آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طلال عبد الكريم العرب
عن الكاتب :
كاتب كويتي

ماذا فعلوا بك يا نفط الكويت؟


طلال عبد الكريم العرب ..

كانت شركة نفط الكويت أحد الأمثلة للأداء المنتج والالتزام بالعمل، كانت الكفاءة هي المعيار لتسلم العمل، كان قطاع الإنتاج تحديدا من أكثر القطاعات همة ونشاطا وكفاءة، أتعلمون أنه كان يكفي خمسة أشخاص لأن يديروا ثلاثة مراكز تجمع، أتعلمون كم عدد من يدير كل ثلاثة مراكز في أيامنا هذه؟ أنهم بالمئات، جيوش من الموظفين وعمال أغلبهم بنغاليون.

كان الالتزام بأوقات الدوام مقدسا، وكان الدوام الرسمي العادي في الحقول يبدأ من الساعة السابعة صباحا وحتى الثالثة عصرا، أتعلمون أن رؤساء وأعضاء مجالس الإدارة يأتون إلى مكاتبهم قبل السابعة صباحا ولا يعودون إلى بيوتهم إلا في وقت متأخر من يومهم، وكذلك كان يفعل المديرون ومن يليهم ومن يليهم ومن يليهم، فالناس على دين ملوكهم، أما في أيامنا هذه فيكفي أن تقرأوا مغزى التهديد الموجه لنقابة العاملين في النفط، والقاضي ببدء ضبط الدوام ورفض الاعتراف بالإجازات التمارضية الصادرة من غير مستشفى الأحمدي، وهذا يعني أن الكل يعلم بالتسيب وكثرة الإجازات التمارضية من دون أي جزاءات إدارية.

بدأ التدهور في الجسم الوظيفي والأداء النفطي في السنوات اللاحقة؛ عندما قامت الإدارة العليا لشركة نفط الكويت بالاتفاق مع نقابة العاملين فيها على إلغاء الوظائف الدنيا في مراكز التجمع، وإلغاء تسمية عامل، وكأنها وصمة عار وليس شرف مهنة، فتم إلغاء أهم لبنات العمل الوظيفي للشباب الكويتي في الإنتاج، وهي عامل قارئ العدادات في المراكز وعامل فحص آبار النفط في الحقول، وكانوا هم من يعرفون خفايا المراكز والحقول ومواقعها، وتحول الجميع إلى موظفين، أما المشغلون والمراقبون والمشرفون فقد تم رفع درجاتهم أيضا، المشكلة لم تنته هنا، ويا ليتها فعلت، بدأنا نسمع بأن هناك من يستنكف عن أداء واجباته الأصلية، فهو الآن موظف، فبدأ البعض بالاستعانة بالعمال البنغال للقيام بالأعمال بدلا عنهم، وهنا الكارثة.

تزامن مع ذلك إلغاء وظائف إدارية رئيسية ودمجها مع بعضها، تبعها ترقيات سريعة وجنونية شملت كل القطاعات النفطية، وكانت في معظمها تنفيعية، وعندها بدأت تظهر مشكلة جديدة، فبعض المديرين الجدد وبعض رؤساء المجموعات لم يكونوا على مستوى المسؤولية ولا الكفاءة الإدارية والعملياتية، حتى أن بعضهم لم يصدق أنه وصل إلى ما وصل إليه بهذه السهولة والسرعة، وتحولت شركة نفط الكويت من شركة عمليات إنتاج وتصدير إلى شركة كبار موظفين، بعد أن أصبح %77 من موظفيها من «السينير ستاف»، أي موظفون متقدمون.

الكارثة لم تنته هنا، فقد جاء في غفلة من الزمن وزير نفط وقام بمبادرة شخصية منه إلى رفع أسقف الرواتب إلى حد لا يصدقه العقل ولا يعادل الجهد المقابل له، ربما لإرضاء جماعته ومن ينتمي إليهم، ما أثار انتقادات واسعة، فكان تبريره بأن الأموال لن تسحب من الميزانية العامة، وقتها ضحك الجميع وضربوا كفا بكفٍ، وكان على مجلس الوزراء أن يرفض القرار، ويا ليته فعل.

الآن نقابة نفط الكويت تهدد بالإضراب مدعية الحماية لمكتسباتها، وهي مكتسبات أتت في غفلة من الحكومة والزمن، ولكن من يتحمل خطأ ما حصل؟ من يتحمل ما حصل لشركة نفط الكويت تحديدا؟ وكيف وصل بها الأمر إلى هذا الوضع المعقد؟ فهناك مشكلة عويصة حقيقية، هناك من لا يريد أن تقوم الحكومة باجراءات تحد من التبذير والهدر في الأموال، وهناك جهة لا تريد أن تخسر أو تضحي بما حصلت عليه، وهناك جهات لا تريد الخير للكويت، وهناك من يريد الاستفادة من هذه الأزمة المتجددة، وهناك إشكالية لم يحسب حسابها؛ وهي أن كل القيادات النفطية ستتأثر من تلك الإجراءات، وهنا الحر بالإشارة يفهم، النقابة تهددنا كمواطنين، فهي تبشرنا بخسائر مادية كبيرة يوميا، فنحن المتضررون من الإضراب وليس الحكومة، والحكومة والنقابة والمجلس هم سبب كل ما يحصل.

أتعلمون بأن التهديد بالإضرابات النفطية هو ببساطة تهديد بحرب على مقدرات الشعب الكويتي في لقمة عيشه ومائه وكهربائه، ويعني توقف وسائل المواصلات في دولة الكويت؟ أنه أسوأ مما يتخيله الشعب، انه ضرر على الكويت يجب منعه، توقف إنتاج النفط، ونضوب المخزون من المنتجات يعني توقف محطات الماء والكهرباء، وإذا ما استنفد المخزون المائي الاستراتيجي فمعناه أن لا ماء يروي عطشنا.

السوق النفطي متخم بالنفوط وتوقف تصدير الإنتاج النفطي الكويتي يعني خسارة سوقها مع العالم الخارجي، فمن سيسأل ومن سيهتم عن توقف الإنتاج الكويتي؟ فالمنتجون الآخرون سيكونون في غاية السعادة لهذه الهدية القادمة إليهم من نقابات الكويت البطلة، فالكل سيتسابق لسد ما خسرته الكويت.

هناك من يريد تركيع الكويت وخنقها، فهل هي مؤامرة أم هي حقوق عمالية مستحقة أم يعود الأمر لخطأ كارثي ارتكبته الحكومات الكويتية السابقة واللاحقة؟!

جريدة القبس الكويتية

أضيف بتاريخ :2016/04/17

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد