آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد المنعم مصطفى
عن الكاتب :
كاتب وصحافي مصري

فض الاشتباك بين المقدس والمدنس


عبدالمنعم مصطفى ..

فض الاشتباك بين المقدس والمدنس لا أعرف بأي قلم أكتب عن جريمة الإرهاب بالحرم النبوي قبل أيام، عقب رفع أذان المغرب، وقبل إفطار الصائمين، هل أكتب بقلم مسلم، أم بقلم عربي، أم بقلم إنسان؟!..

صدمتي فيما جرى تتجاوز كل حدود لأي صدمة، غضبي فوق كل حدود الغضب، لكن شعوري بالعار كمسلم، أكبر من كل هذا، فالذي ارتكب جريمة القتل في الحرم النبوي، محسوب على الإسلام، والإرهاب الذي أقدم عليه، قد جرى تغليفه باعتباره بضاعة إسلامية، والذين سقطوا ضحايا هذا الإرهاب، مسلمون، صائمون، كانوا يتأهبون لصلاة المغرب، في قدس أقداس المسلمين بالمدينة المنورة.

فالمكان مقدس، والزمان مقدس، والظرف مقدس، والضحايا أيضاً مقدسون، لكن الفعل المدنس الذي جرى استدعاؤه في حضرة المقدس، على يد جهلاء، أو عملاء، جاء في سياق أربع وعشرين ساعة مجنونة، بدأت في غرب السعودية بتفجير انتحاري في جدة، بمواقف مستشفى سليمان فَقِيه، أقدم عليه أحد دراويش الإرهاب، وتواصلت شرقاً في القطيف بتفجير استهدف مسجداً، ثم شمالاً في الحرم النبوي بالمدينة المنورة.

بعد جريمة الإرهاب في رحاب الحرم النبوي ، لم أعد استسيغ وصف البيانات الأمنية لإرهابيين يستهدفون أمن الوطن، وسلامة المواطن، ويتجرأون على أقدس مقدسات المسلمين، بأنهم « الفئة الضالة»، فهذا التوصيف يضع الإرهابي في موضع الضحية باعتباره ضالاً لا يعرف الطريق، وبأنه مفعول به وليس فاعلاً، وهذا التوصيف، يترك أثره على من يكافحون الإرهاب ويقاومون الإرهابيين ، اذ تكفي « النصيحة» لمعالجة الضلال، وتكفي « الهداية» لإرشاد الضال، لكن من يرفع السلاح في وجه الدين باستهداف المقدسات، وفي وجه الدنيا باستهداف الوطن، لا يمكن أن يكون مجرد ضال، ولا يمكن أن نعالجه بمجرد» المناصحة»، بعدما رأينا بأم أعيننا على مدى سنوات، كيف عاد بعض من نالوا جوائز المناصحة، إلى حظيرة الإرهاب، ليوغلوا في دماء الأبرياء مسلمين وغير مسلمين.

يستحق من يستهدف المقدسات، أن نضعه ونحن مطمئنون في خانة « العدو» ، ويستحق بعد ذلك أن ينال من الوطن ما يليق بأمثاله من عقاب، دون هوادة.

جرائم الإرهاب، التي لم تستثنِ شيخاً أو طفلاً أو امرأة أو مسجداً أو مستشفى، تستحق أن يعاقب من ارتكبوها ومن حرضوا عليها بالقول أو شاركوا فيها بالفعل أو حتى بالصمت، فكل من سكت عن إدانة صريحة للإرهاب، ليس مجرد ضال ، وكل من شارك في جريمة إرهاب تستهدف المقدسات والوطن والإنسان، هو إرهابي، لا تجوز معالجته بالنصيحة، أما إن كان ما يشغل فكر المعنيين بمكافحة الإرهاب، هو إغلاق المراكز الفكرية لتفريخ الإرهابيين، فإن الوسيلة يجب أن تكون محققة للغاية المتوخاة منها.

نشر ثقافة حب الله، يكفي جداً لمحاصرة فكر الإرهاب، نشر ثقافة حب الحياة، تكفي جداً لمحاصرة الإرهاب، تدريب وتعليم أطفالنا في المدارس على تقديس الحياة، يكفي جداً لمحاصرة فكر اعتبر الانتحار أقصر طريق إلى الجنة نشر قيم الجمال في البيئة ،يكفي لمحاصرة فكر الإرهاب رعاية الثقافة والفنون، واحترام حرية الإبداع يكفي جداً لمحاربة الإرهاب.

كل ما سبق، هو استباقي، لا يسمح بتربة حاضنة لفكر أعوج، يتقرب إلى الله بقتل المؤمنين به، الساجدين في رحابه، أما من انتقل من دائرة الفكر الأعوج، إلى دائرة الفعل الأعوج، فلا تقويم له بغير سيف العدالة يقتص منه، ليكون قد خسر الدين والدنيا معاً.

بعدما طالت يد الإرهاب قدس أقداسنا في المدينة المنورة، لا يتسع المجال لمناصحة إرهابي، ولا لمهادنة فكر، ظن في المناصحة ضعفاً، كفانا حديثاً عن الفئة الضالة ، ففي هذا الحديث إنكار لوجود الإرهاب بحاضنيه وبحواضنه، تعالوا نتحدث عن الإرهاب باسمه . فلا بديل عن المواجهة بعدما طالت يد الإرهاب قدس أقداسنا في الحرم النبوي...

تباً لإرهاب استباح مقدساتنا.. ولا لمعالجات تسمح بالالتباس حوله، ولا تستأصله... تخلصوا من العقاقير، وزجوا بالإرهاب في غرف الاستئصال الجراحي.

صحيفة المدينة

أضيف بتاريخ :2016/07/08