آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
هاني الفردان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي بحريني

من دهاليز «التقاعد» القديمة من جديد

 

هاني الفردان ..

ملف «التقاعد» في البحرين حالياً، هو شغل الناس الشاغل، وهو الحديث الذي لا يخلو مجلس منه، والمستقبل الذي يتلو سنوات العمل، وتأمين الحياة، وكل تلك الأموال المستقطعة، والتي قد تضيع في وهلة، مع إقرار أي نظام جديد للتقاعد.

 

المواطن البسيط يتلقى بين الحين والآخر طعنات من كل حد وصوب، بدءاً باللحوم، ومن ثم البنزين، والكهرباء والماء، ووصولاً لما يُلمح له حالياً بالتقاعد.

 

لن نخوض فيما خضنا فيه من قبل عن النظام الجديد، بل سنتحدث عن ملف من أسوأ ملفات الفساد في البحرين، وهو ملف صناديق التقاعد، والتي ضجت أوراق الصحف بشأنها طوال سنوات طويلة، وشكلت على إثرها لجان تحقيق برلمانية وغيرها.

 

الحديث الذي لا يتوقف عن «إفلاس اكتواري» لصناديق التقاعد أمر ليس بجديد، وامتد لسنوات طويلة من قبل المسئولين المتعاقبين على تلك الصناديق، ولكن كل ذلك كان مربوطاً أيضاً بحجم ملفات الفساد في تلك الصناديق.

 

شخصياً، كنت أحد المتابعين وبشكل كبير لملفات صندوقي التقاعد والتأمينات، وكنت على اطلاع وعن قرب عن حال الصندوقين قبل الدمج وبعده، ونشرت الكثير مما يمكن أن يسمى بـ «ملفات فساد»، كان أبرزها في العام 2009 عندما كشف النقاب عن مكافآت المسئولين عن الصندوقين، نظير تمثيلهم للهيئة في مجالس إدارة الشركات التي يساهم في رأس مالها الصندوقان.

خلال خمس سنوات بلغ إجمالي المكافآت التي صرفت لـ 22 مسئولاً في الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي مليوناً و435 ألفاً و889 ديناراً، وذلك نظير تمثيلهم للهيئة في مجالس إدارة الشركات التي تساهم في رأس مالها.

 

وبحسب البيانات التي نشرتها «الوسط»، فإن رئيساً تنفيذياً سابقاً للهيئة حصل لوحده على ما يقارب 500 ألف دينار عن تمثيله في مجالس إدارة أربع شركات، فيما حصل مدير صندوق التقاعد السابق على 305 آلاف و385 ديناراً نظير تمثيله لمجلس إدارة شركتين. وحصل كلا المسئولين السابقين على 801 ألف و808 دنانير من المجموع الكلي للمكافآت خلال السنوات الخمس الماضية، وهو ما يعادل 56 في المئة، فيما وزع المتبقي والبالغ 634 ألفاً و81 ديناراً على 20 مسئولاً بين مدير ومسئول في تلك الصناديق.

 

ممثل العمل في مجلس إدارة تلك الصناديق، اتهم المسئولين بـ «الاستحواذ» على أموال العمال وصناديق التقاعد ومن دون مسوغ قانوني، كون التمثيل ضمن نطاق عمل المسئولين ومهماته الإدارية التي يتقاضون عليها رواتب «عالية» أيضاً لإدارة أموال واستثمارات تلك الصناديق.

 

تخيل عزيزي القارئ أنه قبل سنوات، كان هناك مسئول متقاعد بالهيئة العامة للتأمين الاجتماعي يتقاضى عن كل ساعة اجتماع له نظير تمثيله للهيئة في مجالس إدارة الشركات التي تساهم في رأس مالها 1668 ديناراً.

 

الوصف الأكثر دقة لما شهده صندوقا التقاعد والتأمينات طوال سنوات مضت أنهما تحولتا لـ «تركة» تقاسمها المسئولون فيهما وغيرهم، ولم يوقف ذلك النزيف في أموال العمال والمتقاعدين إلا بعد أن نفدت تلك الخزينة، وأصبح الحديث عن «إفلاس اكتواري» وقرب نفاد أموال الصندوقين والحاجة لحلول جذرية سيتحملها المواطن والعامل الكادح.

 

فماذا يعني أن العجز الاكتواري لصناديق التأمينات الاجتماعية قفز وتجاوز 6.7 مليارات دينار؟ وماذا يعني امتناع وزارة المالية عن تسديد 38 مليون دينار لصندوق تقاعد «الشورى والنواب»؟ وماذا يعني أصلاً أن تقاعد 133 عضواً نيابياً يكلف 33.6 مليون دينار؟! (تقرير ديوان الرقابة المالية للعام 2013).

 

بحسب ديوان الرقابة المالية بشأن الوضع الاكتواري لصناديق التأمين الاجتماعي فإن عجزاً مطرداً تعيشه التأمينات من سنة لأخرى، حيث ارتفع العجز خلال الفترة من 2009 إلى 2013 من 4.9 مليارات دينار إلى 6.7 مليارات دينار، بزيادة تصل لـ 37 في المئة.

 

وبحسب التقرير فإن عجز صندوق القطاع العام المدني ارتفع خلال 4 سنوات من 2.8 ملياراً إلى 4 مليارات دينار، بنسبة تصل لـ 43 في المئة، كما ارتفع صندوق القطاع الخاص من 2 مليار إلى 2.7 مليار دينار بنسبة زيادة 35 في المئة، وإذا استمر الوضع الحالي للصندوقين سيفضي إلى استنزاف مواردهما المالية ونفادها، ما يترتب على ذلك من أضرار مالية واجتماعية قد تتطلب تخصيص ميزانيات ضخمة في المستقبل لمعالجة تلك الأضرار وسد العجز.

 

وبالتأكيد فإن من يتقاضون معاشات تقاعدية متدنية لا يشكلون عبئاً على الصندوق بقدر ما يشكله أولئك الذين يتقاضون رواتب «خيالية»، إذ إنه حتى العام 2014 فإنه يوجد أكثر من 36 متقاعداً في القطاع العام يتقاضى معاشاً تقاعدياً يتجاوز الـ 4000 دينار!، وأن هناك متقاعداً حكومياً واحداً يتقاضى أكثر من 8 آلاف دينار.

 

كل ذلك يعني أن سبب «الإفلاس الاكتواري» للصناديق التقاعدية في البحرين ليس المواطن الفقير ولا العامل الكادح الذي يستقطع من أجره لتأمين حياته بعد عجزه وكبر سنه، بل هو السياسات والإدارات التي تعاقبت على تلك المؤسسات، وكذلك التدخل المباشر من قبل الجهات الرسمية، والقوانين المطاطة التي لا تطبق، أو التي تفتح الأبواب على مصراعيه لاستنزاف تلك الأموال.

 

فلا تحملوا المواطن ما لا طاقة له به، ولا تزيدوا من الأعباء عليه، لتملأ خزائن ومن ثم تتحول لـ «تركة» يتقاسمها المتقاسمون، ومن ثم تملأ بها صفحات تقارير ديوان الرقابة المالية، بلا حساب ولا عقاب.

 

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/05/21

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد