آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. أحمد القطامين
عن الكاتب :
خبير التخطيط الإستراتيجي من الأردن

لماذا 2019 مختلفة؟ وهل تم انجاز نقطة التوازن في القوة بين الثورة المضادة وثورات الشعوب؟

 

أ.د أحمد القطامين

كلنا نعرف أن ثورات الربيع العربي التي اندلعت مطلع عام 2011 قد أُجهضت بسبب ما يسمى بالثورة المضادة. الثورة المضادة هي ردة فعل واسعة وعميقة ومخطط لها جيدا ومدعومة بأموال طائلة سعت لانجاز ثلاث أهداف متكاملة، الأول كان وقف اندفاع الأحداث التي أطلقتها ثورات الربيع العربي في المنطقة لحماية الأنظمة في طول المنطقة العربية وعرضها والثاني خلق محيط من الدماء والخراب والدمار الهائل باستخدام أكثر قوى التطرف ضراوة في المجتمع لشيطنة فكرة الثورة والتغيير والثالث كان محاولة لاستعادة البلدان التي نجحت فيها الثورات والعمل على إعادتِها لوضع ما قبل التغيير.

بحلول عام 2013 كانت اندفاعة ثورات الربيع العربي قد أُجهضت وتم تحويلها إلى كوابيس استراتيجية من القتل والتدمير والتخريب والدماء، وكانت متاريس الثورة المضادة لا زالت تعمل دون كلل على عرقلة كل ما نتج من آثار الثورات  عام 2011، وما ان بدأ عام 2014 حتى شرعت الثورة المضادة في محاولة ضخمة وواسعة النطاق لاقتلاع الفكرة الكامنة خلف ثورات الربيع العربي ونتج عن ذلك أن دخلت المنطقة في مربع تاريخي خطير جدا حيث استفحلت داعش ومشتقاتها في سوريا والعراق وسيطرت على مساحات واسعة جدا من البلدين وتعمقت جبهة النصرة وتحالفاتها في سوريا  واخذ الجسد العربي ينزف بلا رحمة حتى عام 2018.

مع حلول عام 2018 أخذت القوى المحركة للثورة المضادة تدخل في نفق عميق من التعثر والاضطراب، فمع نشوة انتصاراتها على الثورات فقدت تلك القوى عنصر التوازن الوجداني المطلوب لإدارة معركة القضاء على فكرة الربيع العربي، فدخلت في سلسلة من المغامرات غير المحسوبة العواقب فشنت حربا على اليمن البلد الفقير المتهالك لكنه بالمقابل كان يشكل خزانا ضخما للطاقة البشرية في تلك المنطقة من ربوع الأمة العربية، لكن تلك الحرب تحولت بعد ما يقارب الأربع سنوات من شنها إلى حالة من  الفشل استراتيجي العميق، وأضحت حرب اليمن الهزيمة الأولى لقوى الثورة المضادة.

أدت الحملات الإعلامية المتبادلة بين دول المنطقة على خلفية حصار دولة قطر إلى كشف الكثير من الأسرار والمعطيات حول حرب اليمن وطبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وادوار تلك الدول في تدمير سوريا ومحاولة تقسيمها خدمة لأهداف أمريكية معلنة وواضحة، كل ذلك أدى إلى عملية أضعاف خطير آخر لتلك القوى، وكانت تلك الهزيمة الثانية لقوى الثورة المضادة.

أخذت الأوضاع بمختلف محاورها تتدهور لدى قوى الثورة المضادة، وكانت القطرة التي أفاضت الاناء هي عملية اغتيال الصحفي السعودي جمال خشقجي التي تمت في اسطنبول وكانت في واقعها عملية يفترض أنها مخابراتية سرية جدا إلا أنها في الواقع كانت  كما لو أنها “منقولة حيا على الهواء” أعقبها عملية تستر أكثر ضعفا وبدائية من عملية الاغتيال ذاتها.

صدم العالم لبشاعة عملية الاغتيال وأخذت الضغوط العالمية تنهال من كل حدب وصوب، مما أدى إلى توقف الكثير من العمليات الحيوية لقوى الثورة المضادة وفتحت أعين العالم على فداحة ما يجري بسبب سياسات تحالف تلك القوى  خاصة في مجال حقوق الإنسان وأخذ العالم يصفها علنا وبشكل حاد على أنها سياسات متهورة وخارج معطيات العصر.  كل ذلك انعكس على شكل ضغوطات هائلة من دول وقوى في العالم لاتخاذ إجراءات لوقف تلك الحالة الشاذة من ممارسة السياسة في هذه المنطقة من العالم،  وكانت تلك الهزيمة الثالثة وربما الأخيرة الحاسمة ضد قوى الثورة المضادة.

إذن نستطيع الجزم أن عام 2018 شهد حالة توازن في القوة على الأقل بين قوى الثورة المضادة وحركة الشعوب ومن المتوقع مع زيادة الضغط العالمي على تلك القوى أن تضعف أكثر خلال عام 2019، وقد تطلق العنان لحالات تغيير هامة أكثر نضجا وأعظم قدرة على الفعل من ثورات الربيع العربي عام 2011.
سننتظر لنرى .. أنها 2019 !!

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/01/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد