آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
أحمد عبد الرحمن العرفج
عن الكاتب :
كاتب سعودي ساخر، من مواليد 25 مايو 1967 في مدينة بريدة. حصل على شهادة المرحلة الابتدائية من المدينة المنورة، والمتوسطة من المعهد العلمي في جدة والرس، والثانوية في عنيزة والدمام من المعهد العلمي. وحصل على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية من الجامعة الإسلامية عام 1410هـ. وحصل على درجة الدكتوراه في الإعلام من جامعة برمنجهام في بريطانيا

تحذير النابهين من الجزم واليقين


أحمد عبد الرحمن العرفج ..
فِي العَقليَّة العَربيَّة؛ هُنَاك زَاوية مُظلمة يَجب فَتحها ونَبشها لتَرَى النّور.. ونَظراً لأَهميّة هَذه النُّقطَة، سنُركِّز عَلَى إعطَاء الشَّواهِد والأَدلِّة، لَعلَّها تُوضِّح الصُّورَة، وتُقرِّب الفِكرَة..!

ذَات مَرَّة، كنتُ أَمشي في عِزِّ الظَّهيرَة؛ مَع صَديق إنجليزِي في مَدينة «برمنجهام» البريطَانيَّة، فسَألتُه: «هَل الشَّمس مُشرِقَة»؟، رَغم أنَّنا نَرَاهَا بكُلِّ وضُوح، فأَخَذ الإنجلِيزِي نَفَساً عَميقاً، ولَم يَقُل نَعم، بَل قَال: «أَعتَقد ذَلك»..!

أَعتَقد أَنَّكم فَهمتم الآن مَوضوع مَقَال اليَوم، وهو ادّعَاء «اليَقين»، الذي تَتبنَّاه العَقليَّة العَربيَّة بشَكلٍ كَبير، وتَتبنَّاه العَقليَّة السّعوديَّة بشَكلٍ أَكبَر، وعِندَمَا أَقصد اليَقين، لَا أَقصد «الإيمان»، أَو مَا يَتعلَّق بالمُسلَّمَات، بَل أَقصد «اليَقين في الآرَاء»، التي هي مَحلّ جَدَل مُنذ آلَاف السِّنين، فمَثلاً لَو كَان مَعي ذَلك اليَوم «عربي»، ولَيس «إنجليزي»، وسَألتُه: «هَل الشَّمس مُشْرِقَة؟»، لقَال لِي عَلَى الفَور: «هَل أَنتَ أَعمَى مَا تشوف؟»..!

أمَّا مِن حَيثُ الآرَاء، فإنَّ الجُمل التَّوكيديَّة التي يَتدَاوَلهَا السّعوديّون، تُوحي باليَقين المُطْلَق، فمَثلاً يَجزم أَحدُهم أنَّ «تَرامب يَهودي»، وكَأنَّه وُلد مَعه في نَفس الغُرفَة، وإذَا سَألتُه: «لِيه تَرامب يَهودي»؟، قَال: «مِن غير لِيه، مَا يَبغَالها سُؤال، بَاين مِن وَجهه»، أَو قَد يَقول: «تَرامب يَهودي.. حُط تَحتها خَطّين وامسَح الثَّالِث»، أَو يَقول: «تَرامب يَهودي مَا يَبغَالها مُطوّع»، أَو يَقول: «تَرامب يَهودي مَا تَتنَاطَح عَليهَا عَنزتَان، لَا عَنز الشَّكّ ولَا عَنز الجِدَال والسُّؤال».. وهَكذا يَطرح الجَاهِل كَلَامه بكُلِّ يَقين، ولله درّ شَيخنا «أرسطو»، فقَد قَال قَبل آلاف السِّنين: (الجَاهِل يُؤكِّد، والعَالِم يَشكّ، والعَاقِل يَتروَّى)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي أَنْ أَقول: أيُّها النَّاس، اعلَمُوا أَنَّ الدُّنيَا فِيهَا حَقَائق وآرَاء، أَمَّا الحَقَائق فهي ثَابتة في كُلِّ مَكان، فالنَّار مَثلاً تَحرق في السّعوديَّة وفي الهِند وفي أَمريكَا، أمَّا الآرَاء فهي اجتهَادَات بَشريَّة؛ قَد تَتغيَّر مَع الوَقت، مِثل: أَيُّهما أَجْمَل دُبي أَم جُـدَّة؟، حَيثُ ستَجد مَن يَجزم أَنَّ جُـدَّة أَجمَل، وتَجد مَن يَجزم أَنَّ دُبي أجمَل، ولَا تَثريب عَلى الاثنين، ودَائماً رَدِّدوا بَينكم وبَين أَنفسِكم عِبَارة «سارتر» العَظيمَة حِين قَال: (مَن أَنَا حَتَّى أجزم بأنَّك عَلى خَطأ؟)..!!


صحيفة المدينة..

أضيف بتاريخ :2016/11/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد