آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طراد بن سعيد العمري
عن الكاتب :
باحث وكاتب في العلاقات الدولية؛ الشئون الإستراتيجية؛ الدراسات العسكرية؛ المجتمع الخليجي؛ وشئون العمل والبطالة

لا تثقوا بأردوغان

 

طراد بن سعيد العمري

حاولت قناة “العربية” تسويق تضليل الرئيس التركي في مقابلة خاصة قبيل زيارته للسعودية، ولكن بعد فوات الأوان. فالجريمة التي إرتكبتها تركيا ضد سوريا ونظامها وشعبها ومحاولة دعم الفوضى في الأقطار العربية وإعمال الفرقة والطائفية، لا ينفع معها مقابلة خاصة أو قناة فضائية بأكملها. أفلت تركيا بسبب سياسات حزب العدالة والتنمية وطموح الرئيس التركي بداية في الإنضمام إلى أوروبا، ومن ثم الهيمنة على الشرق الأوسط بدعم ثورات الربيع العربي بغية صعود الأخوان لسدة الحكم، لكن مصر وسوريا بقيتا عصية على المخطط الأردوغاني. وأخيراً، خسرت تركيا الكثير بمحاولة مناطحة روسيا في أهم مناطق النفوذ الروسي في الشرق الأوسط.

 

جلست الإعلامية منتهى الرمحي كطالبة مؤدبة أمام الرئيس رجب طيب أردوغان وألقت أسئلتها السطحية على إستحياء وكأنها تعمل لدى قناة تركية. كانت الأسئلة محاولة لتوجيه المشاهد لتبني مفهوم الرئيس التركي الخاطيء، فقد كانت المقابلة أشبه بمقطع دعائي مدفوع من شركة علاقات عامة. لم تتطرق الأسئلة إلى علاقة تركيا بالإرهاب وتمرير ألاف المقاتلين إلى سوريا؛ كما لم تحاول الإعلامية توضيح اللغط حول شراء تركيا للنفط المسروق من الأراضي السورية والعراقية؛ لم يوضح فخامة الرئيس التركي علاقة عائلته بالفساد التي شاع ذكرها في الإعلام الدولي؛ حتى السؤال عن علاقة تركيا مع إيران جاء مغلفاً بالملف النووي، فجاء رد الرئيس غامضاً ومتناسباً مع مايريد بعض العرب سماعه.

 

يقول الدكتور عبدالله الشمري، الخبير في الشئون التركية، في مقابلة على قناة “العربية” أن “تركيا تحاول إستخدام الرصيد السياسي للسعودية” لكي توقف شيء من أفولها وتراجعها الدولي. فالأزمة مع روسيا بعد إسقاط الطائرة “السوخوي” الغير مبرر، لا يتفق مع قواعد الإشتباك الدولية، قد قصم ظهر العلاقات الروسية التركية، وأدى بالرئيس الروسي إلا إتخاذ تدابير عاجلة تؤثر ولو رمزياً على العلاقات الإقتصادية، لكن الأهم هو فتح روسيا ملفات شائكة ومعقدة تزعج القيادة التركية وهو ملف الأكراد والمحاولات الإنفصالية لبعض رموز المعارضة. وستحاول السعودية قدر المستطاع الوقوف إلى جانب تركيا ولو معنوياً مثل ما حدث في إجتماع الجامعة العربية الأسبوع المنصرم، لكن ذلك لن يجدي نفعاً كبيراً في ردم الهوة وتقليل الفجوة التي أحدثتها سياسة أردوغان في عزل تركيا.

 

سيحاول الرئيس التركي لملمة فشل سياسته لعدة أسباب: (١) إستمالة السعودية كدولة مؤثرة في الإسلام السني مقابل الإسلام الشيعي الذي تتزعمه إيران ومحاولة لعب الورقة الطائفية؛ (٢) إطالة أمد الأزمة في سوريا قدر الإمكان بعد أن لقيت تركيا نقداً واضحاً من الإتحاد الأوروبي وإجبار تركيا على إغلاق الحدود؛ (٣) إبعاد إيران القادمة بقوة بعد رفع العقوبات الإقتصادية عن أي تقارب سياسي مع دول الخليج؛ (٤) تحييد مصر الدولة الفاعلة عربياً برصيدها القومي وتأثيرها المعنوي. في النهاية كل ما تود تركيا الحصول عليه هو بصيص أمل في بقاء الشرق الأوسط العربي حديقة خلفية لأسباب سياسية وإقتصادية وثقافية.

 

لكن الأسباب التركية يقابلها عدد من المعطيات الواقعية مما يجعل فرص نجاح أردوغان ضئيلاً، كما يجعل من التمادي مع سياسته الأقليمية محفوفة بالمخاطر. (١) باتت السعودية أكثر حكمة وتفهماً لمخاطر اللعب بالورقة الطائفية؛ (٢) التدخل العسكري الروسي في سوريا قوي وجاد وحازم لدرجة الحفاظ على سوريا الدولة بكل مكوناتها وعناصرها؛ (٣) كل البوادر تشير إلى قرب حدوث تفاهمات بين السعودية وإيران بسبب المشتركات السياسية والإقتصادية والجيوسياسية؛ (٤) العلاقة السعودية المصرية قوية ومتوازنة إلى حد أبعد من بعض التعابير والتصريحات السياسية هنا أو هناك.

 

المهم، أن السعودية انتهجت في العهد السلماني سياسة خارجية فاعلة ومغايرة في أسلوبها لما عهدته كثير من الدول الإقليمية والدولية وذلك حفاظاً على مصالحها الإستراتيجية والحيوية والحساسة والهامشية، ويمكن تلخيص هذه السياسة السعودية في “سياسة التوازنات”، بحيث لا يطغى محور على آخر. فـ ” مجلس التعاون الإستراتيجي” الحديث الولادة مع تركيا، سبقه مجلس مماثل مع مصر، وسيعقبه، في أغلب الظن، مجلس تعاون إستراتيجي مع إيران. كما أن العلاقة التاريخية مع الولايات المتحدة ودول الغرب، يوازنها علاقة مستجدة مع روسيا الإتحادية ودول “البريكس” ذات السمة السياسية والإقتصادية. والأهم، أن السياسة الخارجية الفاعلة، يقابلها “برنامج تحول وطني” داخلياً.

 

أخيراً، أردوغان سقط سياسيا وإستراتيجياً، مع سقوط طائرة “السوخوي” الروسية، وأي محاولة لإنتشاله ستجر تحالفاته في وحل المشاكل التركية المتعددة والدولية المتراكمة عبر التاريخ. وبملاحظة الأسلوب الأردوغاني مع أمريكا، الإتحاد الأوروبي، حلف الأطلسي، روسيا، إيران، الأزمة في سوريا، التوغل في الأراضي العراقية، الأكراد، عندها يدرك المراقب الأسلوب “الأخونجي” في الفارق بين المعلن والمخفي والظاهر والباطن. ختاماً، أي سياسي يتسم بشيء من الحكمة يجب أن يأخذ ما يقوله رجب طيب أردوغان “بقليل من الملح” كما يقول المثل الغربي.

 

كاتب، ومحلل إستراتيجي

أضيف بتاريخ :2015/12/31

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد