آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
هاني الفردان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي بحريني

«الذئاب المنفردة» ليست بعيدة عنا

 

هاني الفردان

تداعيات هجمات باريس السبع المتنوعة والتي تنوعت فيها طرق الهجمات بين أسلحة وأحزمة ناسفة، فتحت الباب على أنه لا يوجد مكان في العالم في مأمن من تلك الهجمات. فتلك الهجمات جاءت بعد أيام قليلة من تفجير انتحاريين نفسيهما في العاصمة اللبنانية بيروت.

بعيداً عن الحديث كون هذه الهجمات «منظمة» و«منسقة» بطريقة محترفة جداً، فإن الحديث يتزايد أيضاً عن هجمات محتملة ومتوقعة في مناطق مختلفة تحت مسمى «الذئاب المنفردة»، وهي هجمات تعتمد فكراً مختلفاً لا يرتبط بشكل مباشر بتنظيم «القاعدة» أو «داعش» مثلاً.

بحسب ما هو متعارف فإن «الذئاب المنفردة» أشخاص يقومون بهجمات بشكل منفرد دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما، وبات يطلق هذا الوصف أيضاً على هجمات فردية تنفذها مجموعات صغيرة من شخصين أو ثلاثة كحد أقصى، وهي إستراتيجية جديدة تعتمدها الجماعات «الإرهابية» وخصوصاً «داعش».

صحيفة «واشنطن بوست» تصف ظاهرة «الذئاب المنفردة» بـ «الكابوس الجديد»، بينما تعتبر صحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية منع «الذئاب المنفردة» من ارتكاب «أعمال إرهابية» يمثل التحدي الأكبر للأجهزة الأمنية في الغرب.

يعتبر ذلك التوجه الذي من المتوقع أن يتزايد تصاعدياً بعد تداعيات هجمات باريس وبيروت، وتشديد العواصم الغربية إجراءاتها الأمنية خطراً جداً كون القائمين على العمليات أشخاصاً مجهولين تقريباً وغير معروفين وبعيدين عن الرقابة، وهم بذلك يمثلون خطراً أكبر من «داعش» أو «القاعدة» أو «التنظيمات المتفرّعة عنه»، إذ يتوقع محللون متخصصون في هذا المجال أن يصبح هذا «التكتيك» الجديد أكثر بروزاً في الأشهر المقبلة.

كون تلك الهجمات أو العمليات فردية فإننا سواء في البحرين أو منطقة الخليج أو أي مكان لسنا بعيدين عنها، في ظل وجود الهجمات «المبرمجة» و«الممنهجة» من قبل تلك التنظيمات بشكل مباشر.

أصل التسمية «الذئاب المنفردة» غير مرتبطة فقط بالجماعات الإرهابية، فهي تعبر عن أي شخص يمكن أن يشن هجوماً مسلحاً بدوافع عقائدية أو اجتماعية أو نفسية أو حتى مرضية.

الدراسات تشير إلى أن «الذئاب المنفردة» يقوم عدد منها بالتواصل في دائرة صغيرة لتشكيل خلية تنجح في القيام بجريمة منظمة، كما حصل في تفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت، الذي نفذه سعودي الجنسية بالتنسيق مع كويتيين، وهو ما دفع السعودية إلى اعتقال شقيقيه وعدد من المتهمين بمساعدته في نقل مواد التفجير للكويت.

دراسة أعدتها مؤسسة وطني الإمارات، ومركز دبي للأمن الإلكتروني، تؤكد أن معظم عمليات التجنيد التي يقوم بها «داعش» تتم عبر مواقع التواصل الإلكتروني، وتطبيقات الألعاب المدعومة بخدمة الدردشة، مبينة أن التنظيم يملك أكثر من 90 ألف صفحة على موقعي «الفيسبوك» و«تويتر» باللغة العربية، و40 ألفاً بلغات أخرى، وبالطبع يستخدم ذلك بدعوة أشخاص إلى لعبة معينة، وهو ما يوفره فيسبوك ويستهوي المستخدمين.

الخطر يكمن أيضاً في وجه «داعش» الآخر المنتشر في كل مكان، وهو الوجه المبرر والمدافع والمتعاطف معهم، والذي يقوم أيضاً بإعادة نشر تغريداتهم ونشر حساباتهم في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي داعياً إياهم بـ «القليل من الإنصاف».

وجه «داعش» الحقيقي أصبح وجوده مسلَّماً به، قد تنشط خلاياه في بلد ما وقد تنام في مكان آخر في انتظار لحظة التنفيذ، كما أن وجود الوجه «الداعشي» الآخر، لا يمكن نكرانه، في ظل ما نشهده من مواقف للكثيرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعضهم مؤيد، والآخر مبرر، كما بينهم من مازال «خجلاً» من التغريد باسمه فيقوم بإعادة نشر تغريدات غيره!

في البحرين مثلاً بات وجود «داعش» حقيقة مثبتة رسمية، كما أن وجود الوجه الآخر يتلمسه الجميع، حتى أثبته أحد السياسيين السلفيين في البحرين عندما أكّد أن «جُلّ البحرينيين الذين يتجهون للقتال في سورية ينخرطون مع جبهتي «داعش» و«النصرة»، وكذلك وجود «من يحاول تسميم أفكار الشباب وتشجيعهم على القتال هناك».

هناك وجوه تنشط إعلامياً وطائفياً، لحرف البوصلة فكرياً، وخلق بيئات قابلة مستقبلاً لذلك التمدد الذي أعلن عنه قائد ذلك التنظيم أبوبكر البغدادي قبل عام كامل (13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014)، ذلك التمدد الذي يتجه لتوسيع مساحات تنفيذ عمليات «الذئاب المنفردة».

«الذئاب المنفردة» محاربون جدد دون قيادة فعلية لهم، بل تكمن قياداتهم في طريقة صياغة أيديولوجياتهم وبنائهم النفسي والذي يقوم عليه سياسيون وإعلاميون ونخب تتعاطف وتميل لتلك الجماعات الإرهابية بشكل متوارٍ وخفي مستغلين التطور التكنولوجي في عمليات التواصل الاجتماعي، كأحد أبرز أدوات الحشد والتجنيد.


صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2015/11/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد