آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. كاظم ناصر
عن الكاتب :
أستاذ جامعي مقيم في ولاية كانساس الأمريكية

أسباب هزائمنا.. وأسباب انتصاراتهم


د. كاظم ناصر

الأمم تنتصر بوحدة وإرادة شعوبها، ونوعيّة إنسانها وقياداتها، وقوّة وعدالة دولها، وتماسك وحداثة مؤسّساتها المدنيّة والعسكريّة، وعلومها وآدابها وفنونها، وإصرارها على الاستمرار في البناء والعطاء، وتضعف وتتخلّف وتنهزم في معاركها مع أعدائها عندما يسود فيها الفساد والاستبداد والجهل، وتحارب التغيير والعقل وتستسلم للذل، ويقودها حكام متسلّطون فاشلون وفاسدون، ويهيمن على ثقافتها رجال سياسة ودين منافقون يحلّلون ويحرّمون حسب رغبة ولي الأمر، وليس لأن الله كتب عليها الذلّ والمهانة لأن الله عزيز يحبّ العزّة والكرامة، ولا يقبل الذلّ لمن يدافع عن حقوقه وإنسانيته ووطنه .

لقد انتصرت الإمبراطوريات الرومانيّة والفارسيّة والإسلاميّة والعثمانيّة والبريطانيّة واحتلت دولا كثيرة وتحكّمت بمواطنيها وثرواتها، عندما كانت تلك الإمبراطوريات متماسكة وقوية وتملك أسباب الانتصار، لكنها فقدت نفوذها وانهارت عندما انغلقت وفسدت وأهملت تطوير شعوبها ونظمها السياسيّة والاقتصاديّة والمعرفيّة.

الدول التي كانت مستعمرة حصلت على استقلالها واستعادت كرامتها عندما تمرّدت شعوبها وتصدّت للمستعمرين  وأجبرتهم على الرحيل عن أوطانها . نحن العرب تصدّينا للاستعمارّ، وقدّمنا مليونا من الشهداء الأبرار في الجزائر، وعشرات الآلاف في لبنان وسورية وليبيا والمغرب وتونس ومصر …  وحصلنا على استقلالنا الذي سرقه منا حكّام فاسدون أوجدهم الاستعمار لتنفيذ رغباته والحفاظ على مصالحه بعد رحيله.

شعوب جنوب إفريقيا وروديسيا حاربت التمييز العنصري الذي فرضه عليها الاستعمار البريطاني، ونجحت في نيل حقوقها وتقرير مصيرها، وأنهت سيطرة الأقليّة البيضاء عليها، والشعب الفيتنامي قاتل وقدّم تضحيات جسام في تصديه للولايات المتحدة التي هاجمته بقوتها الطاغية وانتصر عليها وأذلّها، ووحّد بلده وأقام النظام السياسي الذي أراده .

وفي الربع الأخير من القرن العشرين تمرّدت شعوب دول أوروبا الشرقية التي كانت جزءا من المنظومة الإشتراكية التي قادها الإتحاد السوفيتي على نظام الحزب الواحد الإشتراكي الشيوعي المعادي للحرّية والديموقراطية، فتفكّك الإتحاد السوفيتي وانهار، وتمكّنت دول أوروبا الشرقية من إقامة ديموقراطيا ت حديثة ، ودمّر الشعب الألماني حائط برلين وأعاد توحيد بلده الذي قسّمه الحلفاء إلى دولتين مستقلتين بعد الحرب العالمية الثانية .

. الشعب العربي الآن مضطهد سياسيا ودينيا ويعاني من ثقافة الرعب التي فرضت عليه وأحبطته وأذلّته. إنّه لم يعطى في تاريخه فرصة حقيقيّة للخلاص من التخلّف، وممارسة السياسة بحرّية وبلا خوف وسجون وتعذيب وقتل، ولم يسمح له بإقامة مؤسّسات مجتمع مدني ونقابات مهنيّة فاعلة. لقد بذل حكّامه كل جهد ممكن لإبقائه محاصرا ومحبطا وبلا إرادة ليتمكّنوا من السيطرة عليه وحماية أنظمة حكمهم .

الله ينصر الأقوياء الموحّدون الذين يطوّرون ويتطوّرون، ويهزم الضعفاء المنقسمون الإتّكاليون مهما كانت درجة نقائهم وقداستهم التي يزعمون .الإنسان العربي لن ينتصر أبدا بالدعوات والمواعظ والوعود والإتكالية، بل إنّه سينتصر بالعلم والثقافة والحرّية والديموقراطية والصناعة والفنون والانفتاح على العالم .

إن المآسي التي حدثت وتحدث في الوطن العربي تهزّ الجبال ! فهل ماتت إرادة إنساننا ليقبل بكل ما ألحقه به حكّامه من هزائم ودمار وذل ؟ الجواب هو بالتأكيد لا ! الإنسان العربي  رغم إحباطه وتخلفه ومآسيه الحالية ما زال حيّا، وإن الهدوء والخنوع الحالي الذي يغطّي كل الساحات العربية ليس دليلا حقيقيا على رضا الشعوب عن ما يجري .إن النار مشتعلة ببطئ تحت الرماد، وإنّه ليس من المستبعد أبدا أن تنطلق شرارة تشعل حرائق كبيرة في كل مكان، وتكون بداية نهاية الطغاة، وتؤسّس لتحقيق مستقبل عربي ديموقراطي، وحياة كريمة تليق بنا وبأجيالنا القادمة !

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/07/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد