آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
غسان بادكوك
عن الكاتب :
كاتب رأي في جريده عكاظ. مستشار إعلامي. نائب رئيس لجنة العلاقات العامة بغرفة جدة

شركة الكهرباء .. أيهما أولا الترشيد أم التطوير؟!

 

غسان بادكوك ..

توقّفت طويلا أمام الحملة التسويقية النشيطة التي تنفذها منذ أسابيع شركة الكهرباء عبر مختلف وسائل النشر؛ ربما استباقا لدخول فصل الصيف الذي بدأ فلكيا منذ بضعة أيام، مع ما يعنيه ذلك من ارتفاعات حادة على قيمة فواتير الكهرباء، وتستهدف الشركة من حملتها توعية مشتركيها بالترشيد في استخدام الطاقة، وإيصال (رسالة) أعتقد أنها صعبة التسويق؛ تلك الرسالة هي إمكانية تحكّم المشتركين في مقدار المبالغ التي يدفعونها شهريا ثمنا لاستهلاكهم من الكهرباء، ولكي تزيد الشركة من فرصة إقناعنا بما تود (تجميله) فإنها ابتكرت شعارا جذابا للحملة يقول: (فاتورتك بيدك)!؛ بمعنى أن بمقدور المستهلك توفير الكثير من قيمة الفاتورة، ولا شك أن الشعار السابق مُلفِت وسهل التطبيق (على الصعيد النظري) ولكنه صعب التحقيق (عمليا)، لأن (حاجتنا) للكهرباء؛ وخصوصا لتشغيل أجهزة التكييف، تختلف كثيرا عن حاجة معظم شعوب العالم؛ لأسباب بديهية سأذكرها لاحقا.

 

ومع التقدير للجهود التوعوية لشركة الكهرباء، وطموحها في إنجاح حملتها، وحرصها على تسويق شعارها البرّاق الذي (يداعب عواطف الناس ولكنه لن يوفّر كثيرا على جيوبهم!)، فإن من الصعوبة بمكان ترجمة شعار حملة الشركة بخصوص (إمكانية) التحكم في قيمة فواتير الكهرباء، على أرض الواقع لعدة أسباب؛ أذكر منها:

 

1- أن المناخ السائد في معظم مناطق بلادنا هو مناخ صحراوي؛ يتميز بالرطوبة العالية أو الجفاف الشديد المصحوبين بارتفاع درجة الحرارة في غالبية شهور العام، وبالتالي فإن هناك صعوبة كبيرة تكاد تصل لحد الاستحالة في العيش بدون تشغيل أجهزة تكييف الهواء معظم ساعات النهار، وغالبا في معظم ساعات الليل أيضا؛ خصوصاً ونحن نعلم أن المكيّفات تستأثر بنحو 60% من قيمة الاستهلاك السكني، وبذلك فهي الـ(المتهم الأول) في لهيب أسعار فواتير الكهرباء؛ وتحديداً خلال أشهر الصيف، وعليه فإن تشغيل المكيفات لم يعد ترفاً بل صار (ضرورة) حياتية في طقس حار بشكل استثنائي كطقس المملكة.

 

2- عدم تقديم الشركة في حملتها الإعلانية أية معلومات جديدة (لا نعرفها) من أجل تخفيض استهلاك الكهرباء، وأن ما تضمنه إعلان الشركة الشهير هو بيان التعرفة الجديدة للكهرباء، والشرائح المختلفة للاستهلاك السكني؛ وهو أمر لا يتطلب في تقديري، حملة مكثفة ومكلفة مادياً، في حين أهملت حملة الشركة نشر خططها الرامية لتطوير تقنيات إنتاج الكهرباء بوسائل أقل تكلفة، أو إعلان عزمها على اتخاذ إجراءات أو سياسات محددة من شأنها مساعدة المشتركين على عدم الدخول لشرائح الاستهلاك العالية.

 

3- أن إعلان الشركة أغفل مبادرات هامة كنا ننتظرها منها، مثل إعطاء حوافز للمشتركين مقابل تقليل استهلاكهم خلال أوقات الذروة، كما تجاهل الإعلان تفاوت مساحات المنازل بشكل كبير، وبالتالي اختلاف حاجة كل منها للتكييف؛ فمقدار الطاقة اللازمة لتشغيل مكيفات شقة صغيرة مساحتها 100 متر مربع، وبعدد غرف لا يتجاوز 3، ويسكنها 4 أو 5 أفراد، تختلف قطعاً عن مقدار الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل مكيفات شقة أكبر أو فيلا دوبلكس متوسطة الحجم؛ قد تبلغ مساحتها 400 متر مربع ويسكنها 9 أفراد على سبيل المثال، وهذه بدورها تختلف عن الكهرباء اللازمة لتكييف فيلا أكبر حجما، وبالتالي فإن زيادة استهلاك الكهرباء في المنازل ليست بسبب الإسراف ولكن لشدة حرارة الطقس وارتفاع عدد أفراد الأسرة في تلك الوحدات السكنية، وبالتالي حاجتهم لعدد أكبر من أجهزة التكييف.

 

4- أن تشغيل ثلاثة مكيفات من نوع (Window Type) وبقدرة 18 ألف وحدة للجهاز الواحد، كفيل بنقل فاتورة المشترك من الشريحة الأولى للشريحة الثانية، وبالتالي مضاعفة قيمتها؛ لأن استهلاك المكيف (الصغير) الواحد بتلك السعة يُقدّر بنحو 30 كيلو وات/ ساعة، في اليوم (في حالة تشغيله لنحو 12 ساعة يوميا فقط)، وهذا يعادل استهلاكا مقداره 900 ك.و.س في الشهر، وبقيمة تبلغ نحو 50 ريالا شهريا، وعند تشغيل تلك المكيفات الثلاثة سيصل الاستهلاك لنحو 3000 ك.و.س في الشهر؛ وبحسبة بسيطة فإن قيمة فاتورة ذلك المشترك ستبلغ نحو 300 ريال؛ لأن استهلاكه يتجاوز الـشريحة الأولى البالغ حدها الأقصى2000 ك.و.س وسعرها ٥ هللات لـ(الكيلو)، وسينتقل استهلاك ذلك المشترك إلى الشريحة الثانية، التي يبلغ سعر الـ (ك.و.س) فيها 10 هللات؛ (هذا على افتراض عدم تشغيل أية أجهزة أخرى في المنزل طوال الشهر!).

 

من جانب آخر، فإن ثمة معضلة (كهربائية) كبيرة لا يزال يعاني منها الكثير من المواطنين، مع استمرار تجاهل شركة الكهرباء لمطالبهم المستمرة بحلها، وسبق لي أن كتبت عنها مقالا في هذه الجريدة، وتدور حول رفض شركة الكهرباء تقسيم العدادت ذات القواطع العالية من فئة (200 أمبير) فأكثر، إلى عدادات بقواطع أصغر؛ لتقليل شريحة الاستهلاك، خصوصا في الوحدات السكنية التي يسكن فيها بعض أبناء الأسرة في ملاحق صغيرة من (بيت العيلة)، بعد زواجهم؛ نظرا لارتفاع الإيجارات، وتدني الأجور، ولكن شركة الكهرباء دأبت على رفض تحقيق هذا المطلب، في الوقت الذي لا تمانع فيه الشركة من الإجراء العكسي (المحقق لمصلحتها) وهو زيادة قوة العداد، لو طلب المشترك ذلك!.

 

وعليه فلا بد أن تعي شركة الكهرباء أن احتكارها لصناعة توليد ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية في المملكة لا يعني إهمالها تطوير تقنيات تؤدي لخفض تكلفة الإنتاج، أو إطلاق يدها في رفع تكلفة المعيشة، وعدم مراعاة حرارة مناخنا، وتجاهل ظروف الناس المالية، خصوصا محدودي الدخل منهم، وفيهم العجزة والعاطلون والمعاقون والأرامل والمفصولون حديثا (بموجب الماد ة 77 من نظام العمل)، والمعتمدون على مساعدات الضمان الاجتماعي، كما لا بد أن تدرك شركات الخدمات العامة أن الرفع التدريجي للدعم الحكومي عن الوقود والكهرباء والماء، ليس الهدف منه الإضرار بالمواطن بل تشجيعه على المساهمة عن طيب خاطر في جهود حكومتنا الرشيدة للتكيف مع مرحلة تراجع سعر البترول ومعالجة الخلل الاقتصادي.

 

صحيفة عكاظ

أضيف بتاريخ :2016/07/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد