التقارير

تقرير خاص: ’ #جاستا’.. بطاقة حمراء بوجه #المملكة: هل أدخلتنا واشنطن في النفق المظلم؟

 

مالك ضاهر ..

في تحدٍ واضح للإرادة السعودية وللفيتو الرئاسي الأمريكي، أقر "الكونغرس" قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" المعروف بـ"جاستا" في إصرار للسير بمقاضاة كل من دعم منفذي أحداث "11 سبتمبر"، ورغم عدم ثبوت تورط الحكومة السعودية بشكل رسمي بدعم المنفذين أو حتى تمويلهم، إلا أن الباب فُتح فعلا لمقاضاتها أو ملاحقة العديد من المسؤولين السعوديين الذين تثار مسألة تورطهم في الاعتداءات، وقد رفعت أرملة أحد الضحايا دعوى قضائية ضد المملكة بعد يومين فقط من إقرار "جاستا".

 

وبذلك تكون العلاقة الأمريكية السعودية قد دخلت في المحظور الذي طالما تم التحذير منه لا سيما من قبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومن قبل عدد من المسؤولين السعوديين، ولعل كثير من هؤلاء ما كان يتوقع أن يتم إقرار "جاستا" بهذه الطريقة وإنما اعتبروا أن القضية هي مجرد ابتزاز من واشنطن ستقبض ثمنه عبر صفقات واستثمارات هنا وهناك، فلماذا هذا الإصرار الأمريكي على إحراج المملكة السعودية بهذه الطريقة أم أن الأمر بات يتجاوز هذه المسائل التفصيلية وإنما يمسّ مضمون وجوهر العلاقة بين الطرفين؟

 

ماذا تريد واشنطن من الرياض؟

هل إقرار "جاستا" يعتبر "بطاقة حمراء" أمريكية بوجه الرياض؟ أم أن للأمر مفاعيل وآفاق أخرى تمتد لما بعد انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة؟ فهل المطلوب أمريكيا فتح الباب لحوار بين الرئيس الجديد والمملكة السعودية تحت الضغط الذي يشكله "جاستا"؟ وعلى قاعدة أن الأمر لن يكون إلا أمريكياً بهدف المزيد من التطويع للمملكة خاصة في المسائل المتعلقة بالشرق الأوسط، وأن الأمر لا يقف فقط عند مجرد تحصيل بعض الاستثمارات المالية والإقتصادية للإدارة والشركات الأمريكية.

 

واليوم الجميع يترقب ردة الفعل المملكة السعودية على الخطوة الأمريكية وأي منحى ستأخذه المملكة لمواجهة خطر الملاحقة القضائية من قبل عدد غير محدد من الأشخاص سواء من الأمريكيين أو غيرهم، وسواء فيما يتعلق بأحداث "11 سبتمبر" أو غيرها، خاصة أن المملكة لها الكثير من السياسات المثيرة للجدل في سوريا والعراق وصولا إلى أوروبا، بالإضافة إلى ما ستعانيه سمعة المملكة من مزيد من "الخدوش" وهي التي تلاحقها تهم انتهاك حقوق الإنسان والحريات في الداخل السعودي أو في اليمن والبحرين.

 

المملكة.. وردّ الفعل المنتظر

فهل سنرى المملكة أيضا تتحرك بهدف إيجاد طرق لملاحقة الإدارات الأمريكية المتعاقبة عن كل ما فعلته في العالم؟ وهل ستقوم المملكة بذلك مباشرة؟ أم أنها ستدفع من يقوم بذلك للمقاضاة الولايات المتحدة عن انتهاكات عمرها عشرات السنين بدءا من الفلبين وفيتنام وهيروشيما وناكازاكي وصولا إلى العراق وسوريا مرورا بجرائم أمريكا في أفغانستان وباكستان واليمن ولبنان وغيرها الكثير مما لا يعد ولا يحصى؟ فلماذا لا تذيق المملكة السعودية الولايات المتحدة من نفس كأس السم الذي أعدته لها، فتبدأ بالملاحقات القضائية للشركات والإدارات والمؤسسات الأمريكية وحتى للمسؤولين الأمريكيين على قاعدة "العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم".

 

وفي هذا المجال، المملكة لديها من القدرات ما لا يستهان به فيما لو قررت المواجهة المفتوحة مع واشنطن خاصة أنها مدعومة خليجياً من دول "مجلس التعاون" بالإضافة إلى دول عربية وإسلامية أخرى، ويكفي للمملكة التوقف عن شراء السلاح الأمريكي ويلحقها في ذلك بعض الدول الخليجية مع ما يستتبع ذلك من آثار سلبية على الاقتصاد الأمريكي، في حين يرى بعض المحللين أن سلاح النفط ما زال سلاحاً فعالاً تملكه المملكة بوجه الولايات المتحدة رغم كل ما يثار عن أسعار النفط وما تعانيه المملكة في هذا الإطار.

 

وسبق أن أعلنت المملكة على لسان عدد من مسؤوليها أنه في حال تطبيق قانون "جاستا" سيكون لديها رد فعل قوي على الجانب الإقتصادي والسياسي، حيث ستقوم بسحب الاستثمارات والأصول والسندات التي تقدر بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة، بما تعتبره الرياض أنه سيضر بشكل كبير بالإقتصاد الأمريكي، وفي المجال يمكن التذكير بكلام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي هدد أن المملكة ستضطر لبيع جميع الأصول السعودية إضافة إلى وقف عمل شركات سعودية وإلغاء استثمارات وعدد كبير من المشاريع الأخرى.

 

عن سحب الأموال السعودية.. والتداعيات؟!

وقد وردت بعض المعلومات عن سحب مؤسسة النقد العربي السعودي(البنك المركزي) عشرات المليارات من الدولارات من أصولها في صناديق عالمية لإدارة الأصول بالأشهر القليلة الماضية، خوفا من تجميدها نتيجة القانون الأمريكي الجديد، إلا أن كل ذلك ربما يندرج في إطار تخفيف الخسائر فقط، لأن واشنطن لن تكون بهذه السذاجة كي تقدم على خطوة بهذا الحجم ضد الرياض من دون أن تكون قد درست جيدا كل الأكلاف المحتملة ووضعت المسألة في ميزان الربح والخسارة، فالمملكة صحيح

أنها سحبت جزءا قد يكون يسيرا جدا من المبالغ المودعة في الولايات المتحدة وغيرها أو التي يتم استثمارها عبر الشركات الأمريكية في العالم، إلا أنه كيف يمكن استرجاع كل الأموال السعودية المودعة في أمريكا بعد اليوم؟ سؤال يطرح بشكل جدي ويضع الوضع الاقتصادي السعودي على المحك لأن المسألة قد تبدأ بتعويضات لأسر ضحايا "11 سبتمبر" ولكن من يدري أين تقف، وربما تمتد لتعويضات مادية ومعنوية وأخرى نفسية وعائلية وقد تكون السياسة محرك أساسي لكل تلك المطالبات والتعويضات التي قد تشكل الأداة الجديدة بيد واشنطن للضغط وابتزاز المملكة.

 

كما أن المملكة قد تعاني من مسألة إقامة استثمارات جديدة أو نقل الأموال المستثمرة إلى أماكن أخرى باعتبار أنها قد تتعرض لنفس المشكلة بحجز هذه الأموال عبر خطوات قضائية مماثلة، خاصة أن الخطوة الأمريكية بإقرار "جاستا" قد تشكل سابقة لباقي الدول بإقرار قوانين مشابهة لملاحقة دول أخرى، بما يجعل المملكة أيضا كما غيرها من الدول عرضة لملاحقات إضافية، ما يعني أن الولايات المتحدة أدخلت المملكة في "نفق" قد يكون مظلماً وعلينا نحن العمل للخروج منه وعدم الركون للخطوات الأمريكية التي لا تبحث إلا عن مصالحها، فأي ثمن ستدفعه المملكة فيما لو ردت على الخطوة الأمريكية؟ وأي ثمن ستدفعه لو ركنت لـ"جاستا"؟ وأيهما أصعب الرد أم الركون للقرار الأمريكي؟ أمور تحتاج إلى أجوبة سريعة وعاجلة من القيادة السعودية لنعرف مصير كثير من المسائل الهامة للمملكة ومن  ضمنها "رؤية 2030" التي علقت عليها الكثير من الآمال والأحلام.

أضيف بتاريخ :2016/10/05

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد