آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمد صادق الحسيني
عن الكاتب :
كاتب وباحث إيراني

ماذا بعد حرب الناقلات «فأيّ الفريقين أحق بالأمن انْ كنتم تعلمون ...!؟

 

محمد صادق الحسيني

من جبل طارق إلى مضيق هرمز إلى مضيق كيرتش والعيون مشدودة كلها إلى إيران الخبر الأول والأخير…!

هي الأحداث تتدافع والوقائع تتجمّع فماذا ينتظر العالم في الساعات المقبلة…؟

1 ـ لا شك أنّ تصريح الرئيس الأميركي حول استعداد بلاده لإجراء مفاوضات مع إيران، حول برنامجها النووي، بدون شروط مسبقة، هو تصريح مهمّ. خاصة أنه لم يأتِ على ذكر أيّ ملفّ ثانٍ كملف الصواريخ الحربية التي يطلق عليها بالأجنبي، الباليستية ولا موضوع نفوذ إيران في غرب آسيا الشرق الأوسط ، والأهمّ من ذلك أنه لم يذكر إسرائيل ولا أمنها ومصالحها إطلاقاً في معرض حديثه عن الاستعداد للتفاوض مع إيران دون شروط.

2 ـ وما يزيد تصريح الرئيس ترامب أهمية هو التصريح الذي أدلى به وزير الحرب الأميركي الجديد، مارك اسبير، يوم أمس، والذي أكد فيه على أنّ القوات الأميركية لن تقوم بمرافقة السفن في الخليج لكنها ستحتفظ بوجودٍ عسكري في المنطقة لمنع الاستفزازات . نص كلامه حرفياً . 

وأضاف اسبير قائلاً: سنرافق سفننا بالقدر الذي تتطلبه المخاطر ولا أقول إننا سنرافق السفن الآن . واستطرد قائلاً، لمزيد من التوضيح، قال: أستخدم كلمة مرافقة بالمعنى الواسع والمرافقة لا تعني أنّ السفن التجارية تسير خلفنا وعلينا مرافقتها على الفور… لكن أثناء تواجدك في المنطقة بإمكانك الردّ بسرعة كافية لمنع أيّ استفزاز، وهذا هو العامل الرئيس . الاقتباس حرفي لكلام اسبير .

3 ـ تنبع أهمية كلام اسبير ليس فقط من كونه هو وزير الدفاع، أيّ الشخص المسؤول بالدرجة الأولى عن إعداد الخطط الحربية استعداداً للدخول في أية حرب ضدّ أيّ دولة كانت، وإنما أيضاً من كونه القائد السابق للجيش الأميركي أو القوات البرية الأميركية، حسب بعض التسميات U S – Army ما يعني أنه الأكثر دراية بمتطلبات الدخول في أيّ حرب، مهما كانت محدودة، فما بالك إذا كانت ستشمل إقليماًً بأكمله كالشرق الأوسط؟

4 ـ هذا يعني أنّ وزير الحرب، كما رئيسه ترامب، غير معنيين بالحرب مع إيران، وعلى الرغم من تصريحات سابقة لوزير الخارجية، مايك بومبيو، حول نية واشنطن إقامة تحالف لحراسة مضيق هرمز. وهو الأمر الذي استدعى إطلاق تصريح لمساعدة وزير الحرب الأميركي، كاترين ويلبيرغر، قالت فيه: أنّ هذا التحالف لا يهدف لردع إيران، بل يهدف إلى ضمان أمن الملاحة، وبالدرجة الأولى عن طريق تعزيز عمل الاستخبارات والمتابعة .

5 ـ أما التفسير الدقيق لما ورد آنفاً فهو أنّ واشنطن لا تخطط لأيّ عمليات هجومية في منطقة الخليج، أيّ ضدّ إيران، في المرحلة الحاليّة ولأسباب عديدة ليس هنا مجال تعدادها.

كما أنّ تصريحات زير الدفاع الأميركي ومساعدته تجعل تصريحات وزارة الدفاع البريطانية، حول تلقي البحرية البريطانية أوامر بمرافقة السفن التي ترفع العلم البريطاني خلال إبحارها في مضيق هرمز… دون أيّ معنى أو بعد يجب أخذه في الحسبان. أنها ليست إلا محاولة من الحكومة البريطانية لإظهار نفسها على أنها ملكية أكثر من الملك. فها هو ملك البنتاغون يعلن لكلّ من يعنيه الأمر بأنّ القطع البحرية الأميركية لن ترافق السفن التجارية حالياً… أيّ أنّ الملاحة الدولية في الخليج ومضيق هرمز آمنة تماماً ولا داعي لرفع درجة التوتر مع إيران.

6 ـ كما تكتسب تصريحات وزير الدفاع الأميركي الجديد مزيداً من الأهمية كونها جاءت بعد تصريحات متشدّدة نسبياً، من قبل كلّ من مبعوث الإدارة الأميركية الخاص لشؤون إيران، بريان هوك، ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية، الجنرال جوزيف دانفورد، والتي قالا فيها أنّ الولايات المتحدة تعمل على إنشاء حلف دولي لحماية الملاحة البحرية في مضيق هرمز.

وهو الأمر الذي جعل وزير الحرب الجديد يقول للصحافيين إنه سيناقش هذا الموضوع مع رئيس الأركان الأسبوع المقبل، أيّ أنه سيصدر له الأوامر بالالتزام برؤية وزير الحرب لمعالجة الأوضاع في الخليج ومضيق هرمز… وعدم إطلاق التصريحات دون ضوابط.

7 ـ هنا يطرح السؤال الأهمّ. كيف هو المخرج؟ وبأيّ الوسائل؟

8 ـ سؤال تمّت الإجابة عليه من الجانب الإيراني، من خلال اقتراح وزير الخارجية الإيراني توقيع معاهدات عدم اعتداء مع دول الخليج، قبل حوالي شهر من الآن.

علماً أنّ هذه الإجابة قد تكرّرت قبل يومين، وانْ بشكل أوسع وأشمل، من خلال الاقتراح الروسي، القاضي بإقامة منظمة للأمن الجماعي في منطقة الخليج، على المدى البعيد وبمشاركة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بصفة مراقب.

وعلى الرغم من أنّ الطريق، للوصول إلى هذا الهدف، لا زال طويلاً جداً، إلا أنه اقتراح في غاية الأهمية، بالنظر إلى كونه ينطلق من قاعدة إخلاء المنطقة من القوات الأجنبية الأميركية ودوّل الناتو ويقترح قيام دول المنطقة بتأمين الاستقرار في منطقتهم، وهو ما يتطابق تماماً مع الرؤية الإيرانية.

8 ـ أيّ أنّ هذا الاقتراح يمهّد عملياً لبدء مفاوضات أو اتصالات، أميركية أوروبية إيرانية، تهدف إلى إزالة أسباب التوتر الحاليّة لخلق أرضية لترتيبات أمنية بعيدة المدى. وهو الأمر الذي يعني بادئ ذي بدء عودة الولايات المتحدة عن إجراءاتها العقابية ضدّ إيران وحلّ مشكلة ناقلات النفط المحتجزة، في كلّ من جبل طارق الإيرانية وميناء بندر عباس البريطانية وميناء اوديسّا الأوكراني، حيث احتجزت السلطات الأوكرانية ناقلة نفط روسية بشكل تعسّفي، مدّعية أنها قامت بعرقلة الملاحة في مضيق كيرتش، الذي يربط البحر الأسود ببحر آزوف، وذلك إبان أزمة احتجاز البحرية الروسية لسفن حربية أوكرانية خرقت قوانين الملاحة في ذلك المضيق الهام.

بمعنى أنّ رب ضارة نافعة فربما يؤدّي ارتكاب السلطات الأوكرانية لهذه الحماقة تجاه روسيا، باحتجاز ناقلة نفط روسية، قد يدفع روسيا إلى التحرك بفعالية أكبر لإيجاد حلّ لمشكلة احتجاز الناقلات بشكل عام. الأمر الذي سيساعد، إلى حدّ بعيد، في تخفيض حدة التوتر في منطقة الخليج بشكل عام.

9 ـ ولعلّ من المفيد أيضاً، في سياق دراسة الدلائل والتوجهات نحو خفض التصعيد والتوتر، في المنطقة بشكل عام، الإشارة إلى البيان الذي نشرته السفارة الأميركية في دمشق، المغلقة منذ شهر شباط 2012، على صفحتها الرسمية اليوم، حول زيارة السفير جيمس جيفري، المبعوث الأميركي الخاص لشؤون سورية، والذي أوضح بعض التفاصيل عن لقاءاته مع مسؤولين أتراك، في الفترة بين 22 و 24 الشهر الحالي في أنقرة، حيث تمّ بحث مواضيع تتعلق بالشرق السوري وما يطلق عليه تسمية المنطقة الآمنة هناك.

وعلى الرغم من أنّ جوهر البيان لا يعكس أيّ موقف، إنما هو تقريري فقط، إلا أنّ تعمّد الخارجية الأميركية إصدار هذا البيان عبر سفارتها في دمشق، وليس عبر السفارة الأميركية في أنقرة، يحمل الكثير من الدلالات، التي تفتح باب الاحتمالات واسعاً حول سلوك الولايات المتحدة الأكثر رضوخاً لتطورات الميدان…!

ولا ينبئُك مثل خبير.

بعدنا طيّبين قولوا الله… 
جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/07/26

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد