آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. أحمد القطامين
عن الكاتب :
خبير التخطيط الإستراتيجي من الأردن

رسالة مفتوحة إلى دونالد ترامب.. هل تعرف هولاكو


أ‌.  د. احمد القطامين

سيادة الرئيس.. بينما ستقدم اليوم القدس العربية هدية للصهاينة، أود ان أروى لك حكاية ذات مغزى، وهي حكاية هولاكو. طبعا أنت لم تسمع سابقا بهذا الاسم حيث أنك ونحن والجميع نعلم أن حياتك السابقة تموحرت حول التجارة والمال والمقامرة وعقد الصفقات. لكن الأمر سهل: أطلب من أحد مستشاريك أن يقدم لك تقريرا تفصيليا عن هولاكو واعتقادي أنه سيكون تقريرا ذو فائدة كبيرة لك ولسياساتك القادمة.
هولاكو هذا، يا سيادة الرئيس، قائد مغولي قوي جدا ومتهور جدا وقليل التعليم، لكنه كان يمتلك واحدا من أقوى جيوش زمانه –لاحظ ما أشبه الأمس باليوم- كان يمتلك من القوة والإمكانيات وسمعة الرعب ما يتفوق بكثير على قوتك الحالية، لهذا تمكن من اجتاح مساحات واسعة من آسيا واخضعها لجبروت قوته قبل أن يتوجه إلى بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية حيث ضرب عليها حصارا خانقا لمدة اثني عشر يوما ثم دخلها فاتحا صباح اليوم العاشر من فبراير (شباط) عام 1258 ميلادي.

كانت بغداد عاصمة الثقافة والفكر في العالم في ذلك الوقت تزخر مكتباتها بالكتب والمخطوطات في العلوم كافة، لذلك كان من بواكير ما فعله هولاكو القائد القوي المتوحش أن أمر جنوده بإلقاء كافة ما تحتويه مكتبات بغداد من مؤلفات في نهر دجلة، ليتحول النهر الواسع الهادر إلى اللون الأزرق بالكامل لتشكل تلك أول ظاهرة للتوحش والبربرية في التاريخ.

ثم أمر جنوده أن يقتلوا أهل بغداد عن بكرة أبيهم.. ولم يسلم من القتل إلا حوالي عشرون بالمائة من السكان الذين حالفهم الحظ بالهروب أو الاختفاء في أماكن بعيدة عن انظار هولاكو وجنوده. وما أن فرغ من مهمته في بغداد حتى أخذ بالزحف غربا على بلاد الشام واخضعها بالكامل.
كما يحدث اليوم يا سيادة الرئيس فقد كان لهولاكو أعوانه وجواسيسه من أهل بغداد وكان على رأسهم شخص يدعى العلقمي – كان العلقمي مقربا كثيرا من الخليفة الذي كان حاكما ضعيفا وجبانا وقليل العقل-  تعاون (العلقمي وخليته التجسسية) مع هولاكو سنوات قبل الغزو مهدو من خلالها لقدوم هولاكو بشتى السبل فمن نشر الشائعات التي تضعف الروح الوطنية في المجتمع إلى اسداء النصائح للخليفة الضعيف بحل الجيش تخفيضا للنفقات المالية إلى نصائح أدت إلى أضعاف مؤسسات الدولة، لذلك عندما وصل هولاكو إلى أسوار بغداد كانت المدينة بلا جيش يصد عنها الغزو وسكانها يعانون من ضعف في الانتماء الوطني (كما يحدث الآن بالضبط يا سيادة الرئيس) فسقطت بسهولة بالغة.

كانت جيوش هولاكو قد سيطرت على المنطقة المعروفة ببلاد الشام، وكانت كتائبه العسكرية تصول وتجول في فلسطين- بما فيها القدس يا سيادة الرئيس- لتنشر الرعب والخوف في كل مكان، وبعد مرور عامين ونصف فقط حدث  تطور مفاجئ قلب المعادلة الهولاكية رأسا على عقب، وهذا هو المهم – يا سيادة الرئيس-:
فقد قدم من مصر قائد مسلم  يسمى سيف الدين قطز على رأس جيش قليل العدد قياسا بجيش هولاكو لكنه شديد الايمان بالقضية التي يحارب من اجلها.. وفي صباح اليوم الثالث من سبتمبر(ايلول) عام 1260م التقى  جيش قطز مع القوة الرئيسية الاستراتيجية الضاربة لجيش هولاكو في منطقة عربية فلسطينية تسمى عين جالوت.. و(عينك ما تشوف يا سيادة الرئيس) فقد اوغل قطز وجنوده قتلا في جنود هولاكو والحقوا بهم هزيمة ساحقة أدت إلى فرار ما تبقى منهم باتجاه الشرق وما هي إلا أشهر قليلة حتى كانت آخر فلول هولاكو قد غادرت الأرض العربية والإسلامية وبذلك تم وضع حدا نهائيا لأحلام هولاكو وقومه.

لقد رويت عليك هذه الحدوثة يا سيادة الرئيس لعلك تأخذ عبرة منها، ولعلها تساعدك في العودة إلى طريق الصواب وتذكر- يا سيادة الرئيس- أن التاريخ أحيانا يعيد نفسه.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/05/15

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد