آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد عبد الله محمد
عن الكاتب :
كاتب بحريني

حرب النجوم

 

محمد عبدالله محمد

هل تتذكرون حرب النجوم؟ بالتأكيد لا أقصد بها أفلام هوليوود التي أنتجها جورج لوكاس سنة 1977م، بل أعني مبادرة الدفاع الاستراتيجي (Strategic defense initiative) التي أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان في 23 مارس/ آذار 1983م إبَّان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، والتي أطلِق عليها مصطلح «حرب النجوم». لقد شَغَلَت تلك الحرب العالم كله.

 

كان الهدف من تلك الاستراتيجية الأميركية هو إحباط أي هجوم باليستي قد تتعرض له أراضي الولايات المتحدة الأميركية أو إحدى حليفاتها في أوروبا وشرق آسيا. وعلى رغم أن الخطة كان عمرها 5 سنوات فقط إلَّا أنها كانت إحدى الضربات الموجعة لموسكو، بجرّها لإنفاق 26 مليار دولار (وهي كلفة باهظة حينها) في الوقت الذي كان فيه الاتحاد السوفياتي بحاجة ماسة للمال.

 

اليوم وبعد انقضاء 32 سنة على بداية حرب النجوم و27 سنة على انتهائها، تعود تلك الحرب بين واشنطن وموسكو ولكن ليس بالصواريخ وإنما بالأفكار، والتنافس على حَملقة الأعين وجرِّ العقول والاستيلاء على القلوب بالكلمات والصور. إنه الصراع على الفضاء الإعلامي. فقد صرّح الأميركيون قبل أيام بحديث نادر وغريب حول قيام الروس بزيادة مساعيهم الإعلامية حول العالم.

 

فقد تحدثت لجنة العلاقات الدولية في مجلس الشيوخ الأميركي صراحة أنه يتعيّن «على وسائل الإعلام الأميركية بذل قدر كبير من الجهد والوقت قبل أن تقوى على منافسة قناة آر تي الروسية». وكانت اللجنة تناقش سبل التصدي للخطر الإعلامي الروسي، على أميركا وأوروبا بل والعالم.

 

ماكسيميليان تشوبيرسكي وهو مساعد رئيس المجلس الأطلسي الأميركي تحدث في مداخلة له بأن أكثر من ملياري مشاهدة لمواد آر تي (RT) الإعلامية يتم مشاهدتها في اليوم الواحد. قائلاً بأن علينا «تبديل طريقة التواصل في هذا الفضاء، وإلاّ فإننا سنخسر المعركة» مع قضايانا.

 

الأهم من كل ذلك هو أن كيزير كونلي وهي نائبة رئيس مركز البحوث الإستراتيجية والدولية في لجنة مجلس الشيوخ الأميركي قدّمت تقييماً للأداء الإعلامي الأميركي عالمياً مانحة إياه «نسبة 3 إلى 4 من أصل 10 درجات» في حين قالت بأن «أداء القناة الروسية هو 7 إلى 8 من أصل 10 درجات».

 

وفي خضم هذا التشنُّج الأميركي في الموقف من قناة آر تي ختم ديفيد كرايمر رئيس دائرة حقوق الإنسان والديمقراطية في معهد القيادة الدولية الأميركي ذلك الصراخ بتصريح في الـ واشنطن بوست دعا فيه «إلى تجميد أصول القناة الروسية في الولايات المتحدة» الأميركية، حيث كان البعض وخلال مداولات اللجنة بمجلس الشيوخ قد شبَّه القناة بأنها كـ «داعش».

 

الحقيقة، أن حرب النجوم الجديدة هذه، والتي لا تستأذن فيها الأفكار كي تدخل إلى أيّ مكان في العالم هي أمر حاسم في معركة التنافس السياسي والاقتصادي والثقافي القائم. وهي في جوهرها عمل موازٍ للعمل السياسي للدول، فهي تقوم بتعريف القيم والسياسات والأجندة وتعيد تفسير الوقائع بطريقة مختلفة عن تلك التي يطرحها الآخرون، وبالتالي فهي تقوم بالهجوم المباغت والمضاد بالضبط كما يفعل السلاح، لذلك، تنشأ أمامها مساع إعلامية مضادة لإعادة التوازن.

 

هذا الأمر لا ينطبق على البث الروسي الأجنبي بل حتى ذاك الناطق باللغة العربية، الذي بدأ ينشط منذ سبع سنوات عبر القناة الروسية آر تي، التي ضمَّنت أنشطتها الإعلامية بـ 26 تطبيقاً في مختلف المجالات الإخبارية والتكنولوجية والوثائقية والاقتصادية وغيرها، وبالتالي كان لها تأثير واضح على المشاهد العربي، الذي تحدُث أغلب وقائع الدنيا على أرضه وبين أهله.

 

في شهر فبراير/ شباط الماضي نشرت مؤسسة نيلسين العالمية نتائج استطلاع أجرته في عدد من الدول العربية، أظهر بأن قناة آر تي الروسية الناطقة بالعربية هي ضمن «أفضل ثلاث قنوات من حيث عدد المشاهدين في ست دول عربية» متفوقة على التغطيات الإعلامية البريطانية والأميركية الناطقة بالعربية في ست دول عربية، حيث بلغ عدد المشاهدين فيها لـ آر تي 6.7 ملايين مشاهد عربي في اليوم. وهو أمر لافت في ظل صراع دولي على النفوذ تمتلك فيه جميع الأطراف رغبات قوية في السيطرة على الرأي العام، لتدعيم سياساتها ومواقفها في القضايا الإقليمية والدولية.

 

فالعالم العربي الذي تزيد نفوسه على الـ 350 مليون إنسان، 68 في المئة من سكانه شباب، لذلك، يكون نهمهم للمعلومة والبرامج التلفزيونية أكثر من غيرهم. والعربي بطبيعته متفاعل مع محيطه، وخطاب أغلب دوله لا يعكس رغباته ولا طموحه لذلك، تراه يلجأ إلى الخطاب الذي يُحقق له ذلك في مجال الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع.

 

هل تتذكرون ماذا فعل جورج بوش الابن عندما غزا العراق سنة 2003م؟ أراد أن يُسوِّق فِعلته بمخاطبة العرب بلغتهم ليقول لهم بأننا أحسنَّا صنعاً من أجلكم، لكن النتيجة كانت عكسية تماماً، فقد كان البرميل يرمي ما بداخله لأنه مثقوب القاع، وانتهى الأمر لأن يبقى فارغاً. السبب بسيط جداً، وهو أن الواقع وجلاءه قد جعل الكلام الآخر مجرد قراءة كف وتنجيم.

 

اليوم لم يعد شيئاً مخفياً بعد ذهاب الظل، وانفتاح العالم على كل شيء. ولأن الغرب لا حظّ له في عالمنا العربي، بسبب سياساته العنجهية منذ أزيد من قرنين، لذلك تراه (وهو مدّعي الحريات) متوجساً من هذه المعركة الحقيقية التي لا وَهْمَ فيها: قلوب وعقول كيف السبيل إليها؟!

 

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2015/11/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد