آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
هاني الفردان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي بحريني

تشريع العقاب الجماعي

 

هاني الفردان

تحدّثنا من قبل عن دور مجلس الشورى، وتساءلنا عن طبيعة تمثيله، فهل هو يمثل الشعب البحريني ويحمل همومه وقضاياه ومعاناته، أم هو أداة لإصدار قوانين وتشريعات، أو لعرقلة مشاريع ومقترحات، إذ يأتي قانون الإسكان الجديد تحدياً واقعيّاً لإثبات عكس ما نعتقده، ويعتقده جل المواطنين.

مواقف مشرفة لأعضاء في مجلس الشورى، وأخرى تدور حولها علامات التعجب والسؤال، فقد عرَّت قضية سحب الوحدات الإسكانية وإلغاء أي خدمات إسكانية ممن تم إسقاط جنسيتهم من البحرينيين تلك المواقف، وأثارت جدلاً واسعاً لدى الشارع البحريني.

لم تكن مناقشات مجلس الشورى بشأن تلك القضية يوم الأحد (28 ديسمبر/ كانون الأول 2015) هي الأولى، فقد سبقتها مناقشات سابقة في (21 يونيو/ حزيران 2015)، فالمادة (9) من المشروع الجديد شهدت مناقشات مطولة، إذ نصّت على أنه «يُلغى تخصيص الانتفاع بالمسكن للمنتفع في أي من الحالات الآتية: إذا فقد أو سُحبت أو أسقطت عنه الجنسية البحرينية بناءً على أحكام قانون الجنسية البحرينية؛ إذا تخلّف عن دفع الأقساط المستحقة لمدة 6 أشهر متواصلة، وكان ذلك بدون سبب تقبله الإدارة؛ وإذا تبيّن أن البيانات التي أقرَّ بصحتها في طلب الانتفاع أو في المستندات التي قدمها مخالفة كلها أو بعضها للحقيقة، أو قام بإخفاء بيانات أو مستندات كان يتعين عليه تقديمها وقت تقديم الطلب، وكانت تلك البيانات أو المستندات سبباً في منحه التخصيص بالانتفاع، أو إذا حكم عليه بحكم باتٍّ في إحدى الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم (58) لسنة 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية (...)».

مادة بحد ذاتها مليئة بمفهوم العقاب الجماعي، يسعى من وراء تمريرها فرض عقوبات على أسرة بكاملها تنتفع من الوحدة السكنية التي حصلت عليها بشق الأنفس، وبعد سنوات طويلة تصل في الكثير من الأحيان إلى أكثر من 20 عاماً.

كلمة قيلت في مجلس الشورى يوم الأحد الماضي، أثارت الشارع البحريني «إننا إذا سحبنا الوحدة عن ربّ الأسرة بعد إسقاط جنسيته ثم تركنا أفراد أسرته ينتفعون بها كأننا لم نفعل شيئاً... نحن لا نريدهم»، تحمل في طياتها الكثير، كانت من المفترض على مجلس الشورى أن يدينها ويشجبها وألا يقبل بها فمن هم «الذين لا يريدونهم»... أسر، وأطفال وزوجات بحرينيون لا ذنب لهم بما فعل رب أسرتهم الذي أسقطت جنسيته!

تعتقد الحكومة، بحسب ممثلها وزير شئون مجلسي الشورى والنواب، غانم البوعينين (سابقاً)، توصيف إلغاء التخصيص لمن أسقط عنه الجنسية بأنه عقوبة، بالتوصيف غير الصحيح، كون المسقطة جنسيته أصبح «غير بحريني» في مفهوم الحكومة فقط، إلا أن الواقع مختلف جدّاً، فمجرد إخراج أسرةٍ بكاملها من مسكنها، هو عقاب طال عائلة وليس فرداً، وتلك العائلة هي بحرينية، ولم تسقط جنسيتها!

من باب الإنصاف، هناك أصوات ارتفعت في مجلس الشورى حملت في طياتها مفهوم المسئولية الاجتماعية والحفاظ على ما تبقى من نسيج المجتمع، في ظل الوتيرة المتسارعة التي تشهدها البحرين لإسقاط جنسيات مواطنيها بأحكامٍ قضائية، حتى ذهب عضو في المجلس إلى الحديث عن «الأثر الاجتماعي الخطير لذلك، وسحب الوحدة السكنية يعني أن العقوبة تطول الأهل».
تشريع سحب الوحدات الإسكانية وإلغاء أي خدمات إسكانية ممن تم إسقاط جنسيتهم من البحرينيين، هو عقاب جماعي يخالف النص الإلهي «ولا تزر وازرة وزر أخرى» (الإسراء: 15)، ونصوص القانون والدستور البحريني الذي ينص على أن العقوبة فردية، وليست جماعية؛ وأن سحب الوحدة السكنية من مواطن بحريني أسقطت جنسيته لأسباب سياسية أو حتى جنائية هو فرض عقاب على زوجته البحرينية وأبنائه البحرينيين أيضاً، فلماذا يسعى المشرّع البحريني لمعاقبة عائلة بكاملها وطردها في الشارع، بل ذهب البعض لقول كلمة «لا نريدهم»!

قانون الإسكان الجديد تحدث عن أن الانتفاع بالوحدة السكنية من حق الأسرة البحرينية، وتحدث المشرع في هذا القانون عن الأسرة وليس الفرد أو رب الأسرة فقط، وبالتالي فإن إسقاط جنسية فرد من الأسرة، لا يعني حرمان الأسرة بكاملها من حقها الطبيعي في الحصول على سكن.

نعم، إنه من المخجل أن نصل إلى حد الفجور في الخصومة، بحيث يكون التوجه حاليّاً لتشريع العقاب الجماعي وبنصوص قانونية لتبرّر سياسات خاطئة في معالجة الملفات السياسية والاجتماعية التي تخنق المواطن البحريني.

من المعيب أن يقف مواطن بحريني بصفة نائب أو عضو شورى، يقبل على نفسه أن يناقش مثل هذه النصوص القانونية التي من شأنها أن تزيد من حالات الاختناق والتأزم في هذا البلد.

من المخجل أن يصل التفكير إلى هذا الحد، بأن تطرد عوائل بحرينية من سكنها الذي انتظرته سنوات طويلة، فقط، لأنه أسقط عنها جنسية رب تلك الأسرة إذ أصبح في نظرها غير بحريني، دون أن تنظر إلى أن هناك عائلة تسكن في هذا السكن، هي بحرينية ومن حقها الدستوري ذلك السكن.

من المخجل أن يناقش «البرلمان» بغرفتيه قوانين تشرع العقاب الجماعي ولا تحترم حقوق الإنسان.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2015/12/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد