آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الله المطيري
عن الكاتب :
- كاتب سعودي مهتم بقضايا الفكر والفلسفة والحريات وحقوق الإنسان. - يعمل محاضرا في كلية التربية بجامعة الملك سعود ومبتعث حاليا لأمريكا لدراسة الدكتوراه في الأصول الفلسفية للتربية. - أسس مع آخرين الحلقة الفلسفية في الرياض ضمن أعمال نادي الرياض الأدبي. - شارك في عدد من المحاضرات والندوات محليا وعربيا.

العدالة ونقد الذات

 

عبدالله المطيري  

من حق الإنسان، وربما من الواجب عليه، أن يدافع عن حقوقه بقدر استطاعته. يجب عليه أن يكشف الظلم الذي تعرض له والتمييز الذي واجهه. هذا أمر متفق عليه ولا أظننا نحتاج كثيرا لتأسيس هذا الحق نظريا.

 

معظم المشكلات التي تواجه الناس تتمثل في معرفة ما هي حقوقه وكيفية حماية هذه الحقوق، أما مبدأ الدفاع عن الذات فهو طبيعي في الإنسان كجزء من طبيعته البيولوجية.

 

ما أريد الحديث عنه هنا، هو الجانب الآخر من هذا المشهد، وهو موقف الإنسان من الامتيازات التي حصل عليها. أقصد بالامتيازات هنا الفرص التي حصل عليها نتيجة وجوده في تنظيم اجتماعي غير عادل.

 

على سبيل المثال يحصل الذكور في المجتمعات العنصرية ضد النساء على فرص أكبر من النساء، ليس بسبب جهدهم وجدارتهم، ولكن بسبب وجودهم في مجتمع يميز ضد المرأة.

 

هنا، لا يشترط للفرد أن يقر هذه الامتيازات غير العادلة، ولكن طبيعة الحياة تفرض عليه أن تدخل هذه العوامل في تعاملاته اليومية.

سؤالي هنا: ما الموقف الأخلاقي من هذه الامتيازات؟ وما أثرها في تفكير الفرد في قضايا العدالة في مجتمعه؟

سأحاول توضيح هذه الأسئلة خلال المثال التالي:

المواطن "س" والمواطنة "ص". المواطن "س" يعيش في مدينة كبيرة تتوافر فيها معظم الخدمات. المدرسة قريبة جدا من البيت بطاقم تعليمي جيد ومستقر، ولن يحتاج مغادرة مدينته للدراسة الجامعية، بسبب توفر جامعات بتخصصات مميزة في مدينته. المواطن "س" يعيش في مدينة يتوافر فيها الإنترنت بسهولة، ويصل الماء إلى منزله خلال مشروع التحلية.

 

في المقابل، المواطنة "ص" تعيش في منطقة في أطراف البلد. المدرسة تحتاج إلى وسيلة نقل وسائق ذكر. الطاقم التعليمي في المدرسة يتغير بشكل سريع بسبب نقل المعلمات، مما يربك تعليم الطالبات وعلاقتهن مع معلماتهن. أقرب جامعة تبعد مئات الأميال في مدينة أخرى، وستحتاج إلى ولي أمر للانتقال إلى تلك المدينة للدراسة. الإنترنت ضعيف جدا، والمياه لا تصل إلى منزل المواطنة "ص"، ويحتاج أهلها إلى شراء الماء في ناقلات كبيرة بعد انتظار يمتد في أوقات الأزمات إلى ساعات طويلة.

 

يبدو أنه من الواضح هنا أن المواطن "س" والمواطنة "ص" لا يحصلان على فرص متكافئة في العيش في هذا المجتمع. الأمور أصعب بكثير أمام المواطنة "ص" دون أن تكون لها أي مسؤولية في هذه الصعوبات، سوى أنها ولدت في هذه الظروف.

 

طبعا هنا، لا بد من التذكير أن المواطن "س" يعاني كذلك من تمييز ضده، فهو مثلا بسبب لون بشرته يعاني من تعامل سلبي في مجال عمله، يحرمه من الحصول على مناصب أعلى يستحقها بحسب إمكاناته ومجهوده.

 

سؤالنا هنا يتعلق بالواجب الأخلاقي على المواطن "س" حين يتحدث عن العدالة. بمعنى هل تتطلب العدالة من المواطن "س" أن يعلن ويكشف الامتيازات التي حصل عليها مقارنة بالمواطنة "ص" جنبا إلى جنب مع السلبيات التي تعرّض لها؟

المتوقع من "س" أن يعترض على التمييز الذي يتعرّض له ويطالب بتشريع قوانين تحمي حقوقه. ولكن هل يجب عليه كذلك كشف الامتيازات التي حصل عليها كجزء من تحليله وفهمه للعدالة في مجتمعه؟

 

دعونا نتصور المشاهد الثلاثة التالية: المشهد الأول، يتحدث فيه "س" عن التمييز الذي يقع عليه بسبب لون بشرته، ولكنه يرفض تماما الإقرار بأنه حصل على امتيازات مقارنة بشرائح معينة من المواطنين، وتحديدا المواطنة "ص".

الصورة الحادة للموقف ستكون "لون بشرتي كان سببا في التمييز ضدي، ولكن النساء لا يعانون من تمييز ضدهم".

أتوقع أن الغالبية ستتفق أن المواطن "س" هنا مشغول بمصلحته الشخصية وليس مشغولا بالعدالة. العدالة تتطلب في داخلها النظر إلى حقوق الآخر كما ننظر إلى حقوق الذات.

 

المشهد الثاني: المواطن "س" يطالب بحقوقه ويسكت عن الامتيازات غير العادلة التي حصل عليها. "س" يسكت عن التفاوت في التنمية بين المناطق، مثلا حين يناقش قضايا العدالة بسبب أنه ينتمي إلى منطقة استفادت من التنمية مقارنة بغيرها. هذا المشهد وإن كان أخف من السابق إلا أنه يثير الريبة في موقف "س" من العدالة. بالنسبة للمواطنة "ص" يبدو المواطن "س" غير مهتم بها، ولا يقدم لها يد العون، وكأنه يقول: نعم، أعتقد أنك تعانين ظروفا أصعب مني، ولكنني لن أساعد في تخفيف هذه الظروف. صحيح أنني لن أقف في طريق دفاعك عن حقوقك، ولكني لن أساعدك أيضا.

 

عمليا "س" هنا يحافظ على إبقاء "ص" في حالها السيئ، لأنه لا يريد المشاركة في تحسين ظروفها للدفاع عن نفسها.

المشهد الثالث: يدافع فيه "س" عن حقوقه، وفي الوقت ذاته يكشف الامتيازات التي حصل عليها بسبب منطقته وذكوريته.

هنا، "س" لا يتحدث بلسان حاله بقدر ما يتحدث بلسان "ص" كذلك. هنا يقترب "س" من الإدراك الحقيقي لمنطق المساواة الضروري لتحقيق العدالة.

التحليل السابق يقوم على فكرة أساسية، وهي أن الجور الذي يقع على فرد أو جماعة، هو في الوقت ذاته امتياز يتحقق لأفراد أو جماعات أخرى.

 

مثلا حرمان فئة معينة من اعتلاء مناصب معينة، يعني رفع فرص فئة أخرى في الحصول على تلك المناصب. العدالة فرصتها أكبر حين نمسك بطرفي المشهد. الفرصة أكبر حين يتحدث المستفيد عن الامتيازات غير العادلة، لأنه بذلك يعطي شهادة من الصعب التشكيك فيها، وفي الوقت ذاته يعلن أن هذه التقسيمات غير العادلة لم تمنعه من رؤية الأمور من منظار الأقل نفعا في المجتمع. أو باختصار، المواطن "س" في المشهد الثالث يخبرنا أنه تجاوز أنانيته، وهذا هو لب الأخلاق والعدالة.

 

 

صحيفة الوطن

أضيف بتاريخ :2016/03/16

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد