آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
فؤاد البطاينة
عن الكاتب :
كاتب بصحيفة رأي اليوم

لا تصفيه للقضية ممكنة إلا في الأردن.. ومؤشرات على إلغاء فكرة الدولة الفلسطينية.. الملك وحده يتحمل مسئولية القرار..

 

فؤاد البطاينة

 تترافق الهجمة المتوحشة على الشعب العربي بأقطاره مع استهتار دولي بألف باءِ حقوقها المستقرة وباعتباراتها القانونية والسياسية والإنسانية والوطنية.. فالتراجع الغربي – الصهيوني القيمي والسياسي في نظرته للعرب وللقضية الفلسطينية ، وإعادة هيكلة أنظمتنا العربية الرسمية بقيادة سعودية مذهلة بوضوحها في الاصطفاف مع الصهيونية كله لم يهبط علينا من فراغ. وصفقة القرن ليست لتصفية القضية الفلسطينية وحدها بل هي من مظاهر سيرورة لتصفية المفاهيم والطموحات والحضور عند الشعب العربي ككل في سياق تدمير مقومات نهضته. إنها نتاج وصول المعسكر الصهيوني ومعه النظام العربي الرسمي إلى قناعة مبنية على انهيار الإنسان العربي من الداخل وبإمكانية القفز عن التاريخ وعن الاحتلال وعن ارتباط الإنسان العربي بوطنه.وبالتالي فصله عن ذاكرته وهويته ومعتقده. وإن ما يجري حاليا هو محاولة لتقنين وتوثيق هذه القفزة.

ومن الطبيعي جدا أن ينسحب هذا التراجع في تفكير وسلوك الصهيونية الأمريكية إزاء فلسطين وشعبها وقضيته على بقية أجزاء الوطن العربي وشعوبه ، وما كان لذلك أن يحصل إلا بعد أن تراجعت البندقية الفلسطينية المقاومة كحضور للإرادة الفلسطينية ونموذج عربي رافض حجَّم في حينه دور الأنظمة العربية الرسمية المعنية وهزأ قيمته وفعاليته. ولقد كان لتراجع هذه البندقية التي انقلبت في الستينيات من القرن الماضي على أربعين عاما من العجز والتواطؤ العربي الرسمي الأثر الرئيسي والمباشر في إنعاش الأنظمة العربية الموكولة بالخيانة والتأمر.

 الشعوب لا تجتمع على ضلال ولا عفويتها تَكذب. لقد كان شعار شعوبنا في كل أقطارها والذي ولد مع ولادة القضية الفلسطينية هو ” إن الطريق إلى القدس وفلسطين تبدأ من العواصم العربية ” لقد ضلت شعوبنا طريقها وتركت خونتها من الحكام الذين نعرف هويتهم الصهيونية ونجهل هويتهم العرقية والدينية. تركتهم مندوبين سامين في مستعمرات أسموها دولا وتحتفل بعيد استقلال. ومن لم يُعَين منهم بعقود موثقة ومهام محددة ، تم تنظيمه أو توضيح حدوده له. وكلهم باستثناء القلة تجمعهم عضوية الحركة الماسونية الصهيونية.

 لقد أضعنا أوطاننا ومقدساتنا بسكوتنا على حكامنا. ومن يفقد هذا يفقد كرامته وإنسانيته وتاريخه ويصبح مسمارا في أحذية الشعوب أو حذوة حصان ، اعذروني لقد كانت كلمة JEW في أوروبا شتيمه علنية لقرون ، فهل يعقل أن تصبح هويتي العربية تهمة في أصقاع الأرض ونعامل كشعوب ساقطة. أعذروني لم يعد هناك من أجنبي يُلقي اللوم على حكامنا بل كلهم يلقونها على شعوبنا عندما تخنع وتعجز عن مواجهة حكام خونة.

دعونا من المغالطات. الصهيونية لم تَحتل فلسطين من الفلسطينيين بل احتلتها من العرب شعوبا وحكاما. فالاستهداف هو للوطن العربي وللشعب العربي ومقومات شخصيته ونهضته ، الروحية والمادية ، ونعيش اليوم هذه اللحظة دولة وراء أخرى. نحن كشعب عربي أمام تحالف غربي صهيوني مع النظام الرسمي العربي بقيادة أعرابية لم يحدث تاريخ البشرية عن أوطى وأذل منها ، وهذا النظام أصبح على قناعة بأن حلفاءه الأمريكيون والصهاينة الخزريون قادرون على إخضاع وتركيع الأمة، بينما الأمر لا يعدو أكثر من كبوة شعب. وأصبح يتخذ القرارات باسم دولنا وشعوبها كما تريدها الصهيونية دون اعتبار لأي متعلق تاريخي أو ديني أو وطني.

 حان الوقت لأن يُسقط ويتخلى كل عربي شريف عن هويته الاقليمية نصرة لفلسطين وحفاظا على كرامته وإقليمه قبل إقليم شقيقه العربي. حان الوقت لأن نقف بوجه حكامنا ولا نعترف بأي واحد منهم لم ننتخبه في انتخابات حرة وديمقراطية وأن نُفَهم الصهيونية الأمريكية والمتأسرلة في فلسطين أن الحديث هو معنا والمواجهة معنا لا مع عملائها. ولنترك الاصطفافات فقد أخذت منا كل مأخذ. فنحن شعوب مقموعة ولا يعيد لنا ولأوطاننا اعتباراتها غير الاصطفاف مع أنفسنا وهذا لا يكون أبدا إلا بالعودة للبداية والانطلاق باصطفافنا مع فلسطين أولا.

ترمب هو اليوم منفذ لبرنامج ، لا مفكر ولا مجتهد ولا محاور ولا مفاوض. ليست هناك صفقه ، فالصفقة هي عرض OFFER ، بين طرفين وتكون عادة قابلة للنقاش والقبول أو الرفض ، وما أمامنا ليس كذلك. بل طبخة متعددة الأطباق والجوانب على طريق تصفية القضية الفلسطينية والحضور العربي مطروحة على عملائهم للتنفيذ وكعرابين ومتحملين لمسئوليتها بمعزل عن إرادة شعوبنا. بدايتها في فلسطين والأردن ونهايتها في كل الوطن العربي. ولن تكون فيها سيادة على شبر بين البحر والنهر إلا لإسرائيل ولا حكم لحاكم عربي. ومن هنا لن تكبر جغرافيا الأردن من الحدود الغربية إلا في سياق خطير جدا.

وبهذا ، يعلم الملك عبدالله الثاني بأن حل الدولتين ما بين البحر والنهر ما كان يوما مقبولا من إسرائيل وأن مساعي السنين دجل سياسي وإعلامي. ويعرف أن إسرائيل لا تعترف بالأردن كدولة بل بدور هاشمي. ولا تعترف بفصل الأرض الأردنية عن أراضي فلسطين ، بل بفلسطين بالمفهوم التوراتي ( الأراضي المقدسة ” ) الممتدة من البحر إلى عمق الصحراء. ولا تعترف بشعب فلسطيني ولا أردني بل بعرب يسكنون فلسطين التاريخية هذه. وصك الانتداب ما زال ينص على حدود فلسطين هذه. إنها ترى حل الدولتين هو في فلسطين بالمفهوم التوراتي ، وترى ذلك تطبيقا لقرار التقسيم 181 الذي نص على تقسم فلسطين بين اليهود والعرب وليس بين اليهود والفلسطينيين ، وأن الأردن جزءا من فلسطين ووطن أصيل لا بديل ، وفيه الدولة العربية بالمحصلة. وإسرائيل لا تعترف باتفاقية وادي عربه إلا في هذا السياق ” والباقي بولشيت “. ولكن هل هذا التصور ما زال قائما عند إسرائيل أم تجاوزته للأسوأ ؟.

 الملك حسين كان يعلم بتمسك إسرائيل بالسيادة على الضفة. حيث قدم لها الكثير من العروض المغرية جدا في مفاوضات سرية ماراثونية لتَقبَل التخلي عن جزء من الضفة للأردن دون جدوى. فلماذا تتخلى عنها الآن أو عن جزء منها في الصفقة المزعزمة كما يُكتب ويشاع ؟ فإن كان ذلك صحيحا فنحن أمام سؤال خطير يطال بقاء فكرة إقامة الدولة الفلسطينية من أساسها سواء في الأردن أو في أي مكان أخر، فلا يستبعد هنا أن الظرف العربي الأسوأ تاريخيا والظرف الصهيوني الأقوى تاريخيا قد طور لدى إسرائيل فكرة إلغاء وجود دولة فلسطينية. وفي هذه الحالة تصبح مقولة ضم أراض فلسطينية للأردن تطورا سياسيا خطيرا يطال التآمر على الأمن المجتمعي في الأردن وخلق فوضى طويلة الأمد تخلط فيها كل الأوراق من أجل ولادة عناوين سياسية وتاريخية جديدة ، وهنا نقول ، اللعنة لتلك اللحظة التي انتزعت فيها بريطانيا الأردن من وعد بلفور.
 إن أي مشروع تصفية للقضية الفلسطينية ومكوناتها لا يمكن إطلاقا أن يتم إلا بموافقة الأردن أو بإخضاع الأردن. وأقول للملك عبدالله الثاني ، الأمور مكشوفة للجميع ، وأنت تتحمل اليوم وحدك مسئولية القرار في إفشال المشروع الصهيوني أو إنجاحه من خلال قبولك أو رفضك لأي حل أو عرض تحت أي مسمى تُشتم منه رائحة التصفية ، وليس لعباس أو سلطته أي قيمة في رفضه أو موافقته ، إنه أحد رعايا إسرائيل في أرضه ، والسلطة جزء من منظومة الاحتلال،بل هناك حماس ، ومعسكر حماس يمثل ضمير الشعب الفلسطيني والعربي ويزيل هواجس كل أردني.

يا صاحب القرار. إننا نعيش معك لحظة انكشاف ملعوب الصهيونية وأمريكا على الهاشميين وعلينا بشفافية ، ومع ذلك ما زلت مصرا على إدارة ظهرك لكل الأردنيين والفلسطينيين و تُحمِّل نفسك وتضع على كاهلك مسئولية التعامل مع الصهيونية بعيدا عن شعبك بما سيؤدي لتصفية القضية الفلسطينية وتصفية الدولة الأردنية في الوقت الذي فيه الفلسطينيون والأردنيون جميعهم سيقفون معك ويحموك والتاريخ سيسجلك بطلا هاشميا إن وقفت معهم ومع قضيتهم ، والرجال مواقف.

إن المفهوم العام في الشارع والصالونات المغلقة هو ، لن يكون لرفضك ولتصريحاتك أي معنى مقنع حتى تلك التي تتعلق بالقدس ( التي لا تهمنا سدانتها وهي محتلة ) إذا لم تقرن رفضك بمقوماته أو بموقف على مستوى الحدث. ولن يكون لرضوخك لأي حل له باب على التصفية أية شرعية دون العودة للشعب في استفتاء حر. فالمسألة تتعلق بمصير شعب ومصير وطنه فلا تقرره وحدك فلست في هذا صاحب حق ، وإعادة التموضع السياسي لم يكن سهلا على النظام الهاشمي ولا مُبَررَا كما هو اليوم.

يا صاحب القرار ، لا تركب في هذا لعبة أن للشعب ممثلين وللشعب حكومات وأنها هي التي تقرر. فلن يُقبل ذلك منك أبدا. فكل ساذج في هذا الشعب يعلم بأن مؤسسات الدولة مجرد ديكور ينخرها الفساد دون تفعيل لإرادة سياسية توقفه أو حتى تُرَشده ، ويعلم أن مجالس النواب مزورة بالقانون وبالممارسة وبأنها غير شرعية ولا تمثل إرادته. ويعلم بأن الحكومات ليست صنيعته وأنت صاحب الكلمة فيها. ولا يعترف بألقابها وقراراتها.وكل واع في هذا الشعب يعلم بأن قبول المنصب الوزاري أو السياسي في حكومة بلا ولاية دستورية خيانه ، وأن النيابة في مجلس مزور وفاقد القدرة على فعل شيء خيانة وأن السكوت خيانة.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/06/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد