آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

مهمة صعبة ومعقدة للأمير محمد بن سلمان في أمريكا

 

عبد الباري عطوان ..

تختلف الآراء وتتقاطع حول الزيارة التي يقوم بها حاليا الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد رئيس المجلس الاقتصادي الأعلى، ووزير الدفاع السعودي إلى الولايات المتحدة، فالبعض يرى أنها جاءت في الوقت المناسب لـ”ترميم” العلاقات المتدهورة بين الجانبين، بينما يرى البعض الآخر أنها جاءت متأخرة، وفي وقت تتصاعد فيها الانتقادات، أو الهجمات ضد المملكة،  وتربط بينها وبين “الإرهاب الأصولي” الذي وصل إلى العمق الأمريكي، متمثلا في هجوم أورلاندو الذي جاء استكمالا، أو حلقة أخرى جديدة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، مثلما أفاد بعض المعلقين والكتاب.

 

بالأمس خرجت علينا السيدة هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بتصريح دعت فيه إلى محاصرة أنظمة الخليج العربي، وعلى رأسها كل من المملكة العربية السعودية ودولة قطر والكويت، واتهامها بتمويل التطرف في العالم، وما ينتج عنه من إرهاب، مزايدة في ذلك على خصمها الجمهوري دونالد ترامب الذي ردد الاتهامات نفسها وزاد عليها بمطالبة السعودية بضرورة دفع ثمن حمايتها، ومنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، ووقف إصدار تأشيرات دخول لمواطني الدول التي تصدر الإرهابيين، في إشارة واضحة إلى المملكة.

 

الأمير بن سلمان يحمل رسالة واضحة إلى مضيفيه الأمريكيين تقول “ربما لم تعودوا تحتاجون نفطنا.. ولكننا يمكن أن نكون حليفا اقتصاديا استراتيجيا لكم بتشكيلنا فرصة استثمارية ضخمة لشركاتكم ورؤوس أموالكم من خلال عملية الخصخصة التي نقوم بها حاليا لشركاتنا الضخمة المملوكة للدولة، بما في ذلك شركة أرامكو العملاقة”.

***

كان لافتا أن اللقاء مع كبار المستثمرين في السوق المالي الأمريكي العملاق “وول ستريت”، وزيارة نظرائهم في “وادي السيلكون”، حيث شركات “الدوت كوم”، يتصدران جدول أعمال زيارته الأمريكية، إلى جانب لقاءاته السياسية (التقى جون كيري وزير الخارجية أمس) وبهدف الترويج لخطة “التحول الاقتصادي” التي يشرف عليها شخصيا وتتمثل في “رؤية السعودية عام 2030″ التي ترتكز على تنويع مصادر الدخل، وتقليص الاعتماد على العوائد النفطية في ظل تراجع أسعاره وفتح الأسواق السعودية للاستثمارات الخارجية.

 

للوهلة الأولى تبدو لهجة الأمير بن سلمان تجاه أمريكا “تصالحية” وتكشف عن “تراجع″ ملحوظ عن اللهجة “التهديدية” التي اتبعتها بلاده طوال العام الماضي، وانعكست في تصريحات السيد عادل الجبير وزير الخارجية، التي لوح فيها بسحب ما قيمته 750 مليار دولار من الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة كرد على تمرير الكونغرس قرارا بالسماح لأهالي ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر بمقاضاة الحكومة السعودية أمام المحاكم الأمريكية باعتبارها تتحمل مسؤوليتها لوجود 15 سعوديا من بين 19 من منفذي هذه الهجمات، وتورط أعضاء في الأسرة الحاكمة بدعمهم، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

 

لعل الاتهامات التي وجهها بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة إلى المملكة من خلال كشفه عن ممارساتها لضغوط مكثفة عليه لحذف اسمها، وتحالفها العربي، من القائمة السوداء للدول التي تقتل الأطفال وتشوههم، بالإشارة إلى أطفال اليمن، من بينها (أي الضغوط) وقف كل أشكال الدعم المالي لها ولمنظماتها،  وإصدار فتوى من كبار العلماء تتهم المنظمة الدولية بمعاداة الإسلام، هذه الاتهامات التي جاءت قبل بضعة أيام من زيارة الأمير بن سلمان، إلى جانب أخطاء وممارسات كارثية ارتكبتها المملكة اتسمت بالغرور والغطرسة، ربما تكون خلف هذه التراجعات، واللهجة التصالحية في خطاب الزائر السعودي، وربما يفيد في هذه العجالة الإشارة إلى أنها، أي المملكة، وظفت أربع شركات علاقات عامة فرنسية لإصلاح صورتها “السيئة” في فرنسا إلى جانب شركات أمريكية عملاقة أخرى للغرض نفسه.

 

السؤال هو، عما إذا كانت “المؤسسة” الأمريكية الحاكمة ستشتري البضاعة التي يعرضها عليها الأمير الشاب محمد بن سلمان أثناء زيارته هذه أم لا؟ وهل ستلبي مطالبه الأخرى التي يريدها في المقابل؟

 

من الصعب الإجابة على هذا السؤال لأن نتائج هذه الزيارة، مثل أي زيارات أخرى مماثلة لمسؤولين آخرين، لا تظهر فورا، وتحتاج إلى وقت، ولكن ما يمكن التكهن به، ومن خلال معرفة طريقة عمل المؤسسات الغربية الحاكمة، بأن “المؤسسة” الأمريكية سترحب بالعروض المالية، والفرص الاقتصادية التي يحملها الضيف السعودي، ولكن هذا قد لا يعني التغيير في سياساتها ومواقفها، وأبرزها اعتماد إيران كحليف استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، والتخلي تدريجيا عن تحالفها مع السعودية الذي استمر أكثر من 70 عاما، ولذلك فإن “المقايضة” التي يطرحها الأمير الشاب على مضيفيه الأمريكيين بالعروض الاقتصادية المغرية مقابل التخلي عن هذا التحالف المتنامي مع إيران، ربما لن تلق القبول الذي يسعى إليه، ولكن لا بأس من المحاولة، ومواصلة الطرق على الأبواب بحثا عن مجيب، لعل وعسى.

***

الأمريكيون بارعون في الخداع والتضليل، ووضع مصالحهم الإستراتيجية العليا فوق كل الاعتبارات الأخرى، ففي الوقت الذي كانت تبيع فيه السعودية ما قيمته 110 مليار دولار من صفقات الأسلحة (60 مليارا عام 2010، و48 مليارا في عامي 2012 و2013) تحت ذريعة الاستعداد للحرب على إيران باعتبارها الخطر كانت تتفاوض سرا مع الأخيرة لنقلها من خانة العدو إلى الحليف، وإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء.

 

في مقالة نشرتها شبكة “بي بي سي” على موقعها أمس قالت كيم غطاس مندوبتها في واشنطن، إن الشيء الوحيد الذي يوحد الجمهوريين والديمقراطيين الأمريكيين رغم خلافاتهم الكثيرة هو انتقاد المملكة العربية السعودية وسياساتها، وحتى في البيت الأبيض نفسه، يعمل المسؤولون الأمريكيون على تذكير زوارهم بأن النسبة الأكبر من مهاجمي برج التجارة العالمي في نيويورك كانوا من السعوديين.

 

مهمة الأمير محمد بن سلمان في أمريكا صعبة ومعقدة، لأن أمريكا تغيرت أولوياتها الإستراتيجية، ولم تعد المملكة العربية السعودية على رأسها، أو باتت تحتل مرتبة متدنية في قاع سلمها، ولعل الرئيس باراك أوباما لخص هذه الحقيقة في بضع كلمات في مقابلته مع مجلة “اتلانتيك” بقوله “هناك بعض الحلفاء يريدون ركوبا مجانيا للظهر الأمريكي”، وهذا الزمن انتهى.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/06/14

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد