آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. صالح زياد
عن الكاتب :
أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب، جامعة الملك سعود

إعداد الطلاب للجهاد!

 

لا أدري ما معنى أن تضع جامعة أو مدرسة «الجهاد» هدفا من الأهداف التي تعمل عليها وتسعى إلى بلوغها؟! ما معنى ذلك حين تنفرد به عن غيرها من مؤسسات التعليم في وطنها؟! وما معناه وهي مؤسسة مدنية لا عسكرية؟! وكيف يمكن أن نقرأ معنى «الجهاد» الذي تورده دون أن يختلط في وعينا باستغلاله من قبل الجماعات المتطرفة التي تعيث باسمه في الأرض فسادا؟!
نعم، هي مؤسسات تابعة لوزارة التعليم «حملت على عاتقها مسؤولية إيصال الطلاب والطالبات إلى مرحلة (الجهاد) من خلال ما يسمى بالإعداد».

وهذا وصف تسطره صحيفة الوطن في تقرير نشرته يوم الأحد 1/11/ 2015، ويرد فيه اسم جامعتين حكوميتين كبيرتين وعدد من المدارس الأهلية، ونصوص من أهدافها المعلنة في مواقعها باتجاه «إعداد الطالب للجهاد في سبيل الله روحيا وبدنيا» و»إيقاظ روح الجهاد الإسلامي».

لا أدري إن كانت تلك المؤسسات قد وضعت «الجهاد» هدفا من أهدافها، منذ نشأتها، التي تصل في حال الجامعتين، إلى ما يزيد على خمسين عاما، أم إنه هدف استُدرك ضمن الأهداف في لحظة لاحقة! فلا ريب أن معنى «الجهاد» ومقصده لا يستويان في الحالتين، ولا بد أن فارقا يفرق بين الزمنين ويلقي بظله على ما ينشأ عنهما من المعاني والمقاصد.

ولا أدري لماذا بقي هذا الهدف لدى تلكم الجامعتين وبعض المدارس دون غيرها من الجامعات والمدارس، إن كانت نشأته قديمة؟ ولماذا اختصت به تلكم الجامعتين وبعض المدارس إن كانت نشأته حديثة؟! فالأهداف العامة للتعليم لا تتجزأ، وتجزيئها يصنع تضاربا وتناقضا في مخرجاتها يؤول إلى المجتمع نفسه.

لا أدري عن ذلك شيئا، ولا أدري كيف يمكن لجامعة أو مدرسة تعلم طلابها علوما مدنية أن تضيف إلى ذلك إعدادهم للجهاد! ليس المراد –على ما يبدو- تعليمهم القتال والسلاح؛ لأن سياق الدراسة المدنية وغير المتخصصة لا يحتمله.

وليس المراد -فيما يبدو- تعليمهم الدين الإسلامي وتاريخه وحضارته، فهذا لا يوجب اختصاص الجهاد دون غيره.

ولا أدري من سيقوم بمهمة الإعداد للجهاد: هل هي متروكة لتطوع الأساتذة؟! إذن، أي وجهة فكرية وخصائص نفسية وأخلاقية تميز أساتذة الجهاد هؤلاء؟! وهل هناك كتب محدَّدة لهذه المهمة؟ أم مناشط وفعاليات؟! وإذا كنا لا ندري عن ذلك، فكيف ندري عن أساليب القياس والتقويم لتلك الأهداف؟ كيف نتحقق من بلوغها؟ وكيف نتعرف على المسافة بين مطابقة النتائج لها، وانحرافها عنها؟إن اشتمال أهداف الجامعة أو المدرسة على الإعداد للجهاد، لهو تشويه للجهاد وللنظام التعليمي في وقت معا.

فأما التشويه للجهاد فسيكون في إحالته من معنى ديني سام له اشتراطاته المتوائمة مع المقاصد الحضارية والإنسانية للإسلام، إلى معنى للتنازع الفئوي الأيديولوجي: معنى بث الكراهية ضد المختلف، وإلباس العنف السياسي لباسا دينيا!وأما تشويه النظام التعليمي؛ فلأنه يغدو –على هذا النحو- منبعا لصناعة العنف في المجتمع: العنف الذي تتلاشى المسافة فيه بين الفكرة والقنبلة، وبين القتل والكراهية، وبين كبسولة الدواء والرصاصة.

إنه نظام يتيح، بسبب ما يعزِّزه من دوغمائية، تفتيت وحدة المجتمع، وبلبلة أفكاره، ويتيح للجماعات المتطرفة استخدام المصطلحات الدينية للتسلط على الفكر وأَسْره في مزاعمها الزائفة!إننا نؤمن أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، ولكننا نؤمن –أيضا- بالقدر نفسه أن الجهاد قد اختُطف من قبل جماعات إرهابية وإجرامية، لتزوير أهوائها وتلبيس مطامعها.

فما أحوجنا إلى التأكيد على المعاني الإنسانية والمدنية في ديننا ومجتمعنا وتعليمنا؛ فهي النقيض لتلك الجماعات...إي والله هي النقيض.

 

الكاتب: صالح زياد
المقال لصالح صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2015/11/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد