آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إسماعيل القاسمي الحسني
عن الكاتب :
كاتب جزائري

لا ندري إن كان الوزير عادل جبير يعرف الجزائر؟

 

 إسماعيل القاسمي الحسني

السؤال مشروع وموضوعي لأبعد حدود، ويحضرني هنا موقف تعرض له موفد من قبل ما يسمى “الإتلاف السوري” للجزائر عام 2012، حين رفضت القيادات العليا للبلد استقباله، وأحيل عن قصد لرجل يعد من الشخصيات الثورية البارزة، وقبل أن يبدأ “المعارض” السوري في طرح تصوراته ورواياته عما يجري في سوريا، بادره السيد لخضر بورقعة بسؤال صادم: هل تعرف الجزائر والجزائريين؟ قبل أن تأتي إلينا هل علمت بأننا نقف دولة وشعبا بشكل  آلي في الطرف المقابل حيث تكون فرنسا؟ وهل قرأت لأبرز علمائنا قوله: لو أمرتني فرنسا بقول “لا إله إلا الله” لرفضت. ولا يخفى عن فطنة القارئ، أن هذه الأسئلة كانت خاتمة اللقاء، بعد أن سمع المعني كيلا من الاتهامات.

زيارة وزير الخارجية السعودية عادل جبير للجزائر منذ ثلاثة أيام، والتي حمل عبرها رسالتين اثنتين: أولاهما دخول الجزائر فيما سمي “الحلف الإسلامي العسكري”، وإن لم يكن بشكل فعلي وعملي، فلا أقل على الصعيد الإعلامي، بمعنى تزيين قائمة هذا الحلف باسم “الجزائر”. والرسالة الثانية عبارة عن عروض شبه مغرية، تكون بديلا عن الشراكة الإيرانية الجزائرية.

ما يمكن قوله هنا: صحيح أن الجزائر لا تسعى لاحتلال منصب القيادة والزعامة (الوهمية) للدول العربية، لكن ما لا يقل صحة ويقينا أيضا، أنها لن تقبل زعامة عليها شكلية أو فعليه، من قبل أي نظام عربي؛ وإذا كان البعض جهلا منه أو اجتهادا، يعتقد بأن الجزائر تنتهج سياسة سلبية حيال العالم العربي، فعليه ابتداء أن يدرس بعمق القضايا العربية، ولو فعل ذلك بموضوعية وتجرد، لأكتشف بأن أغلب الأزمات المعاصرة مصنّعة بأيدي من يتصدرون المشهد، معتبرين أنفسهم زعماء وقادة العالم العربي، بوضوح أكثر نقول:
الجزائر تعتبر “الأزمة السورية” صناعة عربية بامتياز، وصُنّاعُها معروفون لدى الرأي العام اليوم بعد أن تكشفت الحقائق ونشر ما كان محضورا من قبل، وتعلم يقينا أن السعودية وقطر وتركيا مسؤولون بشكل مباشر وبنسبة عالية على كل ما حدث في ليبيا وبعدها في سوريا، ولهذا تصنفهم ركنا قويا من الأزمة، وليس جزء من حلها. وقد أشرنا في مقالات سابقة عن صدامات حادة بين سفير الجزائر ونظرائه في جامعة الدول العربية بهذا الخصوص. ولعل خلاصة القول أجملها رد مواطن جزائري لقناة الميادين حول موقفه من “التحالف الإسلامي” إذ قال: نحن كجزائريين لا نقبل الدخول في أي تحالف عسكري عربي إلا إذا كان هدفه الأول والوحيد تحرير فلسطين.

أما فيما يعني العلاقة الجزائرية الإيرانية، فمما لا شك فيه أنها تختلف بشكل جذري عن العلاقة مع السعودية، ذلك أن الجزائر لا تؤسس علاقاتها على العرق واللسان والمذهب، كأي دولة لدى قياداتها نسبة من الوعي السياسي، تقوم العلاقات الدولية على أمرين: المصالح والأمن الاستراتيجي.

وعليه فإن ما بين الجزائر والسعودية، لا تزيد العلاقة عن تلكم العبارات الإنشائية العربية الفضفاضة، التي يعرفها المواطن العربي، ولو تأملنا واقع العلاقة لما وجدنا غير ذلك، في حين أن العلاقة مع إيران، والتي تطورت مع بداية ثمانينيات القرن الماضي، لتشهد أول تعاون في الإنتاج الحربي، جسّده أول مشروع لصناعة الصواريخ، وإن شهد هذا التعاون العسكري والصناعي في آن، جمودا في العشرية الحمراء، فإنه استأنف دورته بقوة متصاعدة مع بداية القرن الجديد، ليشمل مجالات أخرى كان آخرها، بناء مصانع لتركيب السيارات وما يتبعها من قطع غيار وغيرها؛ هذا ما لا تقدمه أي دولة عربية أخرى للجزائر، ومنها طبعا السعودية. أما عن مصالح الجزائر على الصعيد الدولي، فإيران تعتبر حليفا قويا وداعما لمواقف الجزائر ومطالبها، على عكس المملكة السعودية، التي برهنت في أغلب مواقفها معارضة حادة لمطالب الجزائر، حتى فيما يتعلق بأبسط المطالب التي يفترض ألا يقع بشأنها خلاف، وهنا يحضرني مطلب الجزائر في سبعينيات القرن الماضي، إدراج اللغة العربية كلغة رسمية معتمدة في هيأة الأمم المتحدة، وكان من عارضها بشدة وحدة المملكة السعودية، إلى درجة دفعت مندوبيها لاستعمال سمّاعات المترجمين حين شرع الرئيس الجزائري في إلقاء أول خطاب عربي اللسان.

ختاما، لدى القيادة الجزائرية، وأبرز الشخصيات الفكرية والاجتماعية قناعة راسخة، مؤسسة عن علم ودراية وتجربة واقعية بالغة المرارة، بأن السلوك التكفيري مكتسب من خارج بيئة الشعب الجزائري، ومُحرّكه الفكري والمالي معروف المنبت والمنشأ، ولا يمكن بحال من الأحوال أن توضع اليد في يد صاحبه لمحاربته.

لهذا يحق لنا أن نتساءل إن كان وزير الخارجية السعودية يعرف الجزائر والجزائريين، قبل أن يزورها حاملا ما حمل، بأنها وشعبها دوما في الطرف المعارض حيث توجد فرنسا والولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي.

رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/01/04

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد