آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
هاني الفردان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي بحريني

خفض رواتب الوزراء والنواب والشوريين «إشاعة» وانتهت

 

هاني الفردان ..

خطوة جريئة وقوية تسعى من ورائها جهات إلى تغيير نظم سائدة، لابد أن تبدأ ببالونة اختبار تُطلق عبر شائعات هنا وهناك، لتبقى هي صامتة ومتفرجة على ردّات الفعل التي ستعقب إطلاق هذه البالونة، ومن ثم تقيس المؤشرات، وعلى إثرها تتخذ القرارات والمواقف سواءً كان ذلك سلباً أو إيجاباً.

تطلق تلك البالونات، لحرف تفكير سائد، أو لتغيير ذلك التفكير، أو لتحويل مسار رأي عام بشأن قضية أثارت جدله أو شغلته، وأثرت فيه، بل حوّلته لرأي عام ساخط في حال تعلق ذلك بحياته اليومية وظروف معيشته أو لقمة عيشه.

من بين أكثر البالونات إثارةً ما أطلقته صحيفة محلية في الثامن عشر من يناير/ كانون الثاني 2017، من «شائعة» نسبتها لمصادر عن قرار حكومي سيصدر قريباً بخفض رواتب جميع الوزراء ورؤساء المؤسسات الحكومية بنسبة 25 في المئة‏، وذلك في إطار توجهات الحكومة لترشيد النفقات مع تراجع أسعار النفط.

تلك «التسريبات» أو «الشائعات» التي كان يراد لها أن تشغل الرأي العام وتحرف تفكيره وتخفف من سخطه، لم تطل فقط الوزراء، بل شملت أيضاً مكافآت أعضاء مجلسي النواب والشورى، وذلك ضمن ما يُعرف بالصحافة الموجهة التي يراد منها العمل على شغل الناس بقضايا كثيرة غير حقيقية، وخلق مثل تلك البالونات، واللعب على عواطف الناس.

تلك البالونة، أو تلك الشائعة المقصودة، كانت متزامنةً مع قرار إيقاف الزيادة السنوية الاعتيادية لموظفي الحكومة. وكانت تلك «الشائعة» المطلقة على صيغة حديث، وقرار لم يصدر، وقريباً سيطبق، إلا أنه وبسرعة عُدت البحرين كثاني دولة خليجية تخفض رواتب وزرائها، وكأن الأمر أصبح حقيقياً وسارياً، حيث سبقتها المملكة العربية السعودية العام الماضي (26 سبتمبر/ أيلول 2016) بنسبة وصلت إلى 20 في المئة‏، وخفضت رواتب أعضاء الشورى بنسبة 15 في المئة.

البالونات الرسمية أو الصحافية، عادةً ما تكون مقصودة، ومبرمجة لأهداف واضحة أصبحت مكشوفة لدى عامة الناس، ولا يمكن أن تنطلي عليهم، بل عادةً ما تتحوّل إلى «نكتة» في ظروف مبكية، وأوضاع مالية وسياسية قاسية.

في البحرين، ومنذ أن وُجّه في (17 سبتمبر/ أيلول 2015) إلى تشكيل «حكومة مُصغَّرة تُعنى بحلِّ المشكلات المالية وبالسرعة الممكنة»، وذلك بعد تقارير عن «تأثر الأوضاع المالية الحالية في البحرين بسبب تدنّي أسعار النفط والالتزامات الأخرى»، والحديث عن أن «الحكومة ستبدأ بنفسها فيما يتعلق بتشكيل هذه الوزارة المصغرة، حيث سيكون هناك عدد أقل من الوزراء ممثلين بها، وسيكون الهدف الأساس التعامل مع التحديات المالية» (تصريح المتحدث باسم الحكومة 18 سبتمبر 2015)، فإن المواطن البحريني عرف أن ذلك الحديث من أجل أن يتقبل المواطن ما سيحل عليه من تبعات التقشف الرسمية.

لم يتوقع المواطن أن تطال حملة التقشف الوزراء والمسئولين وأعضاء السلطة التشريعية، إلا أنه كان مدركاً أن التقشف في البحرين سيطال كل ما هو مرتبط به.

مع تلك الفرقعات الإعلامية والبالونات الاختبارية، كانت هناك مساحة من التفاعل، حتى تصدر (هاشتاق) خاص بذلك تحت عنوان «حل_البرلمان_يا بوسلمان»، معتبرين أن وجوده يكلف الدولة كثيراً دون أي جدوى حقيقية من ورائه، فيما ذهب آخرون لطرح مقترحاتهم لتفادي الأزمة المالية وبتشكيل حكومة وصفوها بـ»الرشيقة»، وذلك عبر جملة من الإجراءات من بينها إلغاء المجالس العليا.

ومع ذلك، لم يسمع الشارع البحريني عن قرار خفض أجور الوزراء أو حتى أعضاء مجلسي النواب والشورى، وكل ما شهده أنه كان الأول وفي مقدمة المتأثرين بأي قرار تقشفي!

آخر الصيحات الجديدة هي دعوة رئيس مجلس الشورى، المواطنين لمراجعة عاداتهم الاستهلاكية، مقترحاً إنشاء مدونة سلوك للاستهلاك تمكن المواطن من التوفير عبر التخلي عن الأشياء غير الضرورية بما لا يؤثر على المستوى المعيشي!

مسكين المواطن البحريني، منذ سنوات وهو يشد الحزام على نفسه وعائلته، بل أصبح الحديث عن عجزه عن إكمال شهره وبيده شيء من راتبه، فعن أي مدونة سلوك يتم الحديث.

كنا نتمنى أن تكون هناك مبادرة رسمية لمدونة أخلاقية، تحتم على الحكومة والسلطة التشريعية التخلي عن الأشياء غير الضرورية وتقليص الحقائب الوزارية، وخفض نفقات السلطة التشريعية، وترشيد الاستهلاك وعلى سبيل المثال لا الحصر، إلغاء البوفيه الأسبوعي في جلسات الشورى والنواب، والسفرات غير الضرورية والسيارات الفارهة، وغيرها من الكماليات الكثيرة التي يعرف العامة، وما لا يعرفه.

الأمور الاقتصادية في البحرين دخلت مرحلة التعقيد، وبرزت الحاجة إلى التفكير في كيفية تقليل الضرر، وتقليص النفقات المتكررة والمتضخمة، وإعادة ترتيب الأولويات، ووقف «التسربات المالية» الحقيقية في موازنات جهات رسمية والحد من مصروفاتها المتكررة، ومن بين تلك الخيارات تقليص نفقات وأجور الوزراء والمسئولين وأعضاء السلطة التشريعية من باب الشراكة الحقيقية في تحمل المسئولية.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2017/03/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد