آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سلمان سالم
عن الكاتب :
نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

الحسين الشهيد... وسر خلوده في الوجدان الإنساني

 

كثير من الأحداث الكبيرة والوقائع القاسية والحروب المدمرة والمآسي المؤلمة التي حدثت في مختلف الحقب التاريخية، لم يكتب لذكراها البقاء بين الأمم فترة طويلة، ولم تفكر المجتمعات الإنسانية في إحيائها بأية صورة من الصور، بخلاف واقعة كربلاء الحسين (ع) التي خلدت حتى هذه اللحظة 1376 عاماً هجريّاً، ومازالت حاضرة في وجدان ومشاعر الإنسانية، وفي كل عام تضاف إليها فعاليات إنسانية واجتماعية وثقافية وفكرية وأخلاقية متنوعة، يا ترى ما هو سر خلودها بهذا الزخم المنقطع النظير؟

 

لا شك ولاريب أن الحدث كبير جدّاً ونتائجه مأساوية وقاسية بكل المقاييس الإنسانية، ولا يمكن لأحد في العالم الإنساني وصف ما حدث في اليوم العاشر من محرم الحرام في العام 61 هجرية (680م)، بكل تفاصيله وحيثياته الدقيقة، لأن الفجائع المؤلمة في كربلاء التي تحمّلها الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه (رض) كانت بعيدة جداً عن دائرة التصورات والتوقعات الإنسانية، فجميع أئمة أهل البيت (ع) وهم يذكرون الأمة الإسلامية بفاجعتها وقسوتها، وبالأهداف السامية التي من أجلها قدم الإمام الحسين (ع) نفسه الزكية والتضحيات الجليلة، ويذكرونهم أن الإمام الحسين (ع) الشهيد هو حفيد رسول الله محمد (ص)، الذي خلفه من بعده في أمته، ليكون الهادي الأمين لدين الله والمدافع القوي عنه بكل غال ونفيس، وأنه الامتداد الحقيقي للرسالة النبوية، ودائماً وفي كل المحافل يذكرون الناس بأقوال النبي (ص) في الإمام الحسين (ع)، كقوله (ص) «حسين مني وأنا من حسين» و «الحسن والحسين إمامان إن قاما أو قعدا» و «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة».

 

وأصبحت الأمة حافظة لأقوال الرسول الأكرم (ص) في حفيده الإمام الحسين (ع)، ودونتها في كتبها المعتمدة، ولم يخل كتاب إسلامي معتبر عند مختلف المذاهب الإسلامية من هذه الأقوال الشريفة التي قالها رسول الله وسيد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله (ص) في سبطه الحسين (ع)، الذي قال عنه الله تعالى جلت قدرته «وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى» (النجم: 4).

 

إن تبيان الرسول (ص) لمكانة الحسين (ع) في الدعوة المحمدية، والمقام المحمود الذي جعله الله له في الجنة، يريد أن يقول لأمته (ص)، إذا أردتم النجاة والحياة السعيدة، سيروا على درب الحسين (ع) الذي هو درب رسول الله (ص)، فإنه الدليل الأمثل إلى الجنة، وفهو (ص) يوصي أمته بريحانته (ع) خيراً، وألا يمسوا كرامته وعزته وإباءه وشموخه (ع) بسوء.

 

والأمر الآخر إصرار أئمة أهل البيت (ع) على تذكير الأمة بما جرى على سبط رسول الله (ص) الحسين الشهيد (ع) في كل وقت وحين، ويأتون بالشعراء والأدباء والمفكرين ليتحدثوا عن واقعة كربلاء الأليمة، التي أدمت قلوب الإنسانية جمعاء وأدمعت عيون البشرية قاطبة، فالأمة بكت من أجل المبادئ والقيم الدينية والأخلاقية والإنسانية التي كان الشهيد الإمام الحسين (ع) يدعو إليها، وقدم من أجلها نفسه الزكية والتضحيات الكبيرة، فكان يرفض التخلي عنها والقبول بالأمر الواقع الذي فرض على أمة جده المصطفى (ص)، والذي يبعدها كثيراً عن دعوة النبي (ص)، التي أسس دعائمها دون ملل ولا كلل، على رغم ما فعلته به قريش من تنكيل وتعذيب وسخرية وشن الحروب الطاحنة عليه، والقيام بمحاولات القتل، واتهامه بالسحر تارة وبالجنون تارة أخرى، كل ذلك لم تستطع قريش وكل الأحزاب المتعاونة معها أن تثنيه عن مواصلة تبليغ الرسالة الإسلامية كاملة.

 

إن الحسين (ع) جعل جده رسول الله (ص) قدوته وأسوته في الثبات على الحق واليقين بأحقية مبادئه، والصبر على البلاء والصدق في القول والفعل، وهو لذلك لم يتراجع عن ثباته ويقينه وصبره في أحلك الظروف وأقساها قيد أنملة، ولأنه (ع) نهض من أجل الإسلام والإصلاح والوحدة، فقد أعطى كل ما يملك لله، فأعطاه الله الكريم الخلود في وجدان الإنسانية في الدنيا، وأعطاه المقام المحمود في الجنة، فهذا هو سر خلوده (ع) في وجدان ومشاعر الإنسانية إلى يومنا هذا.

 

لقد أصبح الحسين المثل الأسمى للإنسانية المتعطشة للعدل والمساواة ووحدة الكلمة وسماحة الدين الذي يحترم الإنسان ويقدره في كل الأبعاد.

 

إن ثبات الإمام الحسين (ع) على الحق ويقينه بمبادئ الإسلام الحنيف، جعل أهداف نهضته المباركة متجددة وحاضرة في وجدان الإنسانية في كل العصور والأزمان، فأصبحت تراه وتذكره في كل وقت وفي أحلك الظروف، فجعلته البلسم الذي يخفف عنها الآلام النفسية والجسدية، ولم تستطع الانفكاك عن مبادئه الأخلاقية والإنسانية. لقد تعلمت الإنسانية من الحسين (ع) أن الحق لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق.

 

الكاتب: سلمان سالم

المقال لصالح صحيفة الوسط البحرينية.

 

أضيف بتاريخ :2015/10/22

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد