آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

تفجيرات مطار اسطنبول الانتحارية هل ستعجل بـ”الانقلاب” في السياسة التركية في الملف السوري؟

 

عبد الباري عطوان ..

خففت المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان ظهر اليوم، من وقع الصدمة الناجمة عن التفجيرات الانتحارية الإرهابية التي ضربت مدخل مطار أتاتورك في إسطنبول، وأسفرت عن مقتل 42 شخصا وإصابة 240 آخرين تسعة منهم في حال خطرة.

 

الرئيس بوتين الذي أدان هذه الهجمات بقوة أصدر تعليماته فورا برفع كل العقوبات الاقتصادية المفروضة على تركيا كرد فعل على إسقاط الطائرة الروسية من قبل مقاتلات تركية قرب الحدود السورية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بما في ذلك عودة حوالي خمسة ملايين سائح روسي سنويا إلى المنتجعات التركية وتطبيع كامل للعلاقات.

 

وصول التفجيرات الانتحارية إلى مطار اسطنبول الذي يمر عبره 60 مليون مسافر سنويا اختراق أمني خطير، وضربة كبرى لصناعة السياحة التركية التي تدر 36 مليار دولار على الخزينة التركية، خاصة أنه الهجوم الثالث منذ بداية العام، مما يرفع عدد القتلى إلى 200 شخص، علاوة على مئات الجرحى.

 

السيد بن علي يلدريم رئيس الوزراء التركي قال إن هذه التفجيرات تحمل بصمات “الدولة الإسلامية”، وتتشابه مع نظيراتها التي وقعت في كل من باريس وبروكسل، مع فارق أساسي لافت وهو أن هذه “الدولة” لم تعلن مسؤوليتها عن تنفيذها مثلما فعلت في كل التفجيرات المماثلة التي وقعت في إسطنبول، الأمر الذي يجعل أي قراءة تحليلة لها عملية صعبة للغاية.

***

الحكومة التركية تعرضت لاتهامات عديدة بدعم “الدولة الإسلامية” وجماعات إسلامية أخرى متشددة، سواء من قبل نظيرتها السورية أو الروسية أيضا، حتى أن الرئيس بوتين نفسه تحدث عن مرور الآلاف من المقاتلين وعشرات الآلاف من أطنان الأسلحة عبر الأراضي التركية إلى هذه المنظمات التي تقاتل لإسقاط النظام في سورية، ومن هنا فأن السؤال الأهم يظل حول الأسباب التي دفعت هذه “الدولة الإسلامية” ومقاتليها لاستهداف العمق التركي بمثل هذه التفجيرات، وخرق الهدنة “غير المعلنة” بين الطرفين؟

 

الرئيس أردوغان تبنى، ودون أدنى شك، المعارضة السورية المسلحة، وقدم لها تسهيلات عسكرية ولوجستية ضخمة لم تقدمها لها أي دولة عربية أخرى، اعتقادا منه بقدرتها على انجاز مهمتها في إسقاط النظام السوري في أشهر معدودة، ولكن هذا الرهان لم يكن في محله، لأسباب عديدة أبرزها صمود الجيش السوري، والتدخل العسكري الروسي، ورفض إدارة الرئيس أوباما تكرار تجربتها في العراق، وإرسال قوات برية إلى سورية تجنبا للتورط في حرب إقليمية أو حتى عالمية.

 

نقطة التحول الرئيسية التي أغضبت “الدولة الإسلامية” في تقديرنا، ودفعتها إلى التخلي عن “حياديتها” تجاه النظام التركي تتمثل في عدم تدخل تركيا عسكريا لصالحها للقتال ضد النظام السوري أولا، وحمايتها من الهجمات التي شنتها، وتشنها، ضدها القوات العراقية المدعومة من الحشد الشعبي، ونجحت في إخراجها من مدينتي الرمادي والفلوجة، وربما تمهيدا لإخراجها من الموصل أيضا.

 

قيادة “الدولة الإسلامية” تنظر إلى تركيا على أنها زعيمة “العالم السني” والعصب الرئيسي للخلافة الإسلامية، الأمر الذي يحتم عليها تحمل أعباء هذه الزعامة كاملة بالتصدي للمشروع الإيراني في المنطقة، ولكن الحكومة التركية التي لم تتعهد أساسا، أو علنا على الأقل،  بمثل هذا الدور، لم تنفذ التزاماتها المفترضة هذه، بل عملت العكس كليا عندما غضت النظر عن هجمات القوات الكردية الممثلة في الجيش السوري الديمقراطي على مواقعها (الدولة) في منبج وإعزاز، والقصف الجوي الروسي السوري لأخرى في ريف حلب، ومدينة الرقة في سورية، بل وقصفت مواقع للدولة بالمدفعية في الجانب السوري من الحدود في ريف حلب الشمالي.

 

“الدولة الإسلامية” تقاتل حاليا على عدة جبهات في الوقت نفسه، الأولى في الفلوجة، والثانية في الرقة، والثالثة في ريف حلب وجواره، وتكبدت خسائر كبيرة بشرية وجغرافية، ومن غير المستبعد أن تكون قررت الانتقام من “حلفائها السنة” الذين خذلوها، وأولهم تركيا، بضرب صناعتها السياحية، وخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في عمقها، وتفجيرات اسطنبول الأخيرة قد تكون تطبيقا دمويا لهذا النزعة الانتقامية، إذا صحت اتهامات السيد يلديريم بأنها تقف خلفها، وهذا ما لا نستبعده.

 

الرئيس أردوغان بتطبيعه المزدوج للعلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ومع روسيا في الوقت نفسه، وانخراطه في التنسيق الأمني والعسكري معهما على أعلى المستويات، يكون قد انتقل بكل ثقله عمليا إلى خندق الحرب ضد الإرهاب و”الدولة الإسلامية”، والجماعات الأخرى المتشددة المماثلة لها، الأمر الذي سينعكس على مواقفه تجاه الأزمة السورية في الأسابيع القليلة المقبلة.

 

جوش ارنست، المتحدث باسم البيت الأبيض الأمريكي لخص في تعليقه على تفجيرات مطار أتاتورك، خريطة التحرك الإقليمي الدولي المتوقع، وتركيا ستكون أحد أركانه حتما، عندما قال “إن واشنطن قلقة من قدرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على شن مثل هذا النوع من الهجمات الإرهابية ليس في العراق وسورية فقط، وإنما في أماكن أخرى أيضا”.

***

“الدولة الإسلامية” انتقلت، في اعتقادنا، إلى الخيار الثاني البديل في إستراتيجيتها، أي الهجمات الإرهابية الانتقامية خارج حدودها، والنزول إلى العمل السري تحت الأرض، وهو الأسلوب نفسه الذي تبناه تنظيم “القاعدة” وكان موضع انتقاداتها، لأنها أدركت وفي ظل التحالف الدولي الذي يستهدفها حاليا بقيادة الدولتين العظميين، أن نظرية “التمكن” والحفاظ على الأرض ودولة الخلافة في صورتها الحالية، وهو خيارها الأول، قد تكون مسألة صعبة للغاية.

 

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكد في أحدث تصريحاته التي أدلى بها مباشرة، بعد المحادثة الهاتفية بين رئيسه بوتين ونظيره التركي أردوغان “أن روسيا وتركيا ستستأنفان على الأرجح التعاون لحل الأزمة السورية”، وهذا التعاون سيشمل جوانب عدة من بينها إعطاء، أولوية الحرب على “الدولة الإسلامية” أولا، والقبول بالتفاهمات غير المعلنة حول الحل السياسي للازمة ثانيا.

 

تركيا بعد “التطبيعين”الإسرائيلي والروسي ستكون مختلفة، والمكالمة الهاتفية بين أردوغان وبوتين تجّب كل ما قبلها، وتؤسس لمرحلة جديدة مختلفة من التحالفات والسياسات في سورية والمنطقة بأسرها،وهي تحالفات وسياسات ليست خالية من المخاطر في كل الأحوال.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/06/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد