دولية

تقرير-(خاص): التقارب (السعودي التركي) يقرب من جهة ويبعد من جهات!

 

المصالح المشتركة بين الدول غالباً ما تُبنى عليها نوعية العلاقة ومدى تقاربها أو تباعدها، في حين قد تصل العلاقات إلى ذروة "الصراع على المصالح"، حيث تتحرك تلك الدول داخل دائرة منغلقة على أقطابها، وقد تجمعهم المصالح في لحظة وتفرقهم في لحظة أخرى.

 

فالعلاقات (السعودية – التركية) مثلاً تشهد دفئاً ملحوظاً بعد وصول الملك سلمان إلى الحكم، وقد لعبت التطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط دوراً في هذا الاتجاه من التقارب.

 

وفي مارس الماضي، وصفت صحيفة "المونيتور" الأمريكية، العلاقات بين السعودية وتركيا بقولها: "حتى الآن تبدو وكأنها مقدسة وغير قابلة للجدال".

 

وقالت الصحيفة في مقال للكاتب التركي "فهيم تاستكين"، "رغم اختلاف وجهات نظر الدولتين فيما يتعلق ببعض القضايا الإقليمية، فإن الرياض وأنقرة حافظتا على علاقات ثنائية بعيدة عن المشاحنات الإقليمية".

 

وبحسب مايرى العديد من المحللين السياسيين، إن زيارة الملك سلمان الأخيرة إلى تركيا حملت في طياتها رسائل أبعد من أهداف قمّة مجموعة العشرين (G-20)، وذلك لأنها ترسّخ لواقع جديد من العلاقات، بعد بروز قناعة لدى الطرفين أنه في ظل الحدود التي تُرسَم من جديد في المنطقة، لا مفر من التعاون، في ظل التطورات الإقليمية، لاسيّما فيما يخص الأزمة السورية بعد دخول موسكو وطهران بشكل مباشر.

 

ويشيرون إلى أن هناك جملة من عوامل التقارب ساهمت في تعزيز العلاقات بين أنقرة والرياض في الآونة الأخيرة، قد تكون كفيلة برسم منحى جديد للعلاقات يتّسم بالتعاون والتقارب.

 

وتعتبر الأزمة السورية أحد أبرز عوامل التقارب بين البلدين، بدءاً من تأكيد وتعنّت كل من الرياض وأنقرة على قضيّة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد كشرط مسبق، مروراً بطرح قضيّة التدخل العسكري التركي، الأمر الذي لاقى ترحيباً سعودياً، وصولاً إلى دعم الجماعات الإرهابية والحديث عن تشكيل حلف جديد بين هذه الجماعات لمواجهة المحور(الروسي- الإيراني) المقابل.

 

 العامل الثاني هو وجود منافسين مشتركين لدى كل من أنقرة والرياض، حيث شكّل الاتفاق النووي بين طهران والدول الست عاملاً مهماً لتعزيز العلاقات، بالإضافة إلى فتور العلاقات المصرية السعودية في الآونة الأخيرة وأصبحت الرياض اليوم أمام معادلة شبه معاكسة لما كانت عليه في عهد الملك عبدالله الذي شارك مصر العداء ضد تركيا.

 

العامل الثالث كما ينقله المراقبون، الإستراتيجية “الارتكاز الآسيوي” الأمريكية شكلت عاملاً إضافياً في تعزيز العلاقات السعودية التركية، فبعد سقوط منطقة الشرق الأوسط من رأس الأولويات الأمريكية، بعبارة أخرى، تدرك الرياض جيداً عدم قدرتها على مواجهة التحديات الإقليمية وحيدةً، في ظل وجود منافسين أقوياء كالجمهورية الإسلامية الإيرانية ومصر وتركيا والعراق نسبياً، لذلك بحثت عن حليف قوي يشاطرها في أغلب مشاريعها الشرق أوسطية، ووجدت في تركيا ضالتها، كما أن الرئيس أردوغان أيضاً، يسعى لتعزيز نفوذه في المنطقة بغية تمرير مشاريع “العثمانيين الجدد”، وقد وجد ضالته في الملك سلمان.

 

 العامل الآخر: تأكيد الرئيس التركي "أردوغان" في مارس الماضي عن استعداد بلاده لدعم التحالف المشارك في الحرب على اليمن (لوجستياً واستخبارياً) وفي كل ما تحتاجه الدول المشاركة بقيادة السعودية.

 

ورغم وجود عوامل التقارب المهمّة بين السعودية وتركيا، إلا أن هذا لا يعني عدم وجود التباعد والتباين بينهما، حيث تختلف الرياض وأنقرة على العديد من الأولويات التي تعد بمثابة الأمن القومي لكلا الطرفين.

 

ففي حين تولي أنقرة أهمية كبرى للملف الكردي، يتربّع الملف اليمني على رأس الأولويات السعودية، وكذلك الأمر بالنسبة لملف الطاقة الذي يؤرق أنقرة، في حين أن الرياض تعتبر أبرز مصدّري النفط في العالم.

 

من جهة أخرى لا تستبعد تركيا العلاقة مع إيران، في حين ترى السعودية إيران ما بعد الاتفاق النووي تهديداً لها، رغم تأكيد الأخيرة على ضرورة تعزيز العلاقات مع جيرانها، وهذا ما نلمسه من خلال العلاقات الاقتصادية بين أنقرة وطهران التي تشهد تطوّراً ملحوظاً.

 

التباعد المهم أيضاً بينهماً، أن كل من تركيا والسعودية تقدم نفسها زعيمة للعالم الإسلامي ما سيؤثر بشكل كبير على العلاقات في حين استقر الوضع الأمني في المنطقة. فلا الرياض ترضى بالتنازل عن إدعائها زعامة العالم الإسلامي(السني)، ولا تركيا أيضاً.

 

 وحين الرجوع إلى عوامل التقارب بين السعودية وتركيا نجدها جميعها تتلخّص في وجود منافسين مشتركين وفق قاعدة “عدو عدوّي صديقي”، مقابل وجود جملة من عوامل التباعد تتدرج في سياق “ترتيب الأولويات”.

وفي ذات السياق، يخلف هذا التقارب بعداً بالدرجة الأولى مع مصر والإمارات اللتان لا تقبلان أي شكل من أشكال تصدر (الإسلام السياسي) المتمثل في وجهة نظرهم بتنظيم "الإخوان المسلمين" العالمي، والمدعوم بشكل واضح من قطر الخليجية وتركيا العثمانية.
 

ومع هذا، وفي ظل استمرار الصراعات في منطقة الشرق الأوسط والتركيبتين السعودية والتركية الحالية في الحكم، والتعاون على تثبيت و تقوية العلاقات السياسية والاقتصادية بينهما إلا أنه لا يعني تنازل أحد الأطرف عن مصالحه خدمةً للآخر.

 

ويبقى التقارب والتباعد (السعودي – التركي) له فصول أخرى تكتبها الأيام القادمة بحسب المتغيرات الإقليمية التي تشهدها المنطقة.

أضيف بتاريخ :2015/11/22

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد