آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سطام المقرن
عن الكاتب :
كاتب سعودي

معايير السلامة في المستشفيات الحكومية

 

سطام المقرن

من الإشكاليات التي تواجه المستشفيات عموماً تعطل أجهزة نظام الإنذار وإطفاء الحريق والتي يكون الهدف منها سرعة الاستجابة والسيطرة على الحريق وتقليل الخسائر إلى أقل حد ممكن

 

صرّحت وزارة الصحة عقب حادثة حريق مستشفى جازان العام في الوسائل الإعلامية بالقول إنه "فور وقوع الحريق قامت إدارة المستشفى بإعلان حالة الطوارئ وتطبيق الخطط الموضوعة لإخلاء المرضى المنومين في مكان وقوع الحريق في الدور الأول الذي يحتوي أقسام الولادة والأطفال والعناية المركزة، وتم إجلاء الأطفال الموجودين في الحاضنات بدون إصابات، ولكن للأسف فإن الدخان الكثيف الناتج عن الحريق امتد إلى أدوار أعلى في المستشفى وتسبب في وقوع العديد من الوفيات والإصابات".

 

تصريح وزارة الصحة السابق يثير الكثير من الأسئلة حول منظومة السلامة في المستشفيات الحكومية، ومسؤولية وزارة الصحة في هذا المجال، فالتصريح في الحقيقة لا يوضح أسباب نشوب الحريق، ولا يوضح الإشكاليات التي يواجهها المستشفى في مجال السلامة والوقاية من الحرائق، بالرغم من تداول المواطنين في مواقع التواصل الاجتماعي تقريراً قديماً للدفاع المدني يوضح ضعف جاهزية وسائل السلامة وملاءمتها في مستشفى جازان العام!

 

بالإضافة إلى ما سبق، ذكرت بعض الوسائل الإعلامية أن من أسباب تفاقم حادث الحريق إقفال مخارج الطوارئ في المستشفى بالسلاسل، حيث تم تداول فيديو مصور لمحاولة كسر هذه السلاسل دون جدوى، وهذا المشهد في الحقيقة يعكس الإشكاليات الحقيقية التي تواجهها وزارة الصحة في مجال السلامة والوقاية من الحريق، والتي هي عبارة عن تراكمات لسنين طويلة تعكس الثقافة الإدارية للبيروقراطية في هذا المجال، ليس في وزارة الصحة والمستشفيات التابعة لها وحسب، وإنما في أغلب الجهات الحكومية عموماً، والتي تتعامل مع مخاطر السلامة بعد وقوع الحدث وليس الوقاية منه تحت مظلة القضاء والقدر!

 

في العديد من الجهات الحكومية نشاهد مظاهر تطبيق معايير السلامة والوقاية من الحريق شكلياً، فنجد تعليق طفايات الحريق في كل مكان تقريباً، ولكنها في الحقيقة منتهية الصلاحية، نرى إرشادات لمخارج الطوارئ ولكن أبوابها مقفلة بالسلاسل أو ربما غير موجودة في الأساس، أو توضع أمامها عوائق كالأدوات والكراتين، نشاهد أجهزة استشعار الدخان وأنظمة الإنذار المبكر ولكنها لا تعمل، توجد خطط للإخلاء ولكنها لا تجرّب فهي في اعتقاد البعض خاصة بالأطفال فقط! كما لا توجد أنظمة لإطفاء الحريق في أغلب المستشفيات فهذه الاشتراطات تمثل الحد الأدنى من معايير السلامة ولكن يتم تطبيقها شكلياً لتحقيق متطلبات الدفاع المدني فقط، ومثل هذه الممارسات موجودة في بعض المستشفيات الحكومية.

 

يشكل الحريق أحد أخطر أنواع المشاكل والحوادث التي يمكن أن تحصل في المستشفيات خاصة أن تأثيره كبير وكارثي، وبالتالي لا بد من أن يتم اتخاذ الإجراءات الدائمة والكفيلة بمراقبة وكبح هذا الخطر من اللحظة الأولى لتشكله منعاً من انتشاره وخروجه عن السيطرة فيما بعد، خاصة أن انتشار الحريق لا يستغرق عادة وفي أغلب الحوادث بضع دقائق قبل أن ينتشر ويتوسع ويصبح خارجاً عن نطاق السيطرة الداخلية وبالوسائل المتاحة.

 

ومن الإشكاليات التي تواجه المستشفيات عموماً تعطل أجهزة نظام الإنذار وإطفاء الحريق والتي يكون الهدف منها سرعة الاستجابة إلى الحريق والسيطرة عليه وتقليل الخسائر إلى أقل حد ممكن، بالإضافة إلى عدم وجود ضباط سلامة مؤهلين، كما لا توجد خطط تدريب للتعامل مع الحرائق، بالإضافة إلى وجود مخاطر عالية جداً تنبه إليها مديرية الدفاع المدني دوماً، ولكنها في الغالب لا تعالج.

 

هذا بالإضافة إلى وجود إشكاليات أخرى تتعلق بعقود وزارة الصحة مع الشركات والمؤسسات والتي تكون في الغالب غير متخصصة أو غير مؤهلة في مجال السلامة والوقاية من الحريق، والتي يتمثل دورها فقط في توريد وتركيب الأنظمة والأجهزة فقط، والتي ربما تكون أجهزة مخصصة للبيوت السكنية وليست للمنشآت الصحية، أو أن وسائل السلامة تكون مدرجة ضمن عقود تشغيلية أخرى تكون معرضة لمخاطر تضارب المصالح، فيتم توريد أجهزة رديئة وغير مطابقة للمواصفات، ناهيك عما يعتري العقود بصفة عامة من تأخر في التركيب والتنفيذ، الأمر الذي ينعكس في النهاية بالسلب على سلامة الناس.

 

أما فيما يتعلق بالإشراف والرقابة على وسائل السلامة، فالعديد من المستشفيات لا يوجد لديها فريق سلامة متخصص على مدار الساعة يتواجد بالمستشفى لأي طارئ وتعتمد أغلب المستشفيات على الدفاع المدني في تقييم أنظمة السلامة لديها، ولجان الجودة غير مفعلة، أو تكون ملاحظاتها مجرد عموميات لا يتم بحثها بشكل متعمق، أما أجهزة الرقابة الخارجية فلا تتعدى توصياتها بضرورة اتخاذ التدابير الوقائية من أخطار نشوب الحرائق لمنع حدوثها والقضاء على مسبباتها، والعمل على تفعيل أنظمة الإطفاء والإنذار المبكر، ومعايير السلامة الأخرى، ومعالجة ملاحظات الدفاع المدني، وأخيراً لا توجد عقوبات إدارية وغرامات مالية على كل من يتسبب في الإخلال بوسائل الأمن والسلامة.

 

يبقى السؤال الأهم: وهو كيف يتم تفعيل توصيات ومعالجة ملاحظات الدفاع المدني المتكررة؟ وكيف يتم تفعيل أنظمة السلامة والوقاية من الحريق في جميع المستشفيات والمنشآت الحكومية الأخرى؟ والحل يتمثل في المساءلة مع تحديد واضح للصلاحيات والمسؤوليات تبدأ من أعلى الهرم الإداري إلى مستوى الإدارات التنفيذية مع وجود عقوبات صارمة وشديدة، لأن هذا الأمر يتعلق بأرواح وسلامة الناس سواء كانوا مرضى أو مراجعين أو عاملين، فلا يوجد شيء أغلى من الإنسان نفسه.

 

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2015/12/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد