آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد العزيز الخضر
عن الكاتب :
كاتب سعودي

كيف يتم الانقلاب على مشكلة العنف؟


عبدالعزيز الخضر ..

عندما تجاوزنا أكثر من نصف شهر الصيام تفاءلت بأن يمر بدون فجيعة، فقد ارتبط شهر رمضان بأكثر من حدث إرهابي مؤلم منذ العقد الماضي. لكن هذا الأمل انهار بحي «الحمراء» بالرياض، المجاور لحي غرناطة، والذي بدأت معه مرحلة وتفجيرات 12 مايو 2003. وصل الإرهاب اليوم إلى مرحلة مختلفة، فقد عطلت كثير من أحداث السنوات الأخيرة مع التعولم مفهوم الإرهاب التقليدي، حيث يرتبط الحدث برسالة في الوعي العام يمكن قراءتها بدون الحاجة إلى بيان من الجهة الفاعلة، حيث يسهل التنبؤ بالفاعل، وماذا يريد لأن الحدث محاصر بلحظة زمنية ومكان وقضية.

مع كل هذه السيلانية التي وصلت إليها صورة العنف كفعل وفاعل، فإن هناك عدة ثوابت لم تتغير منذ بداياته المعاصرة في الستينات، فالخلل ظل ثابتا في مفهوم الجهاد مع المنهج التكفيري وأحكام في الولاء والبراء وتصورات معينة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وغيرها كلها نتيجة وجود خطاب ديني حديث لم يتكيف بعد مع مفهوم عصر الدولة الحديثة، وما يترتب عليه من ضرورة إعادة تكييف الوعي الإسلامي السياسي من جذوره، ليس لأن التراث سيئ أو جيد، ولسنا بحاجة لافتعال مشكلات وهمية بهجاء التراث أو تمجيده، فهو تراث أقام حضارة لأكثر من ألف عام بكل مميزاته وعيوبه.. ولا يمكن أن نتصور حضارة هذا العصر بكل عنفوانها بدون استحضار تأثير حضارتنا عليها.

بدايات هذه الأزمة الفكرية كانت مرتبطة بالإشكال السياسي منذ أكثر من نصف قرن، حيث خرجت بعض أجيال العنف من سجون عربية، وظلت الأزمة السياسية كما هي ويربح السياسي العربي دائما المعركة بسهولة، وقد يستفيد منها. لكن الإشكال الفكري ظل يتمدد أمام أجيال عديدة من النخب الدينية والفقهية والدعوية، وهي تشاهد هذا المرض الديني يدمر أجيالا عديدة، فلم تعالجه وتقف لإعادة قراءة الأدبيات المشتركة.. ولماذا حدث الخلل؟! حيث استمرت عملية اللف والدوران حول المشكلة بذرائع لا تنتهي، وقد عاصرت أغلب أساليب الانقلاب على المشكلة منذ سن مبكرة عبر نقاشات مع هذه الذهنية التي أدمنت التحايل، بوضع حواجز خرسانية تمنع الدخول لعمق الأزمة الدينية، فمرة يضع لك الكيان الصهيوني، وعندما استهلك كذريعة، أخذ يستحضر العدوان الصليبي والطغيان الأمريكي، وقبلها كان النظام العربي.

مشكلة هذا الاستحضار للأعداء مع كل حدث أنه يعطل دخولنا للفكرة الرئيسية، حول المنهج الجهادي الذي كان ينمو ويتمدد، ويحاول هذا النوع من العك الجدلي أن يصورك وكأنك مدافع عن الغرب والشرق وجرائمه! في أبسط أدبيات إدارة الأزمات من الأفضل أن تفكر بالمشكلة التي تستطيع حلها والسيطرة عليها، وليس برميها على عوامل خارجية لا يمكن التحكم فيها. هذه مشكلة فكرية بالدرجة الأولى.. أين مصدرها!؟ لن تجدها في كتاب الجغرافيا، ولا ديوان للشعر الشعبي، ولا كتب الروايات ولا ألعاب السوني، هي فكرة دينية خاطئة.. تذهب مباشرة لمخرجات هذا الخطاب الحديثة وأين يوجد؟ هي مشكلة دينية ترجع لمصدر الأزمة.. ليس لأن الإسلام متهم أو خطأ، فهذه من حيل الانقلاب على المشكلة وتحويلها عن مسارها الحقيقي. عندما تأخرت مواجهة المشكلة، وقد كان بالإمكان خاصة بالتسعينات وما قبلها، حيث يمكن حصر المرجعيات الحديثة بسهولة، وتلمس التنظير الديني الجهادي الجديد، وللأسف استمرت هذه المماحكات إلى ما بعد سبتمبر، وحتى اليوم تأخذ صورا جديدة، حيث أشاهد الكثير من هذه الأسماء تمارس هذه المماحكة بمواقع التواصل! عبر اختراع مشكلة أخرى، للهروب من مسألة وجود خلل داخلي يجب البحث عنه ومراجعته، وهذا لا ينفي مشكلة الخارج لكن الخارج ليس بيدنا إصلاحه.

ومع أنه حدث تغير واضح في الموقف من الإرهاب فالإدانات أصبحت من كل الأطياف موجودة وبقوة، وحتى الذين هوايتهم التفتيش عن معرفات تحاول تبرير مثل هذا المنهج لا تكاد تجد، لكن الموجود المستمر عبر مواقع التواصل والرسائل الموجهة بالواتس اب هو تضييع فكرة المشكلة، مرة يأتيك بحكايات إيران والصفوية، ومرة حديث عن التهكير لأدمغة شبابنا بأشياء تقنية، وكأننا بأفلام خيال علمي، وأحيانا إشغال الرأي العام أثناء سخونة الحدث بالمبالغة بالدفاع عن رموز وقامات علمية، وكأن مجرد اتهامها من أي أحد بمواقع التواصل سيلغي قيمتها العلمية والتاريخية. هذه كلها من أساليب الهروب من المشكلة الأصلية، وهي أن التكفير ومنهجه قائمان على مجموعة من المفاهيم والقيم، عليك أن تقف عندها، وكيف نساعد هؤلاء الصغار على مقاومتها فيما لو استقبلوها من مصادر خارجية أو داخلية، دون الحاجة لتأليف صراعات فكرية تشوش على الحدث نفسه، ويستعرض البعض فيها بطولاتهم لحشد جماهيرية لهم. لقد استوقفتني فقرة ثمينة في بيان الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء عن الحادثة المؤلمة، تبدو خارج النمط التقليدي للبيانات الرسمية وهي تدعو إلى «دراسة الأسباب الحقيقية التي تجعل الشاب عرضة لتأثيره، من دون تجاذبات فكرية لا تخدم الحقيقة».

صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2016/07/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد