آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
زهير أندراوس
عن الكاتب :
كاتب سياسي فلسطيني

المُقاومة إرهابًا والتطبيع قاعدةً

 

زهير أندراوس

المشهد العربيّ الرسميّ كان وما زال وسيبقي، وفق كلّ المؤشّرات والدلائل، قاتمًا للغاية، لكن بمُوازاة ذلك، تبقى المُمانعة والمُقاومة والصمود، عنوانًا للشعوب، التي لا تفقِد البوصلة أبدًا، وإنْ فقدها بعض كبارهم، إنْ كانوا هم كذلك أصلاً، ولنا في التاريخ العبرة الكبرى. ولأنّ في التاريخ، عبرةً كُبرى، إنْ أجَدْنا التعامل معه، على قاعدة أنْ نبقى فيه ومعه، أيْ على مسرحه، فاعلين لا مفعولاً بنا، فإنّ نقطة الوضوح، تفترض أنْ نُعيد طرح السؤال: هل يمكن لنا الصمود أمام هجمة أعداء الخارج، بفاعليةٍ وكفاءةٍ واقتدارٍ وقوّةٍ لتحقيق النتائج المرجوّة، وداخلنا مليء بالأعداء؟ سؤال سبق لغيرنا أنْ تطرّق إليه بوضوحٍ شديدٍ أيضًا، منهم القائِد، جمال عبد الناصر، الذي أرسى مقولته المأثورة: “أنا لا أخشى على شعبنا من العدوّ الخارجيّ، لقد استطاع شعب مصر العظيم أنْ ينتصر في معارك التحرير في كلّ العصور، وأنْ يطرد الاستعمار، ولكن ما أخشاه هو مخاطر الانقسام وإشعال نيران الفتن باسم الدين أوْ باسم الديمقراطية من اللاهثين على السلطة”، وعبد الناصر، بالإضافة إلى حربه ضدّ إسرائيل، لم يتوقّف للحظةٍ عن مُقارعة الأنظمة الملكيّة، حيث قال إنّ “حكّام الخليج هم الوجه الآخر للاستعمار، الرجعيّة والصهيونيّة، ولا بُدّ من اجتثاثهم”، وفي مقولةٍ أخرى جزم: “إذا وجدتم أمريكا راضيةً عنّي، اعلموا أننّي على خطأ”.
***
نسوق هذه الأقوال على وقع تسونامي التطبيع الخليجيّ مع دولة الاحتلال، والذي وصل ذروته في زيارة نتنياهو إلى عُمان واستقباله بحفارةٍ مُنقطعة النظير من قبل السلطان قابوس، فيما كان يُعزَف في الإمارات العربيّة المًتحدّة، ولأوّل مرّةٍ، بحضور الوزيرة الإسرائيليّة العُنصريّة، ميري ريغيف، النشيد الوطنيّ الإسرائيليّ (هتكفا)، والذي يقول: “طالما في القلب تكمن، نفس يهوديّة تتوق، وللأمام نحو الشرق، عين تنظر إلى صهيون. أملنا لم يَضِع بعد، أمل عمره ألفا سنة، أنْ نكون أمّة حرّةً في بلادنا، بلاد صهيون وأورشليم القدس. أملنا لم يَضِع بعد، الأمل الأزليّ، أنْ نعود إلى بلاد آبائنا، إلى المدينة التي نزِل عليها داود”. وكلمات النشيد الإسرائيليّ لا تترُك مجالاً للشكّ بأنّهم، أيْ الصهاينة، يعتبرون فلسطين، كلّ فلسطين، بلادهم، ويؤكّدون على أنّ القدس عاصمتهم الأبديّة، مُتجاهلين عن سبق الإصرار والترصّد، أنّ كيانهم أُقيم على أنقاض الشعب العربيّ الفلسطينيّ، كما أنّ النشيد يُشدّد على حقوقهم التاريخيّة المزعومة في فلسطين، إسرائيل، وأنّ لا حقّ لشعب فلسطين بتقرير المصير على أرضه التي شُرّد وهُجّر منها في النكبة المنكودة عام 1948.
***
ولكن، لنضع جانبًا نشيدهم الوطنيّ، ونُحاوِل تفسير الهرولة الخليجيّة نحو التطبيع مع الكيان الذي اغتصب فلسطين، وباعتقادِنا المُتواضِع جدًا، فإنّ إخراج عملية التطبيع مع “كيان الاحتلال” هو تحصيل حاصل، فالحديث لا يدور عن دولٍ وطنيّةٍ، أيْ أنّ المُواطِن في هذه الدول، إذا جازت تسميتها بدولٍ، مغلوب على أمره، يُقمَع بقسوةٍ وبيّدٍ من حديدٍ، إذا تجرّأ على مُعارضة سياسة الملك، أوْ الأمير أوْ السلطان، ويجِد نفسه نزيلاً في أحد السجون، بدون محاكمةٍ أوْ بواسطة محكمةٍ صوريّةٍ، تبعد عن العدالة ألف سنةٍ ضوئيّةٍ، وبالتالي وَجَب التوضيح أننّا نُفرّق بين الشعوب العربيّة المغلوب على أمرها وبين الأنظمة الحاكِمة التي تفعل ما تشاء، لرفضها إطلاق الحُريّات أوْ التعدديّة.
***
وليس سرًّا أنّ جميع الأنظمة الخليجيّة، بدون استثناءٍ، تُقيم علاقاتٍ وطيدةٍ جدًا مع رأس الأفعى وقائدة الإرهاب العالميّ، أمريكا، ناهيكم عن شراء الأسلحة لدعم الاقتصاد الرأسماليّ المُتوحِّش في واشنطن، أيْ أنّ واشنطن راضيةً بشكلٍ محدود الضمان عن هذه النُظُم الحاكِمة، لأنّها تُشكّل لها أولاً دعامةً لاقتصادها وبُعدًا إستراتيجيًا للمُحافظة على مصالحها الأمنيّة والسياسيّة في الشرق الأوسط، وللتذكير: في الثالث من شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) من العام 2001، قال أرئيل شارون، رئيس وزراء إسرائيل آنذاك في جلسة الحكومة: “نحن الشعب اليهوديّ نُسيطر على أمريكا، والأمريكيون يعرفون ذلك… من المُستحيل تقريبًا تنفيذ السياسة الخارجيّة الأمريكيّة في الشرق الأوسط، إذا لم تتّم الموافقة عليها من قبل اليهود الأمريكيين، الذين يتحكّمون بشكلٍ رائعٍ بوسائل الإعلام الأمريكيّة وبأعضاء الكونغرس… أنّهم لا يسمحون للكونغرس باتخاذ أيّ قرارٍ ضدّ إسرائيل، وأنّ النفوذ اليهوديّ، يُهيمِن تمامًا على الساحة الأمريكيّة… سفارة تل أبيب في واشنطن هي التي تُملي عمليًا أجندتها على الكونغرس، من خلال اليهود الأثرياء جدًا في أمريكا”.

وغنيٌ عن القول إنّ ترامب، الذي يطالِب دول الخليج بدفع فاتورة الحماية، بات صهيونيًا أكثر من هرتسل، ولذا فإنّه بطبيعة الحال، سيُمارِس وإدارته الضغط على دول الخليج للتطبيع مع الربيبة-الحبيبة، إسرائيل، وهذا ربمّا يُفسّر بشكل جزئيٍّ الهجمة التطبيعيّة الخليجيّة مع دولة الاحتلال.
***
مُضافًا إلى ما ذُكر أعلاه، فإنّ تساوق المصالح بين دول الخليج وإسرائيل في المنطقة بات بارزًا جدًا للعيان: إسرائيل والدول الخليجيّة، وفي مُقدّمتها السعوديّة، ترى في إيران العدوّ اللدود، وتعمل على وقف ما يُسّمى وفق المُعجم الإمبرياليّ-الصهيونيّ والرجعيّ التمدّد الشيعيّ في الشرق الأوسط، كما أنّ دول مجلس التعاون الخليجيّ تعتبر حزب الله تنظيمًا إرهابيًا، تمامًا مثل تل أبيب وواشنطن، أيْ أنّ المُقاومة باتت إرهابًا والتطبيع مع الاحتلال قاعدةً، ولا نُجافي الحقيقة بتاتًا بأنّ دول الخليج، شاركت بدرجاتٍ مُتفاوتةٍ في المؤامرة الكونيّة ضدّ سوريّة، لتمزيق وتفتيت هذا البلد العربيّ المُمانِع، كمُقدّمةٍ للإجهاز على ما تبقّى من فلسطين، والآن عشية طرح خطّة الـ”سلام” الأمريكيّة، التي باتت تُعرَف بـ”صفقة القرن” أمْلَتْ واشنطن على هذه الدول مُهمّة الضغط على القيادة الفلسطينيّة للقبول بهذه الخطّة لإرضاء السيّد الأمريكيّ الأبيض والصهيونيّ الاشكنازيّ في دولة الاحتلال.
***
ولكن لحكّام الخليج، وللأسياد في واشنطن وتل أبيب نقول: الشعب السوريّ صَمَد أمام المؤامرة الكونيّة وها هي سوريّة، أخر معقل للقوميّة العربيّة، تستعيد عافيتها، والشعب العربيّ الفلسطينيّ سيبقى عصيًا على المؤامرات. يوم الجمعة الفائت، عندما كان نتنياهو يجتمِع مع السلطان قابوس في مسقط، كنّا في قرية ترشيحا، شمال فلسطين، نُحيي الذكرى الـ70 لسقوط القرية بعد قصفها بالطائرات من قبل العصابات الصهيونيّة المُجرِمة، أنشدنا “موطني”، وليس “هتِكفا”، لأنّ فلسطين موطننا وإسرائيل ليست دولتنا، وشدّدّنا على ما قاله شاعرنا الكبير الراحل سميح القاسم: راية جيل يمضي، وهو يهّز الجيل القادم، قاوَمتُ، فقاوِم.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/11/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد