماعية جيدة لينضج فيها القاضي ويكون غير محتاج”، أي أن بيئة “الزبالين” لا يمكن أن تكون حاضنة ملائمة للقضاء.. هل هناك عنصرية وطبقية أكثر من هذا؟

***

إن أبرز أسباب الانهيار التي نعيشها حاليا، ونرى ترجماتها حروبا ودمارا في بلداننا هو غياب قيم العدالة والمساواة، وتفشي العنصرية والطائفية في معظم أوساطنا وبلداننا، وإذا لم نبدأ إستراتيجية شاملة وطويلة الأمد وسريعا لكشف هذا الإرث العفن واقتلاعه من جذوره، وإعادة منظومة قيم العدالة والمساواة، واحترام الآخر التي تحفل بها عقيدتنا الإسلامية، وقيمنا الحضارية، فإننا نهرول نحو كارثة حقيقية، ونحن مفتوحو الأعين مثل البلهاء.

 

أعرف مصر جيدا، وأعرف طبيعة شعبها الطيب المتسامح، ولا أعتقد أن مساعد الوزير، الذي أهان الأشقاء الأفارقة بزلة لسانه المعيبة، يمثل هذا الشعب، أو الأغلبية الساحقة منه، وأتمنى أن لا تتردد الحكومة المصرية بالاعتذار عن هذا الخطأ الكارثي، وبسرعة، وأن لا تدّس رأسها في الرمال، فالأمر جدي ولا يجب التعاطي معه باللف والدوران، وتشكيل لجان تحقيق.. “وخير الخطائين التوابون”.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/06/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد