آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. صالح زياد
عن الكاتب :
أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب، جامعة الملك سعود

ما معنى قتل الشاعر؟!

 

صالح زياد

الحكم الصادر من المحكمة العامة بأبها بقتل الشاعر الفلسطيني أشرف فياض «حد الكفر» صادم بأكثر من وجه.

فهو صادم بحيثياته، وصادم بما انبنى عليها من نتيجة، وصادم بردود الفعل تجاهه.
ولنبدأ بردود الفعل هذه التي اتخذت في عمومها وجهتين متضادتين تنبئ عنهما التعليقات والمحاورات والتوصيفات والبيانات...إلخ في مواقع الشبكة المختلفة: فإحداهما ترى في الحكم دلالة شرعية إسلامية، لها حججها الفقهية، وأدلتها النقلية والعقلية والأكثر من ذلك إمعان القول لديها في مؤدى هذا الحكم تجاه «أهل الإلحاد» و»العلمنة» و»التغريبيين» و»من يشايعهم» فهو ضربة موجعة لهم.

والوجهة الأخرى على عكس ذلك، ترى في الحكم تعبيرا عن رأي متطرف ومتشدد بالمنطق الشرعي والفقهي، لا يمثل عدالة الشريعة وسماحة الإسلام، وهو أكثر استجابة ومطاوعة لموقف الجماعات التكفيرية منه إلى موقف الاعتدال والوسطية.

وليس منطوق هاتين الوجهتين ولا الاختلاف بينهما، بمعزل عن الحكم نفسه؛ فبناء الحكم يتضمنهما ويستثير رد فعلهما الممكن تجاهه، وهذه قاعدة منتظمة في ردود الفعل والتفسيرات التي يتخذها أي نص عند متلقيه.

ولذلك يسوغ لنا أن نقول إن بناء الحكم لم يتحوط استدلاليا تجاه اقتحامه أو توظيفه أيديولوجيا.
حتى لقد غدا الاختلاف على الحكم (وهو حكم القضاة الذين أصدروه بموجب اجتهادهم وليس حكم الله؛ فإنك – فيما قال الرسول صلى الله عليه وسلم «لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا») غدا الاختلاف عليه اختلافا بين الوجهتين تجاه الدين نفسه، امتلاكا له من إحداهما ودحضا لهذا الامتلاك من الأخرى والعكس.

وكان الرفض للاعتراض على الحكم أو انتقاده دلالة التقديس له، ورفعه فوق الفهم البشري.
إما إذا جئنا إلى حيثيات الحكم، فإن أكثر ما يمكن أن يتبادر إلى ذهن المرء تجاه حد الكفر في الإسلام هو «حد الردة» المشهور في الفقه الإسلامي.

والمذاهب الفقهية حافلة بالاختلاف تجاه قتل المرتد، وهو اختلاف معتبر بأدلته وحججه؛ فالذين يعترضون على حكم القتل يرون أن أهم دليل على حد الردة وهو «من بدل دينه فاقتلوه» حديث ضعيف رغم أنه ورد في صحيح البخاري، فراويه عكرمة متهم بالكذب من طرف ابن عمر وسعيد بن جبير ومالك بن أنس.

وهو آحاد يتعارض – لديهم - مع الآية الكريمة: «لا إكراه في الدين» (البقرة: 256).
وهناك تفريق لدى عديد الفقهاء بين الردة التي تتضمن تهديدا حربيا للمجتمع وبين المرتد المسالم.

وعلى أي حال فإن مسألة الاستتابة للمرتد التي تدرأ عنه الحد مسألة عامة عند الفقهاء.
ومن المهم في هذا الصدد أن نتذكر استغلال حكم الردة في إقصاء المختلف في الحروب المذهبية والسياسية حتى لقد اتهم بالكفر علماء في مستوى أبي حنيفة وأحمد والبخاري...إلخ.
لكن مشكلة الحكم الصادر على أشرف فياض، ليست في الإحالة على حكم المرتد، على الرغم من أن هذه الإحالة تثير أسئلة الاختيار الفقهي والتنزيل على واقعة الدعوى المتعلقة في أصلها بنصوص شعرية والتوقيت الذي يعاني فيه المسلمون من تزايد الجماعات التكفيرية.

إن الحكم على أشرف فياض، فيما تنبئنا إحدى صفحات التهميش من قبل القضاة، مبني على منطق آخر بشأن التوبة؛ يأتي هكذا «..ولأن الأصل أن التوبة بابها مفتوح حتى تغرر النفس أو تطلع الشمس من مغربها ولكن المسألة التي اختلف العلماء فيها هو إقامة الحد إذا وصل العلم للحاكم هل ينفذ أم إن التوبة تدفع ذلك كما راجعه صلى الله عليه وسلم الزانيان المذكوران وعليه فقد رجعنا عن صياغة هذا البند لأن التوبة عمل قلبي مختص بأمور القضاء الأخروي وليس مناط القضاء الدنيوي عليه...وقررنا قتل المدعى عليه حد الكفر».

هكذا يحيل الحكم على اجتهاد القضاة في التفسير والقياس وليس على نصوص أحكام ذات دلالة قطعية.

وأعتقد أن هذا الحكم يندرج ضمن أمثلة العديد من الأحكام غير المتوقعة التي تدلل على حاجة القضاء السعودي إلى مدونة تفصيلية للأحكام، وحاجة الأحكام إلى النشر الذي يصنع لها مزيدا من القناعة.


صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2015/11/26

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد