آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
هاني الفردان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي بحريني

«على نفقة الدولة»...أسطوانة مشروخة


هاني الفردان ..

برزت منذ أحداث رمضان (أغسطس/ آب 2010)، وما بعد فبراير/ شباط 2011 حتى الآن، نغمة تقوم على نظرية محاسبة الأفراد و«معايرتهم» من وجهة نظرهم بما حصلوا عليه من الدولة من خدمات في الصحة والتعليم، وبشكل عام البنية التحتية الأساسية!

نغمة توقعنا أنها اختفت لما تحتويه من لغة «تهميش» و«تمييز» و«إقصاء» لمكون في هذا المجتمع، لكنها لازالت موجودة في عقول مرضى نفسيين يرون كل شيء محصوراً فيهم، ويجب أن يحرم كل من يختلف معهم من كل حقوقه، حتى يخضع لهم ولميولهم.

في هذا التوقيت من كل عام يطل علينا موضوع البعثات الدراسية، وما يواكبه من تذمر واضح نتيجة آليات توزيعها بالطريقة التي فرضت بعد أحداث فبراير/ شباط 2011، والتي تقوم على أساس أخذ 60 في المئة من المعدّل، وتخصيص نسبة 40 في المئة لمقابلة شخصية تقوم بها لجنة معينة، أعلن عنها في 14 يونيو/ حزيران 2011، أي بعد 14 يوماً فقط من إنهاء حالة السلامة، بلا معايير ولا ضوابط، فيما نصنفها ضمن خانة ردة الفعل السياسية في تلك الفترة واستهدفت فئة كبيرة من الشعب.

آلية توزيع البعثات «آلية سياسية»، واضحة المعالم والأهداف، لذلك نجد البعض من المرضى النفسيين لا يكلون من تكرار أسطوانتهم المشروخة بالحديث عن «أموال الدولة» وإنفاقها على اعتباره اللسان «الوطني» الذي يطرح القضايا ببعد «متجرد ووطني»، بينما طرحه إقصائي يعتقد فيه أن مال الدولة حقه وحده ومن يواليه!

أصبح البعض يتحدّث لك ويقول، لماذا تفعل كذا وتطالب بكذا والدولة هي من صرفت عليك منذ صغرك وعلمتك وأرسلتك للخارج للدراسة، ووفرت لك الرعاية الصحية والطرقات وغيرها من الخدمات؟

«على نفقة الدولة» تعلمت، «على نفقة الدولة» سكنت، «على نفقة الدولة» تعالجت، «على نفقة الدولة» ابتعثت، «على نفقة الدولة» حصل أخوك على سكن! «على نفقة الدولة» كان منزل أبيك من بين مشروع «الآيلة للسقوط»! والقائمة تطول من العبارات في ذلك الوقت.

الآن النغمة الإقصائية والتمييزية والاضطهادية تعود من جديد بطريقة أفظع من السابق، وهي الدعوة لحرمان فئة كبيرة من الشعب من حقوقها في كل شيء، بما فيها التعليم والبعثات وبنغمة «على نفقة الدولة».

مَنْ يُنفق على مَنْ؟ ومِنْ أين جاءت الدولة بهذه الأموال التي يقال عنها إنها تنفقها على الشعب؟ وما هي المهنة التي تمتهنها الدولة لتحصل فيها على المال ومن ثم تصرفه على شعبها لتمنّ به بعد ذلك عليه؟

مال الدولة يسمى في العالم كله: «مال عام»، وبالمختصر المفيد هو مال الشعب، وهو من خيرات هذه الأرض التي نعيش عليها، وكل فرد في هذا الوطن يتسلم أجره كبيراً أو صغيراً، ومن إنتاج وعوائد خيرات هذه الأرض، ولا يوجد على هذه الأرض من يمنّ على أحدٍ فيها، وللجميع الحق فيه معارضين أو «موالين»، مهما اختلفت رؤاهم السياسية أو الدينية أو غيرها.

ما يُصرف من خدمات في التعليم والصحة والإسكان والطرقات وغيرها، هي من الأموال العامة للشعب، وبالتالي فكل أفراد الشعب من حقهم الاستفادة من هذه الأموال والخدمات، دون أن يمنّ عليهم أحدٌ بها، فهي ليست ملكاً له، ولا ملكاً لمؤسسة أو سلطة، بل هي ملكٌ للأمة كلها.

الدولة عبارة عن شعب وسلطات (تشريعية، قضائية، تنفيذية) تعمل على إدارة المال العام وفقاً للدستور الذي ينص على أن «الشعب» (الأمة) هو مصدر السلطات. وبالمختصر المفيد، فإن الدولة تعمل لدى الشعب، وظيفتها إدارة أمواله وخيرات بلاده، وعلى ذلك يتسلم كل من في الدولة، أجره على ذلك كاملاً نظير عملٍ يقوم به أو خدمةٍ يؤديها، كما يستفيد من الخدمات التي تقدمها.

الشعب هم جميع أبناء هذا الوطن بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم وتقسيماتهم، لأي مكون فيه الحق كما للآخرين، لا يفصل بينهم إلا قانون «عادل» لا يميز بينهم بسبب آرائهم أو مواقفهم.

فلا يحق لأحد من «المرضى النفسيين» أن يمنّ على أي فرد من أفراد هذا الشعب بما يناله من أجرٍ أو خدمات، فهي حق من حقوقهم.

أن يتعلم المواطن ويتلقى الرعاية الصحية ويستفيد من الخدمات التي تقدّمها الدولة بالمال العام، لا يعني أبداً ألا يطالب بحقه، وحريته، وكرامته، وألا يطالب بالعدالة والمساواة وعدم التمييز. فكل تلك المطالب تأتي من أجل حماية المال العام أولاً وأخيراً، وحماية الدولة نفسها. فلا تمنّوا علينا بمالنا، ولا يخرج أحد الذين يعيشون كالطفيليين على «الفتات» وقضايا الأمة، ليمارس تخوين فئات كبيرة من الشعب لأنها تختلف معه في هذا الأمر أو ذاك، فقط لإرضاء مسئول هنا وهناك، أو لإثبات «الولاء المزيف».

كفّوا عن لغة التخوين، فهذه أرضنا المشتركة، وما فيها خير بلدنا وحقنا أن ننعم فيه جميعاً على قدم العدل والمساواة.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/08/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد