آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد النوباني
عن الكاتب :
كاتب سعودي

لماذا سقط مشروع انفصال كردستان العراق وهو في المهد ؟!


 محمد النوباني

لم يدرك مسعود برزاني عندما أصر على إجراء استفتاء انفصال كردستان العراق في الخامس والعشرين من أيلول سبتمبر الماضي أن موازين القوى الإقليمية والدولية لن تسمح لهذه الخطوة الانتحارية المتهورة والمغامرة بان ترى النور لأنها ولدت ميتة .

فقد ظن مسعود أن استقوائه بإسرائيل التي لم تخف يوما بأنها اكبر المعنيين بتقسيم وتجزأة الدول العربية المركزية التي تشكل أو قد تشكل يوما خطرا عليها مثل سوريا والعراق ومصر ، سيضمن له تمرير مشروعه الانفصالي المتصهين .

ولكنه نسي وهو الذي لا يرى في كردستان سوى دولارات النفط والغاز أن أسرائيل الذي وعدته بالحماية والدعم هي نفسها باتت بحاجة الى من يحميها ، ولذلك فان رئيس وزرائها لم يحرك ساكنا عندما اجتاحت القوات العراقية مدينة كركوك العراقية وبعض المناطق المتنازع علبه واكتفى بإطلاق بعض التصريحات مناشدا دول العالم التدخل لإنقاذ حلفائه في كردستان العراق .

ولو أن مسعود برزاني يمتاز ببعض الحكمة والتعقل لكان عليه أن يقرأ جيدا مسألتين في غاية الأهمية قبل أن يقدم غلى مغامرته الحمقاء ، الأولى مسالة تمكن الحركة الصهيونية من تحويل مشروعها في إقامة وطن لليهود في فلسطين من وعد استعماري بريطاني دخل التاريخ باسم وعد بلفور إلى دولة والثانية واقع موازين القوى الإقليمية المحيطة بكردستان ، وهل تسمح أم لا تسمح بإقامة دولة مستقلة للأكراد أم لا ؟

وإذا ما تناولنا المسالة الأولى وهي تحول المشروع الصهيوني من وعد إلى دولة ، فان نجاحه كان مرتبطا بتبنيه ورعايته من قبل دول عظمى هي بريطانيا التي كانت الشمس لا تغيب عن أملاكها الاستعمارية لحظة صدور وعد بلفور ، وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية ،ومن ضمنها فلسطين   حيث قمعت بالحديد والنار كل انتفاضات الشعب الفلسطيني وأبرزها ثورة (36- 39  ) من القرن الماضي ، ومكنت العصابات الصهيونية من بناء أجهزة دولة بكل ما تحمله كلمة الدولة من معنى داخل نظام الانتداب الاستعماري الذي فرضته على فلسطين مما مكن تلك العصابات من إقامة ما أصبح يسمى بدولة إسرائيل في 15 أيار عام 1948 ، وبقية الحكاية المعروفة .

أما في حالة كردستان العراق فان مسعود البرزاني لم يدرك بسبب قصر نظره السياسي أن الدولة الاستعمارية الأكبر في هذا الزمن وهي الولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت تدعمه علنا منذ العام 2003 لم تعد قادرة على تجسيد وعدها له بإقامة الكيان الكردي أو استزراع دولة ” إسرائيل الكردية ” في هذه المنطقة من العالم بعد نهوض العملاقين ، الروسي والصيني وتقلص مقدرة واشنطن على التحكم بمصائر شعوب العالم إلى حد كبير  من ناحية ولان الركائز الإقليمية التي كانت تعتمد عليها في السابق لتأكيد وضمان سيطرتها على الشرق الأوسط وفي مقدمتها إسرائيل لم تعد قادرة على حماية مصالحها الإستراتيجية سيما بعد الانتصارات التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه في محور المقاومة في سوريا  وتبدل موازين القوى بشكل جذري لمصلحتهم .

أما المسالة الثانية التي لم يستطيع برزاني إدراكها ، وهي أن الجمهورية الإسلامية في إيران و بفعل قوتها الاقتصادية والعسكرية الضخمة وتحالفها الاستراتيجي مع روسيا والصين وقيادتها لمحور المقاومة  باتت مركز صناعة القرار الإقليمي في المنطقة وبالتالي لا يمكن تمرير أي مشروع سياسي لا يتناغم مع مصالحها .

ولذلك فقد رأى العالم أجمع أنه بمجرد زيارة قام بها قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إلى أربيل والسليمانية دخلت القوات المسلحة العراقية  والحشد الشعبي إلى مدينة كركوك الغنية بالنفط وجوارها واسقط مشروع انفصال كردستان وهو في المهد .

وبقي القول بأن سقوط مشروع “كردستان الكبرى ” هو نذير شؤم لنظيره الصهيوني في فلسطين ،فمصدر المشروعين واحد هو بريطانيا التي أصدرت وعد بلفور في 2/11/1917 وأصدرت وعدا مماثلا للأكراد طرحه ضابط مخابرات بريطاني يدعى “دبليو –آر – هاي ” في عام 1921 بإقامة كردستان الكبرى وعوامل تفكك المشروع  الأول وهي موازين القوى ستكون هي ذاتها عوامل تفكك المشروع الثاني  .

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/10/25

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد