آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد سيد رصاص
عن الكاتب :
كاتب سوري

تناقص وزن «إسرائيل»


 محمد سيد رصاص

في شهر شباط/ فبراير 1956 نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» التقرير السري الذي ألقاه الأمين العام الأول للحزب الشيوعي السوفياتي نيكيتا خروتشوف في المؤتمر العشرين للحزب الذي انعقد في الشهر المذكور وانتقد فيه نزعة عبادة الفرد عند ستالين. كان مفاجئاً هذا النشر للشيوعيين السوفيات ومحرجاً، حيث أحاطت عملية إلقاء التقرير أجواء من السرية والتكتم، وصلت إلى حد الطلب من ضيوف المؤتمر من الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية الخروج من قاعة المؤتمر. في ما بعد، تبين بأن جهاز المخابرات الإسرائيلي(الموساد)هو الذي سرّب التقرير لألان دالاس رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وأن (الموساد)قد حصل عليه من أحد أعضاء المؤتمر من اليهود السوفيات. وفعلاً، مع نهاية الحرب الباردة بين الأميركيين والسوفيات في عام 1989 تكشّف بأن (الموساد) كان مصدر المعلومات الرئيسي للأميركيين عن الاتحاد السوفياتي وعن دول حلف وارسو.


هنا، يمكن الرجوع إلى الوراء، لتبيان أن وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين كان مرتبطاً عند لندن بإقامة كيان وظيفي يفصل بلاد الشام عن وادي النيل، حيث كان اجتماعهما مع بلاد الرافدين مصدر قوة ونهوض للمنطقة، وفي الوقت نفسه يحمي هذا الكيان قناة السويس التي اكتمل انشاؤها عام 1869وكان وجودها سبباً في السيطرة البريطانية على مصر عام 1882. في هذا المجال يجب تذكّر أن «إسرائيل» كانت قلب هجوم حرب السويس عام 1956ثم تبعتها بعد أيام بريطانيا وفرنسا، وكانت مكافأة «إسرائيل» على دورها الوظيفي في تلك الحرب هو مفاعل ديمونا النووي. عندما نقلت تل أبيب تحالفها إلى الشاطئ الأميركي من الأطلسي في عام1964مع غروب القوة الأوروبية، بعد سنة من استقالة دافيد بن غوريون من رئاسة الحكومة الإسرائيلية، فإن أول دور وظيفي قامت به «إسرائيل» لمصلحة الأميركيين كان ضرب مصر في حرب 1967، وكانت مكافأتها الضفة الغربية ومرتفعات الجولان، ثم أتبعت هذا الدور الوظيفي عند واشنطن بعمليتَي ضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981 وإخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان عام 1982.
مع انتهاء الحرب الباردة قال ياسر عرفات العبارة التالية: «إسرائيل» حاملة طائرات أميركية، وقد انتهى دورها». يلفت النظر في هذا المجال، إلى كون أول حرب في منطقة الشرق الأوسط في فترة ما بعد الحرب الباردة هي حرب 1991 التي أتت واشنطن إلى المنطقة مباشرة من «أجل اقتلاع شوكها بيديها» من دون استخدام الوكيل الوظيفي الإسرائيلي، الذي فرضت عليه واشنطن عدم المشاركة من أجل أن لا يفسد اشتراكه طبخة التحالف الدولي ـــ العربي ضد العراق، وفرضت عليه عدم الرد على الصواريخ العراقية الموجهة إلى «إسرائيل»، وكلا الأمرين قد أعلنا مقدار تناقص وزن «إسرائيل» عند المشغّل الأميركي، من حيث إن الأول يقول بانتهاء الدور الوظيفي الإسرائيلي كوكيل للأميركي والثاني يقول بأن «إسرائيل» يحميها الحامي الأميركي من خلال صواريخ الباتريوت التي نصبها الأميركيون هناك وليس السلاح الاسرائيلي. على هذا الصعيد ، يلاحظ في الأعوام الثلاثين على انتهاء الحرب الباردة، أن «إسرائيل» شنّت خمسة حروب، واحدة في لبنان 2006، وأربعة في غزة 2008 – 2009 و2012 و2014 و2021، ولم تنجح «إسرائيل» في الانتصار فيها جميعاً. بعد حرب 2006قال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشي أرينز التالي: «عندما يفشل جيش نظامي أمام قوة غير نظامية في تحقيق أهدافه، فإن هذا يُعتبر هزيمة له» .
هنا، يمكن تلمّس إحساس إسرئيلي عام بتناقص وزن «إسرائيل» والتسليم به، من خلال مؤشر مثل إقامة (السور الواقي ـــ العازل)الذي أقامه شارون عام 2005 للفصل بين حدود دولة «إسرائيل» وباقي الضفة الغربية، وهو ما أتبعه بانسحاب أحادي من قطاع غزة، وهو ما يعني التسليم بوضعية القلعة المعزولة والمحاصرة عند شخص كان يقول بـ «إسرائيل» الكبرى وله قول في عام 1981 عندما كان وزيراً للدفاع بأن «ذراع اسرئيل تمتد من باكستان إلى المغرب». هناك ذعر في «إسرائيل» يمكن تلمّسه الآن بعد حرب غزة الأخيرة بأن عرب 1948قد تصرفوا في تلك الحرب كفلسطينيين وليس كـ«إسرائيلـ»ـيين من حاملي الجنسية، ويمكن لهذا السبب أن نفتالي بينيت ويائير لابيد سارعا إلى استقطاب منصور عباس في الائتلاف الحكومي الجديد لإثبات العكس، مع العلم بأن منصور عباس وقائمته لا يمثلان أكثر من حالة شاذة داخل جسم عرب 1948، وهما يفكران في خدمات لمناطقهما في النقب وليس بالسياسة. هناك بداية نظرة سلبية إلى«إسرائيل» في أوروبا الغربية والولايات المتحدة ما زالت جنينية عند المجتمعات هناك ولكنها قابلة للنمو السريع. هناك ذعر إسرائيلي من مصير شبيه بمصير الصرب في يوغسلافيا ومصير البيض في دولة الفصل العنصري بجنوب أفريقيا.

هناك رؤية إسرائيلية للحصيلة الصفرية لعملية التطبيع التي بدأت مع السادات أواخر السبعينيات والتي يدرك الإسرائيليون فشلها الذريع ما دامت تطبيعاً ليس مع الحاكم أو بعض»مثقفين» وإنما مع المواطن العادي، الذي لمس السائح الإسرائيلي مقدار العداء له في شوارع القاهرة وعمّان والرباط.
كتكثيف: لم تدرك الأنظمة العربية التي ذهبت إلى مؤتمر مدريد أواخر شهر تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1991 مقدار الفخ المعنوي الذي نُصب لها عندما اختير مكان للمؤتمر في الذكرى الخمسمئة لسقوط آخر المعاقل العربية هناك. كان يراد القول بأنكم تأتون إلى مكان هزيمتكم وفي ذكراها الخمسمئة لكي تعقدوا مؤتمراً هناك مع عدوكم. بالطبع لم ينتبه «المثقفون»العرب إلى ذلك أيضاً، وهم، بغالبيتهم، من أسوأ وأردأ أنواع المثقفين وأقلّهم مستوى عند أية أمة من الأمم المعاصرة. كان يراد تشريب العرب هذه الكأس في تلك الأرض التي كان اسمها الأندلس. الآن يشعر الإسرائيلي بأن مصيره يمكن أن يكون مثل شعور ومصير أهل غرناطة في أواخر عام1491 حتى سقوط مدينتهم في 2 كانون الثاني / يناير 1492، أو شعور ومصير الصليبيين في عكا عند سقوطها كآخر معقل للصليبيين في 18 أيار / مايو 1291 بعد احتلال للمدينة استغرق مئة عام.

صحيفة الأخبار اللبنانية

أضيف بتاريخ :2021/06/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد