آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إيمان شمس الدين
عن الكاتب :
كاتبة وباحثة كويتية

العصبيات والاندماج الاجتماعي

 

إيمان شمس الدين

هاجس الاندماج الاجتماعي يزداد كلما اشتعل أوار العصبيات بكل أشكاله، وتم استحضار صوره في الواقع الاجتماعي، وقد أكدت أبحاث عربية تطبيقية انتشار التعصب في الوطن العربي.

ففي دراسة كويتية (وطفة والشريع 2012) طبقت على عينة من الطلاب والطالبات بلغت 1194 في جامعة الكويت، بينت أن التعصب الطائفي جاء في المرتبة الثانية بنسبة %91.5‏ بعد التعصب القبلي الذي حاز على %93، ثم يأتي التعصب العائلي بنسبة %79.6‏، وتظهر الدراسة أن %89.1‏ من الطلبة يرغبون في إزالة التعصب الطائفي بشكل نهائي، حيث أبان الطلبة أن الحكومة يجب أن تركز على محاربة التعصب الطائفي (%75.9) ، وأن %85.5‏ من العينة ترى أن المثقفين ورجال الدين والإعلاميين ينشرون التعصب بكل أشكاله.

ورغم قيام مؤسسات مجتمع مدني بورش ميدانية لمعالجة أشكال التطرف والتعصب في المجتمع، وتصدي أكاديميين في الجامعة مع طلبتهم لعمل حملات توعوية، منها حملة «بصمة ضد العنف»، التي كانت لها أصداء خارجية، حيث شغلت مواقع التواصل الاجتماعي بشعاراتها الرافضة للعنف والعصبيات، وقام طلبة الجامعة بعمل أنشطة ميدانية، فإن ذلك وحده لا يمكن أن يغير من الواقع الخطر، الذي يعيشه مجتمعنا من انقسامات طائفية، لأن من يغذي هذا الانقسام بعض الأقطاب الرسمية، توظف هذه العصبيات في صراعاتها السياسية، وشخصيات برلمانية تمارس العنف والتعصب تحت قبة البرلمان، الذي يفترض أن يكون منارة لكل أنواع المواطنة والتعايش.

هذا فضلا عن أن الدولة ومؤسساتها لا تعتني واقعيا وعملانيا بدعم الحملات الجادة في هذا الصدد، ولا تقوم بخطوات حقيقية لمواجهة المتعصبين في الإعلام والمساجد وفي كل مرافق الدولة والمجتمع، مما يضعف تأثير هذه الحملات والحراكات المدنية، كون هواجس الاندماج الاجتماعي والتعايش وما يعيقها من عقبات، أهمها العصبيات الطائفية، هي هواجس مشتركة بين الدولة ومؤسساتها والمجتمع المدني والنخب والشعب.

إن الحكومة لا تستطيع منفردة في النهوض بهذا المشروع، بل لابد من تضافر الجهود لمواجهة هاجس العصبيات وانعكاساته على الاندماج الاجتماعي ضمن خطة شاملة إستراتيجية تعزز الاندماج، وتزيل من طريقه كل العوائق.

وهذا يتطلب قوننة مدروسة تعمل على تقليص التمييز بين المواطنين، بحيث لا تتحول القوننة إلى وسيلة أخرى للتفرقة والتمييز وتعميق الهوة بين أبناء المجتمع الواحد.

لذلك أدعو النواب ومؤسسات المجتمع المدني والنخب الجادة لعمل منظم يواجه كل أنواع التطرف والعصبيات، وإنعاش محاولات الاندماج الاجتماعي لتتحول لثقافة وطن يمكن رصدها في مؤسسات الدولة، خاصة التربية والتعليم، وفي إعلامها وشوارعها، وفي العمل المدني وفي مساجدها، بحيث وإن تعددت الخطابات والمنابر يكون هذا التعدد يهدف لغاية وحيدة هي إزالة كل أنواع التعصب من الثقافة العامة، وخلق أجواء تعايشية تعددية جديدة في فضاء الكويت تضمن للأجيال القادمة صحة نفسية واجتماعية تدعم عمليات الاندماج الاجتماعي وتشكيل نسيج متشابك يصعب تمزيقه.
وتكون الدولة قادرة على دعم هذه البرامج والفعاليات، ومتبنية لها، لتتحول إلى ثقافة دولة بكل مكوناتها، لا ثقافة نخب وأفراد فقط.


القبس الكويتية

أضيف بتاريخ :2015/12/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد