آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد المنعم مصطفى
عن الكاتب :
كاتب وصحافي مصري

أمريكا تختار الشريك المخالف.. ونحن نهتم به


عبدالمنعم مصطفى ..

بينما كان المواطنون في الديموقراطيات الغربية، منشغلين بقضايا البطالة، وتملك البيوت، والإجهاض، والتعليم والصحة، وسبل تحسين نوعية الحياة، في تركيز واضح على ما يعنيهم بصورة مباشرة، اعتاد المواطن العربي أن يهتم بقضايا نزع السلاح الذي لا ينتجه ولا يُحسن استهلاكه، وسباق الفضاء الذي لا يخوضه ولا يُحسن حتى الاستفادة منه، والحرب في فيتنام، والعنصرية في جنوب إفريقيا.

كان المواطنون في الديمقراطيات الغربية، ينشغلون بما يعنيهم بصورة مباشرة، وكان المواطنون العرب ينشغلون (أحيانًا) بما لا يعنيهم البتة، فهم يُتابعون مثلاً أخبار الانتخابات الإيطالية، دون أن يكون لديهم انتخابات مماثلة، وينشغلون بمحادثات سالت ١، وسالت ٢، للحد من التسلّح النووي، وهم لا يملكون سلاحًا نوويًا، ولا يستفيدون بصورة مباشرة أو حتى غير مباشرة من دول امتلكته.

مانشيتات الصحافة اليومية العربية منذ الحرب العالمية الثانية، وحتى غزو العراق، كانت تعنى بقضايا دولية لاصلة مباشرة لها بقراء تلك الصحف، لكنها كانت على أي حال تتناول ما يمكن الخوض فيه، حيث كان تناول الشأن المحلي قاصرًا على الأخبار الرسمية التي تبثها جهات أو مصادر رسمية، أما ما عدا ذلك، فإما أنه ليس أخباراً بالمرةً، وإما أنه أخبار غير قابلة للتداول.

زادت جدًا مساحة الخبر المحلي بالصحافة العربية، وتصدر المانشيتات، قرب نهاية التسعينيات، حتى لم يعد للخبر الدولي مكانًا في الصفحة الأولى لمعظم الصحف، ويعود ذلك في اعتقادي، إلى عصر الإنترنت، حيث بات بوسع متصفحي الإنترنت، الاطلاع على أخبار، ما كان ممكناً لهم في السابق الاطلاع عليها، كما يعود أيضًا، إلى تراجع السلطة التقليدية للدولة، بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي.

كانت الصحافة العربية في السابق تبحث عن الدرهم في الشوارع المضاءة فقط، لكنها منذ الغزو العراقي للكويت، ثم الغزو الأمريكي للعراق، راحت تحمل مشاعلها لتضيء مناطق من حياة الناس، كانت ترى الضوء لأول مرة.

زادت مساحة الحرية في تداول الأخبار المحلية كأخبار الجريمة والفن والاقتصاد، والمجتمع، وحتى بعض الأخبار السياسية، حتى لم يعد للخبر الدولي مكانًا بالصفحة الأولى لأغلب الصحف العربية، لكنني، كصحافي، أتوقع أن يعيد دونالد ترامب المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية، المانشيتات الدولية إلى صدر الصحافة العربية مجددًا.

فالرجل الذي ضمن ترشيح حزبه له لخوض السباق الرئاسي الأمريكي في نوفمبر المقبل، يتمتع بقدرة هائلة على إثارة الجدل حول مواقفه، ثم إنه سينافس -على الأرجح- لأول مرة مرشحة رئاسية امرأة هي هيلاري كلينتون التي قطعت حتى الآن معظم الطريق إلى الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي.

ترامب، المرشح المستحيل، الذي لم يأخذه أحد على محمل الجد، بات قادرًا الآن على أن يكون حديث الإعلام الدولي كله، بعد فوزه (تقريبًا) بترشيح الحزب الجمهوري إثر انسحاب منافسه الرئيس تيد كروز أمس الأول.
تاريخ ترامب، مخيف، فالرجل الذي ضاعف ثروته عدة مرات، هو براجماتي متقلب المزاج، تنقَّل بين أغلب الأحزاب السياسية الأمريكية، وكان في كل انتقال من حزب إلى نقيضه، يسبح عكس تيار الحزب الحاكم (حزب الرئيس الأمريكي)، فعل ذلك في رئاسة ريجان، إذ انخرط في صفوف الحزب الديمقراطي، وفي سنوات كلينتون الذي دعم ترامب حملته الرئاسية، انتقل إلى الحزب الجمهوري، وفي عام ١٩٩٩ قبل انتهاء رئاسة كلينتون بعام واحد، انتقل ترامب إلى حزب الإصلاح لمدة عامين، وفي رئاسة بوش الابن انتقل إلى الحزب الديمقراطي مجددًا، فما إن وصل أوباما إلى البيت الأبيض حتى انتقل ترامب إلى الحزب الجمهوري مجددًا.
بسيكولوجية «الشريك المخالف» إذن، يصبح الاتجاه المعاكس هو مكان دونالد ترامب في أغلب الأحوال، ما سيجعله مادة يومية للإعلام والصحافة حول العالم.

ترقبوا: عندما يفوز ترامب بالرئاسة الأمريكية، بفضل فكرته الانعزالية أو الحمائية، فإنه هو وليست أمريكا، سيُصبِح مادة يومية تعيد الخبر الدولي إلى مانشيتات الصحافة المحلية العربية.

صحيفة المدينة

أضيف بتاريخ :2016/05/06

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد