آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

«ظريف» في لبنان لإجهاض وارسو!

 

د. وفيق إبراهيم

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في لبنان يلتقي بمسؤوليه في زيارة لها ظاهر اقتصادي سياسي مع كثير من البروتوكول «الظريف»، لكنها تختزن أهدافاً استراتيجية عميقة على صلة بمؤتمر وارسو الذي ينعقد هذا الشهر تحت شعار العداء لإيران.

لتوضيح حركة ظريف الإقليمية لا بدّ من تظهير مرامي مؤتمر وارسو الذي يُنظمه الأميركيون بتحشيد يضمّ أكثر من ستين دولة لمعاقبة ما يطلقون عليه «السياسات التدميرية الإيرانية» وذلك بوسيلتين: إنهاء دورها الإقليمي، وإيقاف صناعة الصواريخ فيها وإلغاء نظام ولاية الفقيه.

للتوضيح فإن هذا المشروع يعني فك التحالفات الإيرانية مع حزب الله والدولة السورية والعراق وأنصار الله في اليمن والمعارضة البحرينية والهزارة في أفغانستان، مع التوقف عن صناعة الصواريخ الباليستية وتدمير مخزونها منه.

وبما أن نظام ولاية الفقيه عابر للدول ويجذب أقلياتها الشيعية فبالإمكان وقف آلياته الخارجية وآفاقه الأيديولوجية.

هذا عن الجانب الإيراني، أما لجهة فلسطين فجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب يُحضر لجولة تشمل دول الخليج ومصر والأردن و»إسرائيل» والسلطة الفلسطينية للاتفاق على النقاط النهائية لصفقة القرن.

بما يكشف أن هذه الصفقة هي لتدمير إيران والقضية الفلسطينية في آن معاً وتدفع تلقائياً إلى إضعاف أحلاف إيران في منطقة الشرق الأوسط بكاملها.

وارسو إذاً، هو أداة لاستثمار حصار وعقوبات تفرضها واشنطن على إيران منذ أشهر عدة، وتطبق شروطها معظم دول العالم باستثناء روسيا والصين وتركيا والعراق وبعض البلدان التي منحها الأميركيون أنفسهم مُهلاً إضافية للالتزام بقرارات المقاطعة.

في مواجهة هذا التحشيد الأميركي يُنفذٌ ظريف جولة عنوانها تأكيد فشل المرحلة الأولى من الحصار والمقاطعة على إيران وتنظيم الحلف المناهض لمؤتمر وارسو.

لذلك يبتدئ وزير الخارجية الإيراني في بيروت بالجزء اللبناني الذي يسعى لتزويد لبنان ما يحتاجه اقتصاده المتعثر والسلاح الضروري لمجابهة العدوانية الإسرائيلية وهذه بادرة نيات حسنة تمتنع عنها دول الغرب والخليج التي تمنح هبات وديوناً تعرف سلفاً أنها ذاهبة الى جيوب السياسيين المحليين فلا تراقب أو تعترض، لكنها ترفض تزويد لبنان سلاحاً حاسماً في الجو والبر والبحر وتمنعه من شرائه أو قبوله كهدايا من دول أخرى.

بالمقابل يحمل «الظريف» على متن جواده المندفع عروضاً أشبه بهبات لبناء وسائل دائمة لإنتاج الكهرباء وبناء اقتصادي دائم يجعلُ للشركات اللبنانية حصة وازنة في الأعمال الإيرانية الداخلية.

هذا الجزء لن يجد «ظريف» قبولاً له وذلك لاستتباع لبنان الرسمي للسياسة الأميركية السعودية واختراعه لنظرية «النأي بالنفس» التي لا يطبقها إلا على مستويين: للتذرع بتجميد العلاقات مع إيران والاستمرار في عدم تطبيع العلاقات مع سورية.

وقد يضيف أسباباً أخرى عن التزامه الموقف الرسمي العربي في هذه السياقات.

وهذا يمنح السياسة الإيرانية تبريرات إضافية لتطبيق جزء أساسي من استراتيجيتها لحماية كامل الإقليم من السياسات الأميركية الإسرائيلية التي تستغِلُ انهيار النظام العربي عام 1979 لتنفيذ مشروع إلحاق كامل منطقة الشرق الأوسط بمشروع إسرائيلي عربي برعاية أميركية لمنع أي محاولة لتشكيل دول مستقلة فعلية خارج الانصياع للنمط الغربي الإسرائيلي السائد.

بأي حال يبدو لبنان في زيارة «ظريف» مختبراً لتنظيم حلف إسقاط وارسو، وما الوفود التي استقبلها الوزير الإيراني إلا الدليل الساطع النير.

لبنانياً: التقى «الظريف» بوفود من التيارات والأحزاب الوطنية والقومية إلى جانب أحزاب تقليدية لبنانية فبدا المشهد معبراً عن موقف لبناني صارم إلى جانب حلف المقاومة ومُمثلاً لغالبية شعبية هي التي تنأى بنفسها عن الخط اللبناني الرسمي الملجوم أميركياً وسعودياً.

أما الجزء الثاني من حلف إسقاط وارسو فجَمَعَ وفوداً من كامل التنظيمات باستثناء السلطة الفلسطينية، وقال ممثلو التنظيمات لظريف إنهم مع حلف المقاومة لإسقاط صفقة القرن والحصار على إيران.

وكان الوزير الإيراني ابتدأ جولته بالعراق وسورية قبل وصوله إلى لبنان ووجد فيهما أجواء مناهضة وبعمق لحلف وارسو، واستعداداً لبناء علاقات اقتصادية عميقة مع طهران بما ينسف نهائياً إمكانية عزل الجمهورية الإسلامية كما يخطط الأميركيون ويصفق لهم السعوديون.

يتبين بالنتيجة أن الوزير ظريف يأمل بإنجاز علاقات اقتصادية عميقة مع لبنان تنتج مسألتين: دعم لبنان بما هو عرين حزب الله والمقاومة واللبنانيين عموماً والتأكيد على الدور الإقليمي لإيران الذي لا يقتصر فقط على المقاومة بل يشمل الاقتصاد أيضاً.

فإيران بعد أربعين عاماً على تأسيسها ونجاحها في مجابهة كل ما تعرّضت له من حروب ومقاطعات وحصار، تمكنت من بناء منظومة صناعة محلية ناجحة وفّرت لها الكثير مما منعه الأميركيون وحلفاؤهم عنها، وأصبح بوسعها تصدير منجزاتها باختراق حلقة الحصار الغربي المضروب عليها.

وإذا كان ممنوعاً على لبنان الرسمي تسلم سلاح إيراني كاسر نسبياً للهيمنة الإسرائيلية فلا يجب أن يكون هذا المنع شاملاً للقطاعات الاقتصادية الأخرى، فبوسع لبنان الرسمي الذي أصبحت المقاومة جزءاً أساسياً من مكوناته أن يبني علاقات اقتصادية هي بكل تأكيد لمصلحة لبنان الضعيف. وهذا ما يجب على ثنائي أمل وحزب الله وتحالفاتهما الدفع في اتجاهه لإنقاذ البلاد من دوامة الفساد والتخلف.

فهل يقبل لبنان؟ هناك من يقول إن المستشار الملكي السعودي العلولا هو في لبنان اليوم لإلغاء مفاعيل زيارة ظريف فهل يقبل «الثنائي» وحلفاؤهم بالاستجابة للضغوط السعودية؟

قد يتذرع لبنان الرسمي والسعودي بضرورة الانسجام مع مقررات جامعة الدول العربية والخشية من إغضاب الأميركيين ولا يكسر هذه التبريرات إلا تمرير مشروع لبناني إيراني واحد يمهّد في مراحل لاحقة لتعاون عميق وواسع، يشمل الاقتصاد والتسليح في آن معاً. 

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/02/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد