آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد المنعم مصطفى
عن الكاتب :
كاتب وصحافي مصري

أمريكا تغيرت... ونحن أيضا


عبدالمنعم مصطفى ..

أمريكا تغيرت... ونحن أيضا أمريكا تغيرت.. ونحن أيضًا تغيرنا، أربع كلمات فقط لخَّص بها الأمير تركي الفيصل المشهد الدولي والعلاقات السعودية الأمريكية الراهنة، في حديث مع كريستيان أمانبور بثته شبكة سي إن إن الأمريكية، واعتبر تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، وسفير المملكة الأسبق لدى الولايات المتحدة، أن ثمّة أمرًا إيجابيًا في تصرفات وتصريحات الرئيس الأمريكي أوباما، هو أنها نبّهت الجميع إلى حقيقة أن هناك تغييرًا في أمريكا، وأن علينا التعامل مع هذا التغيير.. ودعا الفيصل إلى إعادة تقييم العلاقات مع واشنطن، من خلال الإجابة عن ثلاثة أسئلة محورية هي:

إلى أي مدى يمكن أن نذهب في اعتمادنا على أمريكا؟.
إلى أي مدى يمكننا الاعتماد على ثبات توجُّهات القيادة الأمريكية؟.
ما الذي يمكن أن يجعل المصالح المشتركة السعودية الأمريكية، تلتقي معًا؟.

ما يطرحه الأمير تركي الفيصل يشير إلى أن ما تغيَّر في أمريكا هو توجُّهات دولة، وليس سياسات رئيس، وأن هذا التحوُّل في توجُّهات الولايات المتحدة، يقتضي مراجعة في العمق، لسياسات الآخرين تجاه واشنطن، وأن المطروح الآن، هو كيف يمكن التجاوب مع التغيير الذي طرأ على توجُّهات الولايات المتحدة، تجاه المنطقة.

كتبت مرارًا في هذا الموضع، عن إمبراطورية أمريكية في حالة هبوط آمن، ورصدت على مدى الأعوام الخمسة الأخيرة، كيف حاولت إدارة أوباما، صياغة إطار نظري، وسياسة عملية، تُعالج تراجعًا ملحوظًا للالتزامات التقليدية الأمريكية، انعكس على سياسات واشنطن تجاه العالم العربي بصفة خاصة، فقد بدا هذا جليًا مع اندلاع أحداث ليبيا في ربيع العام ٢٠١١، حين قرر أوباما، ترك مسألة التدخل العسكري المباشر للناتو، مكتفيًا بإعلان منهجه «القيادة من مقعد خلفي»، عبر المشاركة بمعلومات أجهزة الاستطلاع، وببعض طائرات الصهريج. أما في سوريا فقد تبنّت واشنطن في البداية ما أطلقت عليه منهج «الشراكة الأمامية»، حيث انتقلت من المقعد الخلفي إلى مقعد بحوار السائق، ثم رسمت واشنطن خطًا أحمر يتعلق باستخدام الأسد السلاح الكيماوي ضد معارضيه، غير أنها سرعان ما تراجعت عن تعهداتها، حين استخدم السلاح الكيماوي بالفعل، ما قوّض بدرجة كبيرة مصداقية الالتزام الأمريكي بأمن حلفاء واشنطن.

أولويات أمريكا تغيَّرت في عهد أوباما، على المستوى الاستراتيجي، فهي تحوُّلات دولة، وليست سياسات رئيس، وهو ما يعني أن التغيير سوف يستمر بعد مغادرته البيت الأبيض في يناير المقبل، مهما كانت هوية الرئيس الجديد، ديمقراطيًا، أم جمهوريًا، ما يقتضي من حلفاء واشنطن التقليديين، مراجعة حساباتهم، وإعادة رسم سياساتهم وفقًا لما طرأ من تحوُّلات عند قمة النظام الدولي.

اعتماد المنطقة على واشنطن، باعتبارها قوة حماية ضد المخاطر، ينبغي أن يتوقف، لكن ذلك لا يعني أن واشنطن ستتخلَّى عن الاضطلاع بدور»ضابط التفاعلات الإقليمية» أو «مديرها» في بعض الأحيان، أما اعتماد دول المنطقة على قدراتها الذاتية لضمان الأمن والاستقرار الإقليمي، فقد يبدو بديلًا لا تملك المنطقة ترف التخلي عنه.

الاعتماد على القدرات الذاتية، يقتضي بدوره إعادة بناء نظام إقليمي جديد يستوعب طبيعة التهديدات والمخاطر المستجدة، ويستجيب بقدر مناسب من المرونة، لمتطلبات التصدي لتلك التهديدات.

في هذا السياق، يمكن قراءة التحركات السعودية الأخيرة، من القاهرة، إلى اسطنبول، ثم باستضافة القمة الخليجية/ المغربية بالرياض، قبل يوم واحد من قمة خليجية/ أمريكية في العاصمة السعودية.

ما يجري يمكن قراءته في سياق عملية واعية لإعادة بناء نظام إقليمي عربي جديد، يمثل مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية، إلى جانب مصر والمغرب والأردن، عموده الفقري.

في ظنِّي، فإن درجة الاعتماد على واشنطن سوف تشهد تراجعًا يتناسب طرديًا مع مستوى تراجع الالتزام الأمريكي بأمن المنطقة، أما عن ثبات توجُّهات القيادة الأمريكية، فقد يقتصر على الأهداف الإستراتيجية العليا للولايات المتحدة، ويتبدَّل حسب مقتضى الحال فيما عدا ذلك.

أما ما يمكن أن يجعل المصالح السعودية الأمريكية تلتقي معًا، فيتوقَّف على قدرة الطرفين على تبنِّي سُبل فعالة لإدارة «أصول» تلك العلاقة، ومنها مثلًا ما لوَّح به وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بشأن إمكانية أن تبيع المملكة سندات أمريكية قَدّرت مصادر مالية قيمتها بنحو ٧٥٠ مليار دولار، إذا ما جرى تمرير مشروع قرار في الكونجرس يسمح لأسر ضحايا هجمات سبتمبر بمقاضاة حكومات أجنبية قد يكون بينها المملكة.

العالم يتغيَّر، ونحن نتغيَّر معه، لكن أهم التغيُّرات هي ما يمكن الاحتفاظ باستدامتها وتعظيم قدرتها على التأثير؛ ليس في السياسات فحسب، وإنما في الإستراتيجيات أيضًا.

هل تعرفون ما هي تلك التغيُّرات الفائقة الأثر؟!.. إنها كل ما اتصل بمواردنا البشرية من تعليم وتأهيل وتمكين.
الأمم التي تسود هي نتاج شعوب تقود.

صحيفة المدينة

أضيف بتاريخ :2016/04/22

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد