دولية

نيويورك تايمز: السعودية مفتعلة نيران التطرف وإطفائيتها في الوقت ذاته (1-2)

 

بقلم سكوت شاين - واشنطن

ترجمة: خبير

 

يرى الناقدون أن تصدير السعودية للإسلام المتطرف يساهم في الإرهاب، بيد أنّ نفوذ المملكة يعتمد بشكل كبير على الظروف المحلية.

في واشنطن -لا يتفق كل من "هيلاري كلينتون" و"دونالد ترامب" على الكثير من الأمور، لكن الملف السعودي ربما استثناءً لذلك، إذ أنّ "هيلاري" استهجنت دعم السعودية للمدارس والجوامع المتطرفة حول العالم التي وضعت الكثير من الشبان اليافعين على طريق التطرف، أما "ترامب" فلقّب السعوديين بـ"أكبر ممولي الإرهاب في العالم".

 

وقد زارت البعثة الدبلوماسية الأمريكية الأولى لزيارة المجتمعات المسلمة في العالم، ثمانينَ دولة واستنتجت أنّ النفوذ السعودي يدمر التقاليد الإسلامية المتقبلة للآخرين. وقد قالت الدبلوماسية "فرح بانديث" العام الفائت: "إن لم توقف السعودية ما تقوم به، لا بد من تبعات دبلوماسية وثقافية واقتصادية".

وبالكاد يمرّ أسبوع من دون لوم مراسل تلفزيوني أو كاتب صحفي "السعوديةَ" على العنف الجهادي. ويسمّي "بيل ماهر" مراسل قناة أتش. بي. بأن التعاليم السعودية أنّها من القرون الوسطى. وفي صحيفة "واشنطن بوست"، يكتب "فريد زكريا" أنّ السعوديّة "خلقت وحشاً في عالم الإسلام".

 

أشعل تصدير "السعودية" لمذهب متزمت ومتحجر وذكوري وأصولي من الإسلام المعروف بـ (الوهابية) التطرفَ الدولي وساهم في تفاقم ظاهرة الإرهاب. وبينما يصاعد تنظيم "داعش" في دعواه إلى العنف في الغرب، موجهاً الاعتداءات الإرهابية والتشجيع عليها في دولة تلو الأخرى؛ أخذ نقاش قديم حول النفوذ السعودي على الإسلام يعود لدوائر الاهتمام من جديد.

هل العالم اليوم مكاناً أكثر انقساماً وخطراً وعنفاً بسبب التأثير التراكمي من خمسة عقود من التبشير الممول من النفط من القلب التاريخي للعالم الإسلامي؟ أم أنّ السعودية -التي لطالما فضلت دعم الطغاة الودودين مع الغرب على الإسلاميين- هي مجرد كبش فداء للتطرف والإرهاب ولديها أسباب معقدة كثيرة وأفعال الولايات المتحدة من بين تلك الأسباب؟!

 

وفي عالم الإسلام المتطرّف، السعوديون "هم مفتعلو الحريق والإطفائيون في الوقت ذاته"، بحسب ما قال "ويليام ماكانتس"، الباحث في مؤسسة بروكينغز.

وأضاف: "يروجون لشكل سام جداً من الإسلام، ما يرسم الخطوط العريضة بين عدد صغير من المؤمنين الحقيقيين والبقية المسلمين منهم وغير المسلمين".

بيد أنّ في الوقت ذاته، "هم شركاؤنا في مكافحة الإرهاب"، بحسب أقوال  "ماكنتس"، وهو أحد مجموعة من الأكاديميين والمسؤولين الحكوميين والخبراء حول "الإسلام" من دول عدة أجريت مقابلات معهم لهذه المقالة.

 

أهداف متناقضة

يسعى الحكام السعوديون إلى إنشاء علاقات جيدة مع الغرب ويرون العنف الجهادي على أنّه تهديد يمكن أن يعرض حكمهم للخطر، لا سيما بوجود اعتداءات لتنظيم "داعش" داخل المملكة، بالتحديد جرى ٢٥ اعتداءً في الأشهر الثمانية الأخيرة. وينقاد السعوديون أيضاً بخصومتهم مع إيران ويعتمدون على مبدأ شرعية مؤسستهم الدينية التي تكرّس مجموعة رجعية من المعتقدات، وتجري هذه الأهداف المتناقضة بطريقة متباينة إلى حدّ محيّر.

 

وفي هذا السياق قال "توماس هيغهامر"، وهو خبير نرويجي مختصّ بالإرهاب عمل مستشاراً لحكومة الولايات المتحدة، إن مفعول التبشير السعودي هو سبب تباطؤ تطوّر الإسلام وصدّ تأقلمه الطبيعي مع عالم متنوّع ومعولم. وأضاف: "لو كان سيحدث إصلاحاً إسلامياً في القرن الواحد والعشرين، ربما منع السعوديون ذلك بضخ المعتقد الحرفيّ".

وهنا نقف أمام نفوذ السعوديين المذهل، إذ أنّه استطاع الوصول إلى كل دولة تقريباً يوجد بها مسلمين، من جامع "غوثنبيرغ" في السويد إلى جامع "الملك فيصل" في تشاد ومن جامع "الملك فهد" في لوس أنجلوس إلى جامع "سيول" المركزي في كوريا الجنوبية. وقد جاء الدعم من الحكومة السعودية، أي العائلة الملكية والجمعيات السعودية الخيرية والمنظمات التي ترعاها السعودية بما فيها رابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، مانحة بذلك كل مكونات البنيان المؤثّر وبرامج التبشير والتعليم.

وهناك إجماع واسع على أنّ الطاغوت الأيديولوجي السعودي أحدث الاضطراب في التقاليد الإسلامية في عشرات الدول إثر الإنفاق الباذخ على الامتداد الديني على مدى نصف قرن بقيمة ما يقارب عشرات المليارات من الدولارات. وتضخمت الحصيلة بسبب العمال الأجانب ذوي الغالبية الجنوب آسيوية الذين يعيشون لسنوات في السعودية فيجلبون الطرق السعودية معهم إلى بلدانهم. وفي الكثير من الدول، شجّع التبشير "الوهابي" على دين يصدر الأحكام بقسوة، مساهماً في دعم الغالبية في بعض استطلاعات الرأي في مصر وباكستان ودول أخرى على عقاب الرجم لتهمة الزنا وإعدام أي شخص يرتدّ عن الإسلام.

 

حدود النفوذ

يبدو أن حدود النفوذ السعودي يعتمد إلى حد كبير على الظروف المحلية، ففي مناطق من إفريقيا وجنوب شرق آسيا، على سبيل المثال، وجّهت التعاليم السعودية الثقافةَ الدينية نحو المحافظة، ويبرز ذلك من خلال قرار ستر النساء شعرهنّ وترك الرجال للحاهم. وفي المجتمعات المسلمة المهاجرة إلى أوروبا، يبدو أنّ السلطة السعودية تعدّ العامل الأول الذي يدفع نحو التطرّف لكنّها ليست الأهم. وفي الدول المنقسمة كباكستان ونيجيريا، أثار تدفّق المال السعودي والإيديولوجيا التي تروّجها الانشقاقات الفتاكة بين المسملمين.

 وقد أجبر المذهب السعودي الإسلام السني الذي يبعد ويستصغر اليهود والمسيحيين والمسلمين الشيعة والصوفيين والمذاهب الأخرى، على جعل الأقليّات في الكثير من الدول أكثر عرضة لاستدراج القاعدة وداعش والمجموعات الجهادية العنيفة الأخرى.

وفي هذا الصدد قال "دايفيد أندرو وينبيرغ"، وهو مسؤول رفيع في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن من المراقبين لأداء السلطة السعودية: "هناك حدود لتعرضك لعدم إنسانية الآخرين قبل أن تصبح عرضة للتجنيد".

والدليل الأول على ذلك هو "السعودية" بحد ذاتها إذ أنّها لم تنتج "أسامة بن لادن" فحسب، بل ١٥ من أصل ١٩ من المختطفين في اعتداءات ١١ أيلول/سبتمبر ٢٠٠١ أيضاً، وأرسلت مفجرين انتحاريين أكثر من أي دولة أخرى إلى العراق بعد احتلال العام ٢٠٠٣، وكانت أكبر مانحي المقاتلين الأجانب لداعش من بعد تونس، إذ وصل العدد إلى ٢٥٠٠ مقاتلاً.

 

وقد قال رجل الدين الإسلامي الرفيع في تركيا "مهمت غورميز" إنّه عندما كان في لقاء برجال دين سعوديين في الرياض في كانون الأول/يناير، أعدمت السلطات السعودية ٤٧ شخصاً في يوم واحد بتهمة الإرهاب، ٤٥ منهم مواطنين سعوديين. وأضاف في مقابلة: "قلت لهم: درس هؤلاء الإسلام لعشر أو ١٥ سنة في بلدكم. أهناك مشكلة في النظام التعليمي؟!". وأضاف بأنّ التعليم الوهابي يقوّض التعددية والتقبل والانفتاح للعلوم والعلم الذي يتصف به الإسلام، قائلاً إنّ هذه التغييرات جرت في كل العالم الإسلامي تقريباً".

 

وفي إحراج كبير للسلطات السعودية، تبنت "داعش" الكتب السعودية الرسمية لمدارسها إلى أنّ تصبح المجموعة المتطرفة قادرة على نشر كتبها الخاصة في العام ٢٠١٥، إذ من أصل ١٢ كتاباً من إصدار علماء مسلمين أعادت نشره داعش، ٧ من الكتب من أفكار "محمد بن عبد الوهاب"، مؤسس المدرسة الإسلامية السعودية في القرن الثامن عشر، وفق العالم في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى "جايكوب أوليدورت".

واعترف الإمام السابق للمسجد الحرام في مكة الشيخ "عادل الكلباني" بندم في مقابلة تلفزيونية في كانون الأول/يناير، "إنّ قادة داعش يستمدون أفكارهم من المذكور في كتبنا الخاصة ومبادئنا الخاصة".

 

لمدة عقدين من الزمن، وزعت المملكة ترجمة إنكليزية من القرآن تضيف في السورة الأولى فيه تعليقات عن اليهود والمسيحيين في الخطاب إلى الله: "غير المغضوب عليهم (كاليهود) ولا الضالين (كالمسيحيين)". وقال :سيد حسين نصر"، وهو بروفسور للدراسات الإسلامية في جامعة جورج واشنطن ورئيس التحرير لكتاب "تعلم القرآن" (Study Quran) الجديد وهو كتاب تعليقات باللغة الإنكليزية، إنّ الإضافات "بدعة كاملة، ولا أساس له في المعتقد الإسلامي".

وكذلك، تشكّل لدى الكثير من المسؤولين الأمريكيين الذين عملوا من أجل مكافحة التطرّف والإرهاب نظرةً مظلمة إلى النفوذ السعودي، حتى وإن لم يشاؤا النقاش فيه علناً نظراً إلى حساسية العلاقات بين البلدين.

واعتماد الولايات المتحدة على مكافحة السعودية للإرهاب في الأعوام الفائتة -مثلاً الإبلاغ السعودي الذي أفشل خطّة القاعدة في العام ٢٠١٠ بتفجير طائرتي شحن أمركيتين- أصبح هو الأولويّة بدل القلق حيال نفوذ السعودية المتطرّف. والتمويل السعودي السخي على برامج اللدراسات ومراكز البحث في الجامعات الأمريكية، لا سيما مؤسسات النخبة، إذ أثبطت الانتقادات ومحاولات البحث والدراسة حول تأثيرات التبشير الوهابي، بحسب ما قال السيد "ماكنتس"، الذي يعمل على كتاب حول المفعول السعودي على الإسلام الدولي.

وأشارت المسؤولة الأمريكية السابقة والممثلة الأولى عن وزارة الخارجية في المجتمعات المسلمة حول العالم السيدة بانديث وهي التي عملت من العام ٢٠٠٩ إلى ٢٠١٤،على زيارة المسلمين في ٨٠ دولة واستنتجت بأنّ التأثير السعودي فتاك وعالمي. وكانت قد كتبت السنة الماضية في صحيفة نيويورك تايمز: "في كلّ مكان زرته، كان التأثير الوهابي خبيثاً". وأضافت إلى أنّ الولايات المتحدة عليها "تعطيل تدريب أئمة الجوامع المتطرفين" و"رفض الكتب السعودية المليئة بالحقد المجانية والمترجمة" و"منع السعوديين من تدمير المواقع المحلية المسلمة والثقافية التي تدلّ على تنوّع الإسلام".

 

في المقابل يعارض بعض العلماء والخبراء حول الإسلام وظاهرة التطرف الديني، فكرة أنّ السعودية تتحمل المسؤولية الكبرى في الموجة الحالية من التزمّت والعنف الجهادي. ويشيرون إلى العديد من المصادر والأسباب لنهوض الإرهاب الإسلامي وانتشاره، لا سيما وجود الحكومات العلمانية القمعية في الشرق الأوسط والظلم والانقسامات المحلية واختراق الإنترنت للحروب الدعائية الإرهابية والتدخل الأمريكي في العالم المسلم منذ الحرب على الاتحاد السوفياتي في أفغانستان إلى احتلال العراق. فلقد وصل مفكّرو القرن العشرين الأكثر تأثيرًا على الجهاديين العصريين كـ"السيد قطب" في مصر و"أبو الأعلى المودودي" في باكستان إلى أكثر الآراء تطرفاً ومناهضة للغرب من دون أي تدخل سعودي، كما أن تنظيما "القاعدة" و"داعش" يمقتان الحكامَ السعوديين ويعتبرون أنّهم أسوأ المنافقين.

 

إلى ذلك، قال السفير الأمريكي السابق في سوريا والجزائر "روبيرت فورد": "يحب الأمريكيون إلقاء اللوم على أحد -سواء كان شخص أو حزب سياسي أو دولة، لكن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك، وحذاري من إلقاء اللوم على السعودية".

إلا أنّ النفوذ الديني السعودي مدمّراً، وفق رأيه وآخرين غيره، إلّا أنّه ليس الوحيد، إذ أنّ المبدأ الأكبر في التعاليم السعودية الإسلامية الرسمية هو طاعة الحكام؛ إذًا من المثير للشك أن تشجع السعودية على الإرهاب المدّمر للأمم. ويتّصف الكثير من رجال الدين المدربين في السعودية بإخلاصهم للدعاء والقرآن ونفورهم من السياسة والعنف السياسي.

وعندما نبهت هجمات "القاعدة" على المملكة العاهل السعودي على الخطر التي تواجهه من الإرهاب، بذلت السعودية جهوداً أكثر صرامة لكبح الدعاة الذين يناشدون العنف وقطع التمويل الإرهابي والتعاون مع المخابرات الغربية لإحباط الخطط الإرهابية. وقد طرد ٣٥٠٠ إماماً من العام ٢٠٠٤ إلى ٢٠١٢ لرفضهم التخلي عن الآراء المتطرفة، وأخضع ٢٠،٠٠٠ آخرين لإعادة تدريب، وفق وزارة الشؤون الإسلامية، مع أنّ لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الدولية عبرت عن شكوكها بأنّ التدريب يعتمد على "ترسيخ فكرة تقبل الآخرين".

وقال عالم أمريكي ذو تجربة كبيرة في السعودية، والذي تحدث بشرط إخفاء هويته للحفاظ على قدرته على السفر إلى المملكة من أجل البحث، إنّه يعتقد بأنّ النفوذ السعودي عادةً ما كان يبالغ فيه في الحوار الأمريكي السياسي. ولكنه قارن الأمر بتغيرات المناخ، إذ أنّ ازدياد درجة واحدة في درجات الحرارة قد ينتج عنها تأثيرات بالغة حول العالم، سواء كان بذوبان الكتل الجليدية أو بانقراض بعض الفصائل الحيوانية، التعاليم السعودية تسير في الكثير من الدول بطرق غير متوقعة ويصعب تعقبها.

كما قال العالم إن التبشير السعودي يمكن أن ينتج عن "إعادة معايرة مركز الجاذبية الديني" للشباب اليافعين، ما يسهل "عليهم هضمه أو إيجاد المنطق في تفكير "داعش" الديني عندما يصل لهم. لا يبدو الأمر غريباً كما كان متوقّعاً، لو لم يكن النفوذ السعودي الديني موجوداً".

أضيف بتاريخ :2016/09/10