آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد العوفي
عن الكاتب :
كاتب سعودي

الفساد في التوظيف والترقيات أكثر ضررا.. يا نزاهة


محمد العوفي ..

الواسطة سلوك اجتماعي يعتمد على روابط القرابة والدم (الروابط العائلية)، وقد تمتد ممارسته إلى الأصدقاء من باب الفزعة لتقديم منافع مادية أو عينية غير مستحقة لهؤلاء المستفيدين، وشاع مفهوم الواسطة، ومورس حتى في الأمور والخدمات الروتينية اليومية لتجنب الانتظار، وتسريع الإجراءات البيروقراطية، والمواعيد الطويلة.

والواسطة بمعناها السلبي الصريح يمارسها الجميع دون استثناء إلا فيما ندر، يمارسها المسؤول الكبير والصغير، وحتى الموظف البسيط، بل أصبحت محل فخر بين الموظفين أنفسهم، وأصبحوا يصنفون وفقا لذلك «هذا ينفع، وذاك لا ينفع»، ولذلك لا غرابة أن تكون أكثر أنواع الفساد الإداري انتشارا في الدراسة التي قامت بها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة»، ونشرت مؤخرا بعنوان «الفساد المالي والإداري في الجهات الحكومية الخدمية»، وهدفت إلى قياس درجة النزاهة والفساد المالي والإداري في الجهات الحكومية الخدمية، وتحديد أنواع الفساد ومستوى انتشاره.

هذه الدراسة استطلعت آراء عينة عشوائية من المراجعين والموظفين في ثلاث مناطق بالمملكة هي منطقة الرياض، والمنطقة الشرقية، ومنطقة مكة المكرمة، وتوصلت إلى أن الواسطة أكثر أنماط الفساد انتشارا في القطاع الحكومي الخدمي بحسب 62.91% من المشاركين في الدراسة.

هذا الاستطلاع لم يأت بجديد، فما توصلت إليه «نزاهة» معروف مسبقا، وهو حديث المجالس السعودية ليلا ونهارا، فالأمر وصل إلى أن من أراد أن يذهب لجهة حكومية للحصول على خدمة روتينية يبحث عن معرفة أو واسطة قبل أن يذهب إلى هناك، وهذا يحدث في الأمور الروتينية، فما بالك بما هو أكبر وأهم كالتوظيف والترقيات.

وهو الباب الذي يلج منه جمل الفساد، وإن أرادت نزاهة تحقيق شيء من النجاح عليها أن تطرقه، فالواسطة في التوظيف والترقيات تمارس بشكل فج وقبيح، وساهمت في ترقية وتعيين أشخاص غير جديرين إلى مناصب قيادية مؤثرة لا تتناسب مع مؤهلاتهم وإمكاناتهم وخبراتهم، وحرمت الدولة من الاستفادة من خدمات المتميزين الذين يتفق الجميع عليهم، وأصبحت الترقيات والتعيين يعتمدان على الاسم الأخير، وعلى من تكون محسوبا، ووصل الأمر حسب دراسة أقوم بإجرائها حاليا إلى أن التنافس أصبح محصورا بين من يملكون واسطة فقط، والغلبة تكون لمن واسطته أكثر نفوذا وقوة وتأثيرا، وفي الجهات الحكومية والقطاع الخاص في الوقت الراهن يصنف الموظفون «بأن فلانا محسوب على المسؤول الفلاني»، و»علان محسوب على المسؤول الفلاني» ... وهكذا، والتعامل مع الموظفين يختلف من موظف لآخر وفقا لقوة ونفوذ المسؤول الذي يرتبط معه بقرابة أو علاقة.

على أي حال، لا تحتاج «نزاهة» إلى جهد كبير أو استطلاع لاكتشاف تلك الممارسات، فكل ما عليها أن تذهب إلى الجهات الحكومية والجامعات والهيئات العامة وتحقق وتدقق في التعيينات، والأسماء هي الخيط الأول الذي تستطيع الإمساك به لكشف هذا الفساد.

والواسطة تظهر بوضوح في الوظائف النسائية، فهي تعج برائحة الفساد والمحسوبية التي تزكم الأنوف، فمعظم موظفات هذه الأقسام محسوبات على مسؤولي تلك الجهات من المسؤولين والمتنفذين فيها، بعض منهن لا تنطبق عليها شروط الوظيفة المنصوص عليها في التصنيف والوصف الوظيفي للوظيفة المعينة أو المسكنة عليها، فلا المؤهلات ولا الخبرات تشفع لها في ذلك، وكل ذلك يحدث حتى على مرأى من الخدمة المدنية.

أعيد وأكرر، إذا أرادت نزاهة تحقيق شيء من النجاح عليها أن تطرق باب التعيينات والترقيات، لأن الفساد لا يمكن محاربته جزئيا، فما وقع تحت يدها من دراسة يعد رأس الجليد وخيطا أوليا سيقود إلى اكتشاف فساد في مجالات أخرى أكثر خطورة وضررا على الاقتصاد والبلاد كالتوظيف والترقيات، لأن انتشاره سيقود إلى هجرة العقول المبدعة إلى دول مجاورة أو دول تفتح الأبواب للمبدعين والمؤهلين، وخسارة العقول البشرية أعظم وأكبر ضرر وقد أدركته دول عدة، فعملت على منحها حقوقها وتشجيعها للبقاء والمشاركة في البناء والتطوير.

صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2016/06/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد