آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
نبيل نايلي
عن الكاتب :
باحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس.

إدارة أوباما ساهمت في تدمير ليبيا.. إلى أين سيقودها ترامب؟

 

نبيل نايلي

“لا تتمالك الولايات المتحدة نفسها عن التدخّل.. ما هو أنكى من ذلك هو أنّ المسؤولين الأمريكيين لا يحسنون اختيار الفصيل الذي يريدون مساندته”. تاد غلان كاربنتر،  Ted Galen Carpenter.

ليس هناك شك في أنّ الوضع قد أصبح لا يطاق :عنف وفوضى على نحو متزايد في طرابلس وأجزاء أخرى من ليبيا، ويتحمل المدنيون الأبرياء وطأة هذه المعاناة.
تتواصل فصول الكارثة التي أحدثها الغرب في ليبيا في التفاقم والتدهور. ويشتد التناحر بين الماريشال خليفة حفتر و”الجيش الوطني الليبي” (LNA) و”حكومة الوفاق الوطني” التي تم تسميتها بشكل أكبر في طرابلس وحولها.

يفضح مقال في بلومبرغ نيوز، Bloomberg News ، الخراح السام للتدخّل العسكري “الإنساني” الذي قادته الولايات المتحدة عام 2011 موضحا أنّ: “ليبيا أضحت تعاني من العنف منذ 2011 الذي أفرز سنوات فوضى وعدم استقرار سمحت للرّاديكاليين بالتّنامي وتحويل البلاد إلى مركز متقدّم للمهاجرين الرّاغبين في التّوجّه نحو أوروبا”.

ليبيا اليوم أصبحت أكثر انقسامًا من أيّ وقت مضى. و”لعبة ليس بيد الفصائل المحلية المتنافسة ولكن أيضا بيد قوى كبرى في الشرق الأوسط، بما فيها مصر والسعودية وتركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة… وتشنّ تلك الأنظمة منافسة جيوسياسية شرسة ودموية: من توفير للأسلحة إلى شنّ الغارات وشراء ذمم العملاء على حساب الليبيين أنفسهم!

نعم لم “تتمالك الولايات المتحدة نفسها عن التدخّل” وما كان الأنكى “أنّ المسؤولين الأمريكيين لم يحسنوا اختيار الفصيل الذي يريدون مساندته”، كما قالتاد غلان كاربنتر، واستمرّ ساسة واشنطن الرسميون في دعم “حكومة الوفاق الوطني”، التي تعترف بها الأمم المتحدة باعتبارها الحكومة الشرعية للبلاد – على الرغم من أنّ قرارها يمتدّ حتى منطقة صغيرة خارج منطقة طرابلس!!

ومع ذلك أجرى الرئيس دونالد ترامب محادثته الهاتفية الشهيرة والمطوّلة مع حفتر في شهر أفريل الماضي وبدا معجبا “بتصميم وعزم حفتر على مكافحة الجماعات الإرهابية وتحقيق النظام والوحدة في ليبيا”. إلاّ أنّ الفصائل الليبية جميعها تبدو كأنّها غير “متأكدة” بعد من موقف واشنطن!

أخذا بعين الإعتبار العواقب الوخيمة للتدخّل العسكري ودور الولايات المتحدة فيه قد يأمل المرء أن يتم معاقبة المسؤولين والتراجع عن أسلوب التدخّل أكثر في هذا البلد الموبوء. ومع ذلك لم يكن يبدو أنّ إدارة ترامب ولا “الإنسانيون جدا” فيها ممّن ساهموا في وقوع الكارثة في المقام الأول كانوا يميلون إلى الدعوة إلى سياسة أمريكية أكثر حذرا! إحدى الأمثلة الصارخة لهذه الغطرسة المستمرّة هي سامانتا باور،Samantha Power ، التي كانت موظفة مؤثرة في مجلس الأمن القومي عام 2011، ثم في وقت لاحق سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، التي أكّدت في كتابها “تعليم المثالي، The Education of an Idealistأنّها “لا تتحمّل أيّ مسؤولية عن كارثة ليبيا” لا هي ولا الإدارة!!!

إذا كانت “الثقافة اللّيبية” شديدة التعتيم –كما ادّعوا بعدها- و”صعبة” على إدارة أوباما أن تفهمها، ألم يكن ينبغي لها أن تقف على الحياد؟؟ ثم إذا كانت هذه “الثقافة ليست ثقافتنا” ولم يكن بالمقدور توقّع ما حدث بسبب ذلك، فكيف جادل بعض “صنّاع” السياسة لصالح تدخّل عسكري؟

في الحقيقة وكما أكّد روبرت غيتس، وزير دفاع أوباما، في مذكراته ، الواجب: مذكرات وزير في حرب، Duty: Memoirs of a Secretary at War، “كانت إدارة أوباما نفسها منقسمة بشدّة حول استصواب التدخّل من عدمه”.

إنّ وجود انقسام داخلي حادّ دليل كاف في حدّ ذاته على أن محاولة باور إعفاء نفسها وغيرها من مدّعي من “الإنسانية” من مسؤولية المأساة اللاحقة هي دون جدوى. لقد تم تحذيرهم من النتيجة المحتملة لكنهم اختاروا تجاهل ذلك!!

حوّلت باور وأوباما وكلينتون وغيرهم ليبيا إلى صومال جديد وسُفكت دماء الأبرياء ودُمّرت ليبيا وبناها التحتية. بالنظر إلى النتائج الوخيمة وإلى ذلك الانقسام الصارخ داخل فريق الرئيس للأمن القومي كان التدخّل في ليبيا همجيا وطائشا.
كيف لم تستفد إدارة ترامب من أخطاء إدارة سلفها وتقاوم أي إغراء للتدخّل؟

لا يبدو أنّ ترامب وإدارته اتّعظا! المصالح الحيوية والتنافس مع روسيا والصين والتجربة السورية والتزامات دور “شرطي” العالم! كلّ ذلك حاضر وبقوة..

لقد تسبّب تدخّل واشنطن المتغطرس في معاناة في ليبيا وواقع المأساة فيها وفي أفغانستان والعراق وسوريا وأين حلّت جحافل المارينز والعبر إن أستُخلصت كلّ ذلك كفيل بالتبصّر والتعقّل لمن شاء الحكمة.

أخيرا، على إخوتنا في ليبيا عدم إنتظار حلّ خارجي مُسقط كائنا من كان مقترحه والسنوات العجاف النازفة التي مضت وتمضي تبعد ليبيا يوميا عن نقطة الضوء وتجعل المتربّصين بها يشحذون سكاكينهم وتُشرّع لتدخّلات هذا وذاك تحت عناوين عدّة…

باحث في الفكر الاستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس.
صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/09/22

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد