التقارير

تقرير خاص: #علي_النمر .. من الطفولة للشباب بين أقبية السجون

 

تصف والدته المنزل بعده بالمظلم الذي لا بهجة فيه،.. هو شعور أمٍّ سُلبت فلذة كبدها ليسجن خلف القضبان..، وفي مشهد آخر لا يقلُّ تأثيرًا يتحدّث الأب كيف أنّ طفله المحكوم ب "حد الحرابة" سأله في اتصال هاتفي من السجن "بابا إيش يعني حد الحرابة؟".

 

 اعتقال وحشي في ظلمة الليل

هذا الطفل الذي صار شابًا خلف قضبان السجن، هو علي محمد النمر، ابن أخ الشيخ الشهيد نمر باقر النمر، يقول الوالد أنّ علي اعتقل ليلًا، حيث تمّ دهسه بسيارة سوداء، و أُخذ بعدها، ولم يكن قد صدر بحقه أيّ مذكرة اعتقال ..كان ذلك في 15فبراير 2012،  ولم يكن علي وقتها قد تجاوز السابعة عشر من عمره..

 

معاناة التعذيب وتلفيق التهم

عمدت السلطات إلى تغييبه لمدة ستة أشهر، انتزعت منه خلال هذه المدة اعترافات تحت التعذيب، تقول والدة علي أنّ المحقق كتب الاعترافات بخط يده واجبر علي على أن يبصم عليها، ومن المضحك المبكي أنّه عند المحاكمة، كان المدعي العام يقول إنّ خط علي سيء، وهو يحاول قراءة ما كُتب من افتراءات،   ولم يُسمح لعلي خلال الستة أشهر بلقاء ولي أمره، أو محاميه.

بعدها أُخذ علي إلى دار الملاحظة لأنّه لم يبلغ السن القانوني، وظلّ فترة طويلة بالسجن الانفرادي، ولم يُسمح له بتلقي العلاج مما تسببت له به عملية الدهس والتعذيب من أضرا ر جسدية.

 

وبحسب والدته فإن علي "تعرض للضرب والصفع والتعذيب النفسي والجسدي والكذب والتضليل والخداع وبعد التحقيق نقل لسجن انفرادي ومنعت عنه الزيارة

طبعا استمر السجن الانفرادي عدة أشهر لإخفاء  آثار التعذيب التورم في الوجه والكدمات في أنحاء الجسم، أكثر من شهر كان يتبول دما".

 

محاكمة تفتقر لشروط المحاكمات العادلة

كل ذلك كان تمهيدًا لمحاكمة صورية، معدة لها الافتراءات، و حكم جاهز  لايحتاج لاستئناف إنما يحتاج أن يبلغ علي سن البلوغ القانوني!.

لم يُسمح لمحاميه بلقائه لتقديم الرد على التهم المنسوبة له، والتي وصفها والده ب"الجوفاء"، كان القاضي منحازًا للمدعي العام بحسب الوالد، ..كما ويذكر والد علي أنه حين قال المحامي للقاضي بأنه لم يُمكّن من لقاء موكّله ردّ عليه  القاضي.." أنا لا دخل لي لديكم للجلسة القادمة إذا لم تحضروا الرد فإنّكم ناكلون١".

 

الحكم بالإعدام يخالف الاتفاقيات الدولية التي وقعتها المملكة

وهكذا إلى أن حُكِم على علي بحد الحرابة، الأمر الذي شكّل صدمة لوالديه و أهله.

وفي تصريح لأحد المطلعين على قضية علي النمر لصحيفة "خبير" يقول بإنّ ما نُسب لعلي من تهم جميعها تهم عامة، ليس فيها حق خاص، وليس هناك ذنب في رقبته لأحد، إذ لم يدعي عليه أحد بقتل  أو جرح، وأن هذه التهم في حال ثبوتها تكون قد صدرت منه وهو طفل دون سن البلوغ.

وجاء في تقرير هيومن رايتس ووتش حول قضية علي النمر بأنّ " اتفاقية حقوق الطفل، التي انضمت إليها السعودية في 1996، تحظر عقوبة الإعدام للأطفال في جميع الأحوال (المادة 37(أ)). تنص الاتفاقية على عدد من الحقوق الهامة للطفل المتهم بارتكاب جريمة، منها الحق في إعداد دفاع مناسب مع "مساعدة قانونية أو غيرها من المساعدة الملائمة" (المادة 40-2)، والحق في "قيام سلطة أو هيئة قضائية مختصة ومستقلة ونزيهة بالفصل في دعواه دون تأخير في محاكمة عادلة وفقا للقانون، بحضور مستشار قانوني أو بمساعدة مناسبة أخرى" بما في ذلك والديّ الطفل أو الأوصياء القانونيين عليه" (المادة 40-3)، والحق في "عدم إكراهه على الإدلاء بشهادة أو الاعتراف بالذنب" (المادة 40-4). يبدو أن السلطات السعودية انتهكت هذه الالتزامات في قضية النمر".

 

قضية علي تلقى صدى واسع على المستوى الدولي

ورغم أنّ قضية علي لاقت صدًى واسعًا في العالم الغربي، و حصدت الكثير من المتضامنين من مختلف دول العالم، والمطالبين بإلغاء حكم الإعدام الصادر بحقه لاعتبارات إنسانية ولكونه لم يحظى بمحاكمة عادلة ..إلا أنّ السلطات لم تُبدِ أي بوادر لإطلاق سراحه، أو حتى تخفيف الحكم الصادر بحقه..

 

الإعدام لعلي نكاية بعمه أم شيطنة للحراك

ويذكُر والد علي في أحد المقابلات التي أُجريت معه بأن اعتقال علي و الحكم عليه بحد الحرابة إنّما هو نكاية بعمه الشيخ الشهيد نمر باقر النمر ..

كان هذا الحديث لـ والد علي قبل تنفيذ حكم القتل بحق الشيخ الشهيد ..وهذا مايدفع للتساؤل.. ما الذي ترمي إليه السلطات من الإصرار على الاحتفاظ بعلي وعدم إلغاء حد الحرابة عنه؟.

 وهل تنوي استخدام قضية علي وقضايا الشباب الآخرين كأوراق سياسية، تضغط بها على هذه الجهة أو تلك؟ كما فعلت في قضية الشيخ الشهيد الذي لم تتوانى عن قتله بُغية في الانتقام من خصومها السياسيين، في الداخل والخارج، و محاولة لافتعال فتنة طائفية، تحرف بها الأنظار عن مطالب المتظاهرين من أبناء الشعب.

وبحسب المصدر نفسه  لـ"خبير" يقول حول حكم الإعدام الذي صدر بحق علي وشابين آخرين من القطيف "أعتقد أنّ المستهدف من هذا كله، أي  الحكم على الشباب الثلاثة، ومن قبلهم إعدام الشيخ النمر، والشباب الثلاثة معه، هو شيطنة القطيف، والعوامية خصوصًا، وإبراز الملف المطلبي للشيعة في السعودية بأنه مشكلة في العوامية وهذا ما نرفضه".

 

فؤاد أم علي بين الألم والذكريات

...إنّ الآهات الحرّى لأمِّ علي، التي تقول أنّها تلتفت يمينًا وشمالًا في المنزل، وتنظر للسلّم تترقب نزوله وتحن لسماع أحاديثه المؤنسة، لن تبرح تلك الآهات أولئك الجالسين على عروش الظلم، يصدرون أحكام الإعدام بالجملة والمفرق على أبناء الشعب، المطالب بأبسط حقوق المواطنة والعيش الكريم..سوف تحرقهم تلك الآهات يومًا، وتحيل عروشهم إلى رماد.

 

نضال الأم لرسم طريق الحرية

أم علي، أو أم باقر، تلك الأم الصابرة لم تألو جهدًا لإبراز قضية علي، فهي تحاول رسم طريق للحرية لولدها، عبر البوح، والتفاعل مع المتضامنين معه، تعيد نشر ما يكتبون، وتبدي امتنانها بكل حب يفيض به عليها شوقها ولهفتها لابنها .

 

علي يلهم الفنانين والمتضامنين مع قضيته

ويبقى علي ذا الابتسامة الجميلة، والعيون التي تمتزج فيها البراءة، والمرح، بسحر الثقة، والشجاعة، يلهم الكثيرين من عشاق الحرية، و محبّي الإنسانية ..فيرسمه أحد الرسامين بريشته في لوحة تجسد خروج علي حرا من خلف القضبان، وآخر يأخذ صورة علي لترافقه على متن مركب في عرض البحر، وثالث يأخذ صورة علي في رحلة سفر إلى عدة مدن وأماكن سياحية جميلة...تلك إنسانيتهم ونبلهم، وأما من حكم على علي، وعذبه، وحرمه أجمل وأحلى سنوات عمره وشبابه فهو مبغض عنصري متوحش.

 

هامش:

1. ناكل: الجبان الضعيف... المعجم الوسيط

أضيف بتاريخ :2016/06/22