آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد العزيز الخضر
عن الكاتب :
كاتب سعودي

التطرف.. خلط المكان بالأفكار


عبدالعزيز الخضر

بدأ تراجع قيمة المكان وتأثيره الفكري في نشر ثقافة التطرف والتكفير منذ نهاية التسعينات، حيث أصبحت الأفكار مستقلة عن المكان بعد تحرر المعلومة والفكر من سيطرة المؤسسات والدول مع تطورات تقنية الاتصال المستمرة.

ارتبط التطرف تاريخيا ببعض الأمكنة حتى في التاريخ الإسلامي، حيث ينتشر في مكان أكثر من آخر وظرف تاريخي أكثر من غيره.

اليوم بمرور السنوات أصبح هناك ضرورة منهجية لإزاحة المكان عن أهميته السابقة..والتركيز على الأفكار وظروف حركتها.

لم يعد يكفي مجرد إشارة له عابرة بين السطور، وإنما أصبح عاملا مؤثرا ينسف الكثير من التحليلات والرؤى التي تطرح حول تطورات ظاهرة الإرهاب الحالية، واستمرار وجود أسماء تتأثر فيه من بيئات ومناطق مختلفة من العالم.

قبل عصر الانفتاح التقني ارتبط التطرف بأماكن أكثر من أخرى، وترعرع في بيئات أكثر من غيرها، حيث يسهل الإشارة لها وتحديدها، فيكون مرور الشخص بهذا المكان أو ذاك أحد المؤشرات على احتمالية التأثر، وسهولة تداول وتلقي هذه الأفكار والإعجاب بها، فالذين ذهبوا لمناطق الصراع، كما في الحالة الأفغانية الأولى في الثمانينات وبداية التسعينات، تشرب البعض منهم هذه المفاهيم من بيئة استثنائية كانت منطقة تجمع كبرى لمختلف التيارات وجماعات العنف والتطرف في العالم الإسلامي حينها، فيسهل تحديد مصادر هذه الأفكار وكتبهم والمقولات التي تبنوها.

في ذلك التاريخ كان يمكن مصادرة الكثير من هذه الكتب والمنشورات والفتاوى لمنع وصولها إلى جمهور عريض في دول عربية وإسلامية.

كان هذا المنع له تأثير ملموس في إعاقة انتشار الفكر المتطرف لوجود ارتباط قوي بين المكان والفكرة ومدى انتشارها، حتى سيرة تنقلات الشخص تعبر أحيانا عن اتجاهه الفكري، وكان الحديث عن المكان اجتماعيا ودينيا وتعليميا لتفسير التطرف والعنف له قيمة كبيرة، ويمكن ضبطه بمعايير محددة.

ويشير جيل كيبل إلى أن الاستخبارات الفرنسية التي حققت في هجمات فرنسا الأخيرة، لم تنتبه إلى مسألة التجنيد بواسطة النظراء أو الأنداد والشبكات الاجتماعية، التي تحدث عنها أبومصعب السوري بقوله «إن الاستخبارات عولت على طرق رصد تقليدية ومراقبة المساجد، في وقت عزف الجهاديون عن التردد إليها.

وفاتها، على سبيل المثال، أن محمد مراح هو جهادي من الجيل الثالث مجند على الشبكة».

من الأشياء التي تراجع دورها ونشاهدها في مجتمعنا مع عصر النت والانفتاح، خطبة الجمعة، حيث كانت بعض المساجد مناطق تجمع جماهيري لقيمة هذا الخطيب أو ذاك، في الحديث عن موضوعات معينة، وكانت شهرتهم تتداول بسهولة في دول عربية كثيرة.

لهذا فمسألة الانفتاح التي تطورت منذ أكثر من عقد لم يعد يكفي أن نشير إليها كمؤثر عادي، ثم نعود نستعمل كل تفسيراتنا التقليدية حول مشكلات التطرف.
هذا المتغير الضخم لا يجوز أن نعتبره متغيرا مشابها لمتغيرات أخرى عادية، فهذا التطور وإن لم يلغ المكان تماما ..لكن همشه إلى أضيق تأثير، حيث أصبحت الأفكار المتطرفة تتحرك بحرية، ولم يبق «بيت مدر ولا وبر إلا دخلته» وهذا الإشكال يقلب الكثير من المفاهيم المغلوطة والتحليلات السائدة ويعيد تقييمها من جديد عند الحديث عن انتشار التطرف، ويجعل الأهمية ..للأفكار نفسها ومضمونها.يمكن الحديث عن تأثيرات متنوعة ودورها في التطرف من الدرجة الثالثة أو الثانية ...كالتعليم والمناهج في منطقة معينة، أما التطرف من الدرجة الأولى ولمن التحق بتنظيمات متطرفة فإن السنوات العشر الأخيرة، نقلت أسماء كثيرة نقلا سريعا ..بدون أن تمر على حالة تطرف أصلا سواء من الثانية أو الثالثة، فلهذا يبدو الحديث وخلط درجات التطرف ببعضها نوعا من التضليل الإعلامي الذي يمارس اليوم.

أخيرا يتم تداول أرقام وإحصاءات عن أعداد بالآلاف من الملتحقين بهذه التنظيمات المتطرفة، وخاصة تنظيم داعش، فيبتهج البعض بأن هذه الدولة أو تلك أكثر من منطقتنا، وأصبحت تستعمل لتسويق مغالطات خاصة بمعاركه الفكرية في إطار الدفاع عن مكان أو مناهج أو أسلوب حياة، دون تحليل كاف لكثير من المتغيرات التي تؤثر على الوعي بهذه الأرقام.

ففي بعض الدول تكون الحركة أسهل من غيرها ..كما في أوروبا، وفي بعضها حرية التعبير، فيسهل اكتشاف عدد المتأثرين وغيرهم.

لم تعد مشكلة العالم اليوم محصورة في مكان ما، وإنما في نوعية الأفكار المتداولة ومصدرها الفكري ..بلا قيود مكانية أو زمانية.


صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2015/12/06

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد