آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
جيمس زغبي
عن الكاتب :
أكاديمي أمريكي من أصل لبناني و مؤسس و مدير المعهد العربي الأمريكي. كان يقدم البرنامج الأسبوعي فيوبوينت الذي بثه تلفزيون أبوظبي.

أميركا.. والجنون المؤقت!


 جيمس زغبي
  ليست المرة الأولى التي تكتسح فيها موجة من هيستريا غياب التسامح دولتنا الأميركية، فقد حدث لنا ذلك في السابق، وفي كل مرة كنا نستسلم للخوف والتعصب الأعمى، كنا نحدث ضرراً لأعداد لا حصر لها من المهاجرين ونلطخ صفحات تاريخنا. وخلال الحربين العالميتين في القرن الماضي، فعلنا ذلك بالإيطاليين والألمان واليابانيين. وفي أوقات السلم، اضطهدنا السود والآسيويين واللاتينيين. ولأن هذه ليست المرة الأولى التي يصبح فيها السوريون ضحايا للتعصب وغياب التسامح، فإن الأمر بالنسبة لي شخصي أيضاً.

وأثناء الحرب العالمية الأولى، أُجبر جدي على نقل أسرته من منزلهم الذي ورثوه في تلال لبنان، بحثاً عن ملاذ آمن من قبضة السلطة العثمانية. ومات جدي في المنفى، تاركاً جدتي وحدها مع سبعة أطفال. وعند نهاية الحرب، عادوا إلى قريتهم وبدأوا استعدادات للانضمام إلى موجة ضخمة من المهاجرين الذي شقوا طريقهم من سوريا ولبنان إلى الولايات المتحدة. وكانوا لاجئين اقتصاديين وسياسيين يبحثون عن فرص العمل وعن الحرية.

وفي الطريق، استقر والدي في فرنسا، حيث وجد عملاً، أملاً في كسب ما يكفي لمواصلة رحلته. وما أن استعد للرحيل حتى صوت الكونجرس على إلغاء تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة لجميع السوريين (وكان ذلك الوصف يشمل جميع السوريين واللبنانيين آنذاك). وتم تصنيفهم «تهديداً عاماً»، حيث أحضروا أساليب أجنبية ولم «يضفوا أية قيمة» على المجتمع، حسب ما قال السيناتور «ديفيد ريد» من ولاية بنسلفانيا، في دعم قضيته لطرد السوريين، مضيفاً: «لا نحتاج إلى قدوم مزيد من القمامة السورية إلى أميركا».

وحصل والدي، الذي كان متلهفاً للانضمام إلى أسرته، على وظيفة ضمن طاقم سفينة تبحر من مارسيليا إلى نيويورك. وعند وصوله، تخفى ودخل الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية. وفي نهاية المطاف اتصل بوالدته وأشقائه، ولم يعد إلى باريس أبداً. وبعد سنوات من التخفي، والخوف من الترحيل والانفصال عن أسرته مرة أخرى، استفاد والدي من برنامج عفو في ثلاثينيات القرن الماضي، وفي عام 1942، حلف اليمين كمواطن أميركي. وخلال العقود التسعة الماضية، أبلت عائلتي بلاء حسناً في وطنها الجديد، فأنجبت أطباء ومحامين ومعلمين ومحاربين قدامى في جميع الحروب، وموظفين في جميع أفرع الحكومة الأميركية.

وفي عام 2013، عينني الرئيس أوباما في اللجنة الأميركية للحريات الدينية الدولية. ومع ذلك التعيين، جاء ما يسمى بـ«المخطوطة»، وهو إعلان مكتوب بخط اليد، وقعه الرئيس، وجعله إعلاناً رسمياً للتعيين. وعلى جدار مكتبي، علقت مخطوطة تعييني إلى جوار شهادة جنسية والدي. وبالنسبة لي، يحكي ذلك قصة رائعة بشأن ما يجعل أميركا دولة عظيمة، وكيف يمكن أن تتغير من الإقصاء والتعصب إلى القبول والفرصة.

والشيء الاستثنائي في قصة أسرتي هو أنها عادية جداً، لأنها قصة يتشاركها ملايين الأميركيين الآخرين. وتعتبر الميزة الجوهرية التي تجعلنا أمة جيدة.

ودائماً ما كان هناك صوتان يتنافسان على روح أميركا: أحدهما صوت الترحيب والاحترام للتنوع، بينما الآخر صوت التعصب والخوف من المختلفين. وتاريخ دولتنا حافل بسجل التوترات بينهما، وعلى رغم أن الأميركيين ولدوا في خطيئتي العبودية والإبادة ضد السكان الأصليين، إلا أن الآباء المؤسسين أعلوا قيمة الحرية الدينية ومفهوم أننا جميعاً خُلقنا متساوين. وعلى مدار فترة القرنين ونصف القرن الماضية، حوصر هذان الصوتان في معركة محتدمة، وفي أوقات الهستيريا الوطنية، كتلك التي نعيشها في الوقت الراهن، أعتقد أنه من الضروري أن نفهم محور نتيجة هذه المنافسة.

فأحد الطرفين ينافح عن القيم التي نطمح إليها، والآخر يدافع عن مخاوفنا ونزواتنا المظلمة. والطرف الأول عقلاني والآخر متهور. وبلاشك، يمكن في بعض الأحيان أن يتغلب الجانب المظلم، ولكن لأن المخاوف يمكن في بعض الأحيان أن تهزم المنطق، فلابد من مواجهتها.

ويمكننا أن نلبي مقتضيات عملية الفحص الصارمة، وعمليات التدقيق التي تضمن أن اللاجئين الذين نستقبلهم لا يمثلون أي تهديد على دولتنا، ويمكننا أن نستشهد بحقيقة أننا منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر استقبلنا نحو 784 ألف لاجئ في دولتنا، ولم يرتكب واحد منهم أي عمل عنيف من شأنه أن يهددنا. ولكنني أعلم أنه عندما ينتشر الخوف في الأجواء، لا يتم الاستماع إلى صوت المنطق، ضد أصوات التعصب والخوف.

ولكن عندما يدعو المرشحون الجمهوريون إلى إغلاق المساجد، ومنع جميع المهاجرين المسلمين، أو عمل بطاقات هوية للمسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، عندئذ لابد من الرد، وما يجب أن نفعله رداً على ذلك هو أن نواجه المتنمّرين كما فعل أوباما. وإذا كان تاريخنا يعلمنا شيئاً، فهو أن أصوات الخير دائماً ما تُسمع، وتنتصر في النهاية.


 الاتحاد الإماراتية

أضيف بتاريخ :2015/11/25

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد