آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمود البازي
عن الكاتب :
دكتوراة في القانون الخاص وعضو في كرسي حقوق الإنسان

قراءة مختلفة لوصول ناقلات النفط الإيرانية إلى فنزويلا.. من الرسائل المتعددة إلى الصفعات التي تلقاها ترامب

 

د. محمود البازي

في افتتاحية مثيرة للإعجاب وكلمات منتقاة بعناية نشرت رأي اليوم ما يلي: “لا نَعرِف ما هو شُعور الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب وهو يُتابع وصول أوّل ناقلة نفط إيرانيّة إلى أحد الموانِئ الفنزويليّة في تحدٍّ قويٍّ لتهديداته، وكسرٍ للحِصار الظّالم التّجويعي الذي يَفرِضه على فنزويلا، ولكنّنا نعرف جيّدًا أنّه شُعورُ المهزوم الذّليل الذي فَشِلَت تهديداته باحتِجاز هذه السّفينة”.
وبعد يومين ها هي السفينة الثالثة تقترب من المياه الفنزويلية وتشق طريقها إلى الشعب الجائع، بعد قطع آلاف الكيلومترات، متحدية العنجهية الأمريكية وضاربة بالتهديدات الأمريكية عرض الحائط.
عزيزي القارئ لم ولن أُنصّب نفسي يوماً مدافعاً عن الديكتاتوريات أينما كانت، ف”مادورو” ارتكب العديد من الأخطاء ولكن نصيب هذه الأخطاء يعتبر ضئيلاً بالمقارنة بالحصار الخانق الذي مارسته الولايات المتحدة ضد فنزويلا وتجويع شعبها. ولعلنا نحن المدافعين عن الديمقراطية الليبرالية الداعية إلى احترام الحرية والعدل والمساواة، بدأنا نشكك بمدى تطبيق الدول لهذا النظام العصري الحديث الذي وصفه “تشرشل” ذات يوم بأنه: “إن الديمقراطية هي أسوأ أشكال الحكم، باستثناء كل الاشكال الآخرى التي تم تجربتها”. أي أن الديمقراطية هي أفضل ما تمّ تجربته وهي نظام على الرغم من وجود بعض الأخطاء فيه إلا أنه أفضل ما توصلنا إليه.
عزيزي القارئ إن تشكيكنا، هو تجاه الدول التي تدّعي الديمقراطية اليوم، وليس النظام الديمقراطي بحد ذاته. فالولايات المتحدة ونظامها الإنتخابي تجاهل عدد الأصوات الإنتخابية الشعبية التي انتخبت “هيلاري كلينتون” واعتمد على فوز “ترامب” في المجمع الإنتخابي. هذا التطبيق الفاشل والإعتماد على الحملات الإنتخابية التي تنفق ملايين الدولارات سمحت لرجل انتهازي لا مبالي وعنصري كترامب بالوصول إلى البيت الأبيض. وسمح بأن يضع مصير ملايين الأرواح ليس فقط في الولايات المتحدة وإنما حول العالم بيد الرئيس المتهور، وفتح المجال أمام ظهور شعبويين حمقى حول العالم لعل أبرزهم رئيس البرازيل “بوليسارو” صديق ترامب.
نعم عزيزي القارئ يتلقى ترامب صفعات موجعة من دول تفاضل بين الجوع والإستقلال. ولعل هذه الصفعات التي تلقاها ترامب دفعت به إلى الذهاب إلى منتجعه الخاص للعب الغولف (من باب التهكم فقط) في الوقت الذي تنشر فيه النيويورك تايمز أسماء قتلى الكورونا على صفحتها الأولى وقد تجاوزت هذه الأرقام المائة ألف قتيل. ولا نعلم حقيقةً إلى أي منتجع سيلجأ ترامب، وأي لعبة سيمارس، عند وصول ناقلة النفط الإيرانية الخامسة إلى فنزويلا؟
راودني سؤال مهم للغاية وهو: هل حقا ستحل خمس ناقلات نفط إيرانية أزمة فنزويلا وإيران معاً؟ وهل كانت نية القيادة الإيرانية فقط إرسال النفط إلى هناك؟
نعم، قد تحل خمس ناقلات نفط مشكلة صغيرة من مشاكل فنزويلا، ولكن يبدو بأنه علينا استشفاف الأهداف الخفية من وراء إرسال هذه الشحنات. يبدو أن القيادة في إيران كانت تود أن ترسل رسائل متعددة إلى العدو وأنصاف العدو والصديق. فرسائلها إلى العدو تتلخص في أن إيران لن تجلس مرة أخرى على طاولة مفاوضات تركها ترامب “تعسفيا”. وبأن سياسة العقوبات بالحد الأقصى التي تمارسها الولايات المتحدة ضد إيران والتي لم تؤدي إلّا بالإضرار بالمواطن الإيراني وإفقاره وتركه وحيدا وحكومته أمام “فيروس كورونا”، لم تفلح خلال أربعين عام مضت، ولن تفلح خلال أربعين عاما قادمة. لقد قدمت هذه الخطوة نموذجا جديداً من التعاون بين بلدان تتعرض لعقوبات قاسية. نموذجا من شأنه كسر الهيمنة والغطرسة الأمريكية لا بل وأبعد من ذلك كسر فرضية القطب الواحد التي كانت تمارسها الولايات المتحدة ضد العدو والصديق.
رسائل آخرى خفية أرسلتها هذه الشحنات إلى الأصدقاء وهي بأن إيران لا تزال لاعباً محوريا في المنطقة ولا يزال في يدها أوراق يمكن لعبها. وأمّا الرسائل لأنصاف الأعداء فيبدو بأن اللبيب من الإشارة يفهم، بحيث تبدو الرسائل بأن إيران المحاصرة اقتصاديا لم يفلح معها أسلوب “تحريض ترامب” على الخروج من الإتفاق النووي وفرض العقوبات عليها وتهديدها عسكريا. وأنها ما تزال قوة إقليمية فاعلة تستطيع أن ترسل ناقلات نفطها عبر آلاف الكيلومترات وتهدد من يقترب من هذه الشحنات. وأنها لا تزال تمتلك قوة تمكنها من التحكم بمضيق هرمز وأن أفضل الطرق للتواصل معها هو الحوار وليس القوة.
عزيزي القارئ لم ننصب أنفسنا مدافعين عن إيران أو غيرها. فأنا عربي الأًصل واللغة والمنبت والثقافة وكل شيء. ولدينا في جعبتنا انتقادات ضد إيران. ولكن ما يدفعنا لكتابة هذه الكلمات هو الخنوع العربي أمام “بلطجة” ترامب، وسياسات الولايات المتحدة التي لم تجلب للمنطقة سوى الدمار والقتل. ما علينا سوى النظر حولنا في أفغانستان، العراق، سوريا، اليمن وفلسطين …إلخ.

بحيث سنجد آثار السياسات الأمريكية هناك.
أخيراً، لم تكن هذه المرة الأولى التي تقف فيها إيران أو فنزويلا أو تركيا أو غيرها من الدول وجها لوجه أمام الرغبات الأمريكية وتنتصر عليها. وما نصبو إليه هو أن تستطيع هذه الدول التعاون فيما بينها لكسر هذا الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة ضد شعوبنا. وستخرج منتصرة بالتأكيد مثلما حدث خلال التعاون الإيراني-الفنزولّي.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2020/05/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد