التقارير

تقرير خاص: 2016.. حصاد الأحلام السعودية المتكسرة

 

مالك ضاهر ..

شارف عام 2016 على الانتهاء بكل ما حمله من تطورات ومستجدات في مختلف المجالات، ولعل نهاية العام تشكل محطة يقف عندها الإنسان لإجراء جردة وتقييم لما فعله خلال عام كامل وما حققه من إنجازات وما فشل بتحقيقه ومدى الانتكاسات التي سجلتها أيام سنته الماضية.

 

كما على الصعيد الشخصي، تعمل الدول لتقييم عامها المنصرم بكثير من الدقة سواء كانت الخطط التي تعمل على أساسها طويلة أو قصيرة الأمد، وحتى في ظل غياب هذه الخطط أصلا كما في بعض دول المنطقة، إلا أن الدول تعتمد فترة العام لإجراء تقييمات دورية وإجراء جولة محاسبة عامة تتجلى أبرز صورها باعتماد فترة العام الواحد لإقرار الموازنات في الدول، فهي مهلة معقولة لا بالطويلة ولا بالقصيرة ما يسمح برصد الأداء الحكومي وممارسات السلطات العامة في الدولة بمختلف القطاعات.

 

التقييم ضرورة للمعالجة..أين ربحنا وأين فشلنا ؟

وانطلاقا من ذلك لا ضير أن تكون نهاية العام محطة لإجراء تقييم وطني سعودي لمجمل ما جرى في العام الماضي أو بالحد الأدنى لأبرز ما تمَّ إنجازه للبناء عليها والاستمرار في مراكمة الايجابيات، وأيضا للتوقف مليا أمام ما عجزنا عن تحقيقه وللتعمق جيدا في ما أصابنا من هفوات وأخطاء وخسائر للتعلم منها ووقفها أن كانت مستمرة وعدم تكرارها وعدم الوقوع فيها مجدداً أن انقضت وانتهت.

 

والباحث في العام 2016 على المستوى السعودي يرى أنه عام حافل بكثير من التطورات السياسية وغير السياسية الداخلية والخارجية، والتي لا يمكن حصرها بملف واحد نظرا للدور الذي تضطلع به أو تحاول القيادة في المملكة، فالملفات المتراكمة في الداخل سواء الاقتصادية منها أو السياسية وحتى المتعلقة بالحريات والحقوق ومنح المرأة ما تستحقه على هذا الصعيد وصولا لكل ما يجري في مجال المحاكمات وما يتعلق بها من تجاوزات وانتهاكات ترتكب بحق المواطنين وصولا للسمعة السيئة التي تلاحقنا في مختلف المحافل الدولية والحقوقية وغيرها من الملفات على الصعيد الداخلي.

 

أما إقليميا ودوليا، فهناك ملفات تتراكم يوما بعد يوم من الحرب على اليمن إلى الوضع في منطقة الخليج ودول مجلس التعاون الخليجي وبالأخص التدخل السعودي بما يجري في البحرين، وصولا للدور السعودي في العراق وسوريا ولبنان وصولا لليبيا مرورا بمصر وغيرها من العلاقات التي تتجاوز المياه الدافئة إلى العلاقة مع دول كالولايات المتحدة الأمريكية وما تخللها من علامات استفهام، فكيف يمكن تقييم الأدوار السعودية في كل تلك الملفات والمحطات؟ وهل أدت القيادة السياسية ما يجب أن تؤديه في كل هذه الملفات أم أنها قصّرت في بعضها أو في أغلبها؟ وهل هناك مجال لتعويض ما خسرناه في أكثر من مكان أم أنه لا مجال لجبر الأضرار؟

 

لا شك أن المتتبع لحال السياسة السعودية سيرصد جملة من الانتكاسات سجلتها المملكة في العام 2016 والتي تطغى على الايجابيات المتحققة أو الموجودة، منها:

 

في العالم والإقليم

-العلاقة المتوترة والمترنحة مع الولايات المتحدة الأمريكية وما رافقها من الانتقادات وحملات تهجم على المملكة واتهامها بدعم الإرهاب وتسريب معلومات حول مسؤولية قادة سعوديين عن تفجيرات "11 سبتمبر"، وصولا إلى إقرار قانون "جاستا" الذي يسمح بمقاضاة الحكومة والمسؤولين السعوديين أمام المحاكم الأمريكية بما يشكل سابقة في القانون الدولي وبما يمثل من منصة دائمة لاستهداف المملكة وابتزازها.

 

-الحرب على اليمن والخسائر الميدانية الكبيرة التي سجلت بما ساهم باهتزاز صورة المملكة كإحدى الدول الإقليمية القوية والإسلامية الكبيرة بحسب ما هو مفترض، ناهيك عن الاستنزاف المالي والأخلاقي من رصيد المملكة نتيجة ارتفاع كلفة الحرب سواء في التكلفة المالية أو في أعداد الضحايا وتهديم البنى التحتية للدولة اليمنية، مع تسجيل فشل كبير على صعيد تحقيق الأهداف المحددة للحرب، بل أن اليمنيين باتوا مع مرور الوقت يستهدفون الداخل السعودي بشكل اكبر.

 

وهنا يسجل عدم قدرة للجيش السعودي على حماية السيادة الوطنية بوجه اليمنيين الذين تظهرهم المشاهد في كثير من الأحيان يقاتلون وهم "حفاة"، بالإضافة إلى فشل كثير من الإجراءات الأمنية في ضبط الإرهاب الذي ضرب في عدة أماكن في المملكة ما طرح الكثير من علامات الاستفهام حول متانة الوضع الأمني الداخلي.

 

-الفشل في تحقيق أي تقدم نوعي أو إستراتيجي في العراق أو سوريا رغم كل الثقل الذي قدمته المملكة لحلفائها هناك، والدليل أن قوات الحشد الشعبي(معروف الموقف السعودي منه) والجيش السوري ومن يدعمهما يحققون الانجازات الكبيرة في الموصل وحلب وغيرهما من المناطق، دون أن نلمس أي تقدم للمشروع السعودي في كلتا الدولتين.

 

-فشل سعودي مدوٍ في الملف اللبناني، فبعد طول انتظار "رضخت" المملكة لوصول مرشح حزب الله العماد ميشال عون إلى الرئاسة الأولى في لبنان، فالتسوية اللبنانية حصلت كما يريد "الحزب الحليف لإيران" والذي يلقى كل الانتقادات سعوديا، بينما الواقع يظهر أن المملكة اضطرت ليس فقط بالقبول بعون بل اضطرت أيضا أن تسارع إلى تقديم التبريكات والتهاني وتظهر في الإعلام أنها تدعم وترسل الوفود السياسية رفيعة المستوى لتهنئة الرئيس اللبناني الذي وصل بدعم حزب الله.

 

-فشل العلاقة مع مصر رغم كل التقديمات السعودية للجانب المصري ورغم زيارة الملك سلمان إلى القاهرة وتوقيع اتفاقيات عديدة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، بينما اليوم مصر تنفتح بشكل كبير على روسيا وتعمل على التقارب مع النظام في سوريا ومع السلطات العراقية بما يشكل ابتعادا مصريا عن المملكة، ومع التطورات الأمنية الأخيرة تعتبر جهات مصرية عديدة أن المملكة وبعض دول الخليج هم من يدعم جماعة "الإخوان المسلمين" وغيرها من الفصائل والجماعات التي تعتدي على الجيش والمدنيين في مصر.

 

-فشل سعودي في تمرير مشروع "الاتحاد الخليجي" بين دول مجلس التعاون، والذي طرحه الملك سلمان في قمة المنامة الأخيرة، خاصة أنه يسجل غياب أي مشروع حقيقي لإقامة هذا الاتحاد والأسس التي سيبنى عليها والأهداف التي سيعمل على تحقيقها، حتى أن البعض اعتبر هذه الفكرة هي محاولة للتلطي بالتكتل الخليجي الجديد استباقا لما قد تقوم به الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب.

 

-الحضور البريطاني في قمة المنامة اعتبره البعض أنه خطوة إستباقية من المملكة ودول خليجية أخرى قبل أي تحرك مفاجئ لإدارة ترامب، ما يعني الاستمرار في سياسة التبعية للآخرين وطلب الحماية منهم، اليوم نستعطي حماية بريطانيا تحسبا لزوال الحماية الأمريكية.

 

-تسجيل فشل سعودي في فك الارتباط بين الروس ومحور "الممانعة والمقاومة" أو ما يسميه البعض المحور الإيراني السوري، وعدم قدرة المملكة على جذب الروس إلى صفهم رغم كل الإغراءات المالية والاقتصادية، فروسيا تعتبر أن حضورها في سوريا يخدمها إستراتيجيا أكثر من مجاراة المملكة في هذا الملف عبر الاستفادة من بعض الاستثمارات هنا وهناك.

 

-الفشل الكبير الذي يسجل على المملكة، هو إنجاز الملف النووي بين إيران ومجموعة من الدول بينها الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، رغم كل الكلام والحراك السعودي لإفشال هذا الاتفاق وتعطيل مفاعيله، وهو ما يعتبر نصر كبير للسياسية والدبلوماسية الإيرانية.

 

في الداخل

-ملاحظات كثير سجلت على "رؤية 2030" التي أقرت على أساس تحقيق تقدم وانجازات اقتصادية بينما الواقع أثبت انهيارات طالت شركات عملاقة كان لها الباع الطويل في مسيرة إعمار المملكة، وبالإضافة إلى عجز بعض هذه الشركات كما جرى مع "سعودي أوجيه وأرامكو" وصلت الأمور إلى حد الحديث عن إفلاس يصيب الدولة السعودية.

 

-بروز فضائح تتعلق بفشل مشاريع عقارية وإنشاءات في عدة مناطق داخل المملكة سببها الأساسي هو الفساد الإداري والإهمال من قبل القيمين عليها والمدعومين من دون حسيب أو رقيب، ما طرح تساؤلات عديدة حول طريقة تلزيم المشاريع والآليات المعتمدة في ذلك.

 

-التنافس الداخلي بين شخصيات وأجنحة داخل العائلة السعودية الحاكمة وارتدادات ذلك على الوضع الداخلي، ما يطرح تساؤلات حول المستقبل السياسي في قيادة المملكة مع ما يحمله ذلك من تبعات في مختلف المجالات.

 

-الاعتقالات والإعدامات التي تتم بالجملة لشخصيات من كل الطوائف والتيارات وبالأخص من طائفة بعينها هي الطائفة الشيعية، بما يعتبر "حرب إلغاء" لها، حيث يتم التعدي بشكل واضح وصريح على الشعائر الدينية واغتيال الرموز الوطنية.

 

من يتحمل المسؤولية؟

وبالإضافة إلى صيت المملكة حول الحقوق والحريات في الداخل، لا يمكن تناسي الصيت السيء الذي يلاحقنا بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان لاسيما بخصوص حرب اليمن، ويكفي اليوم النظر إلى ما تحدثت عنه منظمة الـ"يونيسيف" بأن هذه الحرب تتسبب بقتل طفل كل عشر دقائق وأن معدلات سوء التغذية هناك هي الأعلى على الإطلاق، حيث يعاني حوالي 2.2 مليون طفل سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى العناية العاجلة، فكل ذلك من يتحمل مسؤوليته والمملكة هي التي أعلنت الحرب على هذا البلد؟

أضيف بتاريخ :2016/12/14

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد