آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طلال سلمان
عن الكاتب :
طلال سلمان (مواليد 1938) هو صحافي لبناني كبير مؤسس جريدة السفير اللبنانية اليومية. شكل منذ عقود مرجعية إعلامية في الشؤون العربية واللبنانية تحظى بالتقدير، وبالتأثير في الرأي العام.

عن “إعدام” جمال خاشقجي وفرصة ترامب كي يصادر الثروة!


طلال سلمان

هزت حادثة احتجاز ثم إخفاء الكاتب السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول ضمير العالم أجمع، ـ بغض النظر عن مواقف هذا الكاتب وطبيعة علاقته بالنظام في المملكة ولا سيما مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

فما يعرفه الناس عن هذا الكاتب أنه ليس من أهل التطرف السياسي والأصولي، برغم اعتراضه الشديد على حفلة احتجاز مئات الأمراء ورجال الأعمال في السعودية (سرعان ما أضيف إليهم رئيس الحكومة في لبنان سعد الحريري الذي لم يفرج عنه إلا بوساطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان في زيارة لدولة الإمارات وعدل خط سير عودته ليهبط في الرياض، فلا يرتاح إلا بعدما جاءه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بسعد الحريري فاطمأن عليه، ونال وعداً ملكياً بالإفراج عنه موجهاً إليه الدعوة لزيارة باريس.. طالباً أن تلتحق به عائلته في العاصمة الفرنسية، وهكذا كان..)

كذلك يعرف الناس عن هذا الكاتب أن له محاولات في الرواية.. على أنه، وبعد إقدام الأمير محمد بن سلمان على احتجار أبناء عمومته والعديد من كبار رجال الأعمال وفرض “الجزية” عليهم بإجبارهم على توقيع التنازلات عن معظم ما يملكون، رتب الخاشقجي أمر خروجه من المملكة إلى واشنطن التي يعرف بعض كبار الصحافيين فيها، وهكذا أخذ يكتب مقالات لا تتعرض مباشرة للأوضاع في المملكة وإنما بالتلميح.. المفهوم.

ولأن الخاشقجي كان على ارتباط بفتاة من تركيا، خطبها وكان ينوي الزواج منها، فقد جاء من واشنطن إلى اسطنبول.. وكان طبيعياً أن يقصد القنصلية السعودية، ربما من أجل تأمين التأشيرة لخطيبته.. وهكذا دخل ولم يخرج!

كان من الطبيعي أن تفاجأ تركيا أردوغان بهذا الخروج النافر على الأصول، وعلى العلاقات الحميمة بين السعودية وبينها، وربما لهذا فضلت التريث قبل أن تبدأ بتسريب الوقائع.. أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب فقد استفزته الواقعة غير المسبوقة، وبدأ يطلق الاتهامات ضد السعودية، وخابر الملك سلمان معنفاً بما يشبه الإنذار، مسفهاً ما قاله الأمير خالد بن سلمان، سفير المملكة في واشنطن، ومنذراً بعقوبات صارمة إذا ثبت أن للمملكة علاقات بالاختطاف ثم بإعدام الخاشقجي.

في هذه الأثناء أخذت تتسرب التفاصيل عن احتجاز الخاشقجي، ثم عن تصفيته داخل القنصلية، ودخول أكثر من عشرين رجل من المخابرات السعودية، والتحايل لنقل جثته في سيارة مقفلة كانت في الانتظار، ثم انطلقت إلى مكان مجهول، وربما إلى طائرة كانت على أهبة الاستعداد للانطلاق.

أخرس الحرج السعودية، وهدأ أردوغان من غضبته تاركاً للرئيس الأميركي ترامب “قيادة الحملة”، فلم يكن يمر يوم من دون أن يطلق سلسلة من التصريحات عن “عملية الخاشقجي”، وقد تابعها بتفاصيل التفاصيل، معتبراً أن هذا الكاتب كان يقيم معظم الوقت مؤخراً في واشنطن ويكتب في بعض صحفها، وبالتالي فثمة مسؤولية معنوية تتحملها إدارته..

واستعاد أصحاب الذاكرة الحية واقعة اختطاف النقابي السعودي ناصر السعيد من بيروت، خلال الحرب الأهلية في لبنان، بواسطة بعض عناصر تنظيم فلسطيني ونقله، على وجه السرعة إلى المملكة، حيث يقال انه قد ألقي من الطائرة في “الربع الخالي”… وكان طبيعياً أن تختفي آثاره.

وكان ناصر السعيد نقابياً ناشطاً، وحين أحس بالخطر على حياته هرب إلى القاهرة، حيث عاش بضع سنوات، قبل أن توفده مصر إلى صنعاء بعد تفجرها بالثورة ضد الإمام أحمد حميد الدين ثم خليفته ابنه بدر الذي خلفه على العرش الذي يعيش ـ ويفرض على اليمن أن تعيش في القرون الوسطى حتى تم خلعه، وأعلن قيام الجمهورية العربية اليمنية بقيادة العقيد الذي صير مشيراً عبد الله السلال.

بعد اليمن، عاد ناصر السعيد إلى القاهرة.. لكنه لم يكن يطيق الجمود والصمت، وهكذا جاء إلى بيروت، وتطوع للعمل مع بعض المنظمات الفلسطينية، وأنجز كتاباً ضخماً عن الأسرة الحاكمة في السعودية.. ثم اختفت آثاره بعد زيارة للقاء مفكر لبناني شاب.. قبل أن يعرف أنه اختطف بعدما نزل إلى الشارع (وهو متنكر) ليعود إلى حيث يقيم، لكن “الطائرة” كانت في انتظاره.
****
فلنتجاوز الخطف والقتل، سواء في بلاد المجني عليه أو خارجها، ولنعد إلى السؤال الجوهري الذي يقض مضاجع العرب: إلى متى ستستمر بعض الأنظمة العربية في اعتماد مثل هذه اللغة مع “رعاياها”؟!

إن الأوضاع القائمة في معظم الدول العربية، وبينها تلك التي لولا النفط والغاز لما كانت دولاً بملك وعلم ونشيد وجيش مستعار، تستخدم للتشهير بالإنسان العربي ودمغه بالتخلف والغربة عن العصر.. هي أوضاع مهينة لكرامة الوطن والمواطن.
إن الإنسان العربي، بشكل عام، أرقى من حكامه..

فالخارجون على القانون في أي بلد عربي هم قلة ضئيلة، في حين أن الأكثرية الساحقة، وبغض النظر عن موقفها من نظامه، تلتزم الأصول وتحترم القانون، وتسعى لأن تعيش بكرامة، ولو فقراء.

وحين يقوم ولي عهد السعودية بسجن عدد كبير من أبناء عمومته ورجال الأعمال فاحشي الثراء ثم يصادر معظم ثرواتهم التي جنوها من دولتهم، نتيجة المحسوبية والرشوة، و”كشرهات” قدمها لهم “صاحب الأمر”، لا يكون في ذلك تحقيق للعدالة، إذ لا محاكمات، ولا مضابط اتهام تحدد “الجريمة” وتحكم بالعدل، وحسب القانون، وليس حسب المزاج..

ربما لو حوكم أولئك الذين احتجزوا لتهمة الإثراء غير المشروع والنهب المنظم لموارد الدولة، بتغطية من “مراجع عليا” لها حق الأمرة، لصفق الناس وهللوا للعدالة، وقد وجدت ـ أخيراً ـ طريقها لأن تقوم.. ولكان عقاب أولئك المرتشين أو النهابين عبرة لمن يعتبر.. أما في ظل أسلوب مناف للعدالة، وبلا محاكمة بمحامين وأدلة وشهود، فإنها تحول الظالم إلى مظلوم والسارق إلى ضحية ومصادرة الثروات غير الشرعية من خارج شرعية العدالة نهب بالأمر الملكي واستقواء بقوة السلطان.

ومن أسف فان الحاكم في بلادنا يعتبر نفسه القاضي الأول، بل أنه كثيراً ما يعيد تفسير القوانين حسب حاجته أو رغبته أو.. مزاجه.

ومن العار أن تبدو تركيا وقبلها الولايات المتحدة الأميركية أحرص على سلامة الرعايا العرب من “أهلهم”، من نوع جمال خاشقجي الذي تبقى “جريمته” في خانة التعبير عن الرأي، من دون إطلاق التهم جزافاً، ومن دون المس بالذات الملكية: فهل أردوغان وترامب أرأف بالرعايا العرب من دولتهم، خصوصاً وأنها حاكمت غيابياً (وفي الظلام) وحكمت ونفذت من دون أي احترام للقانون والعدالة وإعطاء “المتهم” ـ ولا سند ـ الحق بالدفاع عن نفسه.

أن ما حدث لجمال خاشقجي، الذي قد لا يوافق كثير من العرب على آرائه، هو جريمة لا يمكن الدفاع عنها، أو الصمت عليها، بغض النظر عن الموقف السياسي من المملكة ونظامها، ومن أردوغان وغروره، ومن ترامب وتغريداته صباح كل يوم، أو تصريحاته الصاعقة في صراحتها والتي يطلقها مزهواً، بأنه “الحاكم بأمره” في العالم أجمع.

واضح أن ترامب سيستغل هذه الواقعة المحزنة ليبتز السعودية أكثر مما ابتزها حتى اليوم.. وهو لا يخفي ذلك بل يعبر عنه علناً… وفي مكالمته مع الملك سلمان بن عبد العزيز اسمعه كلاماً جارحاً في صراحته مطالباً بأن يكون الشريك الأكبر في دخل المملكة من النفط طالما أن الولايات المتحدة هي من يحميه، وهي المشتري الأول لنفطه، ولا بد من إعادة النظر في أسعاره، حرصاً على تمكين المواطن الأميركي من أن يعيش مرتاحاً!
*****
إن هذه الجريمة تتجاوز شخص جمال خاشقجي لتصيب كل مواطن عربي في كرامته واعتزازه بعروبته.

… وهي تضاف إلى السجل الحافل بالقتل والتي تفيض دماء ضحاياه عن حدود اليمن، جنوباً وشمالاً، وفلسطين حيث تفتك قوات العدو الإسرائيلي بالفتية الأغرار أبناء المستقبل وبناته.. ولو قدر لهم أن ينجوا من الموت بالسلاح الأميركي، الذي لا رادع له ولا محاسب عنه.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/10/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد