آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
غسان بادكوك
عن الكاتب :
كاتب رأي في جريده عكاظ. مستشار إعلامي. نائب رئيس لجنة العلاقات العامة بغرفة جدة

أزمة حقوق العمال.. لماذا؟

 

غسان بادكوك ..

لا يخالجني أدنى شك بأن كلا من وزارة المالية، ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية، لم تتمكنا من التعامل بسرعة واحترافية مع قضية تأخير المستحقات المالية لبعض الموظفين والعمال في بعض الشركات الوطنية، ومما ضاعف من أثر الموقف على كل من سمعة بلادنا وصورة اقتصادنا هو أن أصحاب الحقوق المتأخرة ليسوا سعوديين فقط، بل إن نسبة كبيرة منهم هم عمالة وافدة نظامية تجاوز عددها الآلاف، وهو ما يعني أن تلك القضايا لم تعد وطنية الطابع ولا محدودة الانتشار، وإنما أخذت طابعا أوسع بعد أن تدخلت الأجهزة المعنية في بلدان لها وزنها السياسي والاقتصادي كفرنسا والهند، بهدف ضمان حصول عمالتها على مستحقاتهم المتأخرة.

 

هذه القضية تؤكد مجددا حالة الانفصام (القيمي) بين خطابنا المجتمعي وحتى التعليمي، وبين واقعنا المعاش، حيث تؤكد خطاباتنا دوما حرصنا على التمسك بالقيم الإسلامية والإنسانية السامية التي من أبرزها أداء الحقوق لأصحابها -في وقتها- وهو ما يعكسه مضمون الحديث النبوي الشريف الذي ينص على «اعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» والذي ينطوي على توجيه صريح وواضح للأمة على سرعة دفع حقوق الأجراء بدون تأخير، ومع ذلك فإن تصرفاتنا -مع الأسف- تزدحم بالكثير من الممارسات غير النظامية ولا الشرعية التي قد تتناقض مع ذلك التوجيه الكريم.

 

وحقيقة لا أعرف ما الذي كان ينتظره وزير العمل كي يتحرك مبكرا لوضع حد لهذه القضايا التي تتنافى مع مبادئنا الدينية والوطنية، وتضر بشكل بالغ بصورة بلادنا في الخارج، وتهز الثقة في اقتصادنا؟ وهل كان الوزير بانتظار حدوث معجزة من نوع ما كي يبادر إلى التعامل الصحيح مع الموقف فور حدوثه؟؛ خصوصا أن معاليه الوزير المعني مباشرة بهذا الملف، ولديه من المواد النظامية والصلاحيات الوزارية ما يكفي لاحتواء تلك الأضرار، واللافت أن يحدث ذلك ونحن في خضم عملية تصحيح اقتصادي شاملة، أحد أهدافها الرئيسية إرسال رسالة للعالم مفادها قدرتنا على معالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الوطني.

 

ولم يعد خافيا أن هناك مستخلصات متأخرة لبعض شركات المقاولات وغيرها لدى وزارة المالية؛ وهو أمر مألوف في إجراءات الدفع الحكومية، وكان المأمول منذ تواتر (الأنباء الأولى) عن تأخير دفع المستحقات قيام (المالية) بالتنسيق مع وزارة العمل لتشكيل (خلية أزمة) هدفها الأول هو دفع الحقوق مستحقة الأداء لأولئك الموظفين والعمال، ثم خصمها من مستحقات الشركات المتأخرة في السداد، قبل أن تتفاقم المشكلة وتأخذ أبعادا سلبية كنا في غنى عنها، وحتى مع افتراض عدم وجود مستحقات متأخرة للشركات لدى وزارة المالية، كان من المفترض مبادرة الوزارتين -كل في اختصاصه- لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتعامل الحكيم والسريع مع الموقف وبما يحفظ سمعة البلاد ويؤكد قدرتنا على التعامل الصحيح مع الأزمات.

 

من جانب آخر، فإن ما حدث يطرح جملة من التساؤلات من أبرزها:

 

1ــ هل سيعتبر عدم التعامل الصحيح مع الأزمة هو بمثابة مؤشر على وجود حاجة ماسة لتطوير نظامنا الحقوقي، بحيث يسمح لمثل أولئك العمال برفع دعاوى قضائية (عاجلة) ضد الشركات التي يعملون فيها أمام (محاكم عمالية) متخصصة وبحيث يتم النظر فيها بشكل فوري؟.

 

2ــ ما هي إمكانية تطوير أنظمتنا ذات الصلة؛ على نحو يتيح الحجز الفوري على الأرصدة البنكية (الشخصية) لملاك الشركات المماطلة في الدفع، لاستيفاء حقوق الناس منها، وذلك عوضا عن إيقاف الخدمات عن تلك الشركات وهو ما قد يزيد الوضع سوءا!.

 

3ــ هل يمكن النظر في السماح بقيام هيئات (عمّالية الاختصاص)، تتولى مباشرة مثل هذه القضايا؟.

 

وتبقى الإشارة إلى أن أضرار تأخُّر صرف قيمة المستخلصات، وعدم التزام بعض الشركات الوطنية الكبرى بتعاقداتها، لا يقتصر على الانتقاص من حقوق بعض الموظفين والعمال، وإنما لذلك تداعياته السلبية أيضا على تأخير دفع مستحقات عدد غير قليل من مقاولي الباطن والموردين، وهو ما ينعكس بشكل بالغ على قطاعات عديدة أخرى في اقتصادنا الوطني، تتجاوز بطبيعة الحال قطاع الإنشاءات والتعمير، كما أن تكرار هذه الأزمة سيؤثر سلبا على قدرتنا في استقطاب استثمارات أجنبية جديدة، وهو أمر ينبغي التعامل معه بأكبر قدر من الجدية والحزم، كما أن ما حدث هو أدعى للتعجيل بتخفيف الأسلوب المركزي الذي لا يزال يغلب على الأداء الإداري في وزاراتنا ومؤسساتنا العامة.

 

أخيرا، فإن ما يثير الغرابة والمزيد من التساؤلات هو تصريحات وزير العمل والمنشورة في هذه الجريدة يوم الثلاثاء الماضي، حيث ذكر فيها أن «نظام العمل في المملكة نص على (حفظ حقوق العاملين) في منشآت القطاع الخاص، وأوجد (علاقة متوازنة بين أصحاب العمل والعمال)، لضبط العلاقة التعاقدية بينهما، إضافة إلى (حماية أجورهم) عبر التشريعات والسياسات المقرة في تنظيم العلاقة، و(ضمان صرف الأجور في موعدها المتفق عليه)»، ومصدر الغرابة في العبارة السابقة هو أن ما ذكره معاليه هو معلوم بالضرورة، ولكن ما كنا ننتظر معرفته من مسؤول رفيع مثله هو بيان سبب تأخر وزارته في تطبيق نظام العمل لصالح العمال المتضررين، وعدم مبادرتها لحلحلة الأزمة ووقف الأضرار قبل أن تتفاقم وتنقلها شبكات ميديا دولية مؤثرة مثل الـCNN والـBBC؟!.

 

والأكيد هو أنه لولا تفضّل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -يحفظه الله- بإصدار توجيهاته الكريمة قبل أيام لمعالجة أوضاع العمالة المتضررة من تجاوزات المنشآت التي يعملون بها، لاستمرت أزمة أولئك العمال، مع كل ما سببته من أضرار بالغة على أكثر من صعيد.

 

صحيفة عكاظ

أضيف بتاريخ :2016/08/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد