آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سلمان سالم
عن الكاتب :
نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

الإرهاب... هل استطاع إبعاد الأمة العربية والإسلامية عن القضية الفلسطينية؟!

 

سلمان سالم ..

 علامات استفهام كبيرة تدور في أذهان الكثيرين من المفكرين والمثقفين العرب والمسلمين، وفي مقدمة تلك الاستفهامات هي، هل تمكن الإرهاب البغيض بتفجيراته المدمرة للحضارة الإنسانية، وقتل الأبرياء، وهتك الأعراض، وسلب الأموال إشغال العالمين العربي والإسلامي عن القضية الفلسطينية؟ وهل استطاع إبعادهما مسافات طويلة عن قضيتهما الأساسية ألا وهي تحرير القدس من أيدي الكيان الصهيوني؟ وهل هناك تنسيق وتعاون غير معلن بين الصهاينة والإرهاب في إشغال العرب والمسلمين بالفتن والصراعات الداخلية، الدينية والطائفية والمذهبية، لإلهاء الشعوب العربية والمسلمة في خلافات مصطنعة وقاتلة للهوية الإسلامية، التي لها أول ولكن ليس لها آخر؟

 

من الواضح أن القضية الفلسطينية قد غابت بنسبة معينة عن الثقافة العربية والإسلامية، ولم تعد من أولوياتها في السنوات الأخيرة، فالمتأمل لكل ما يحدث من تدمير وتقتيل في العالمين العربي والإسلامي باسم الإسلام، يجد أن هناك مخططات رهيبة لتشويه الإسلام في عيون الشعوب الغربية، وأن الصهيونية العالمية، إن لم تكن وراء هذه المخططات بكل تفاصيلها، لم تكن بعيدة عنها، لا يختلف أحد من العقلاء في نعت ما يحدثه الإرهاب، القاتل للنفس المحترمة، بكل أنواعه، وتصنيفاته، وتشكيلاته في مجتمعاتنا العربية والإسلامية من تخريب في العلاقات الإنسانية والاجتماعية، ورفض التعايش والتسامح والتآلف والتكافل والتعاون بين مختلف فئاتها وطوائفها ومذاهبها، إنه ظاهرة سلبية خطيرة ومدمرة لكل أسباب الحياة في وقتنا الحاضر.

 

لقد نجح الإرهاب والدوائر الصهيونية العالمية في خمس السنوات الأخيرة، وبنسبة كبيرة في إبعاد الأمتين العربية والإسلامية عن قضيتهم الفلسطينية، وجدانيا وواقعيا وإعلاميا، اللتين كانتا قبل سنوات قليلة يتغنيان بقضيتهما المركزية في إعلامهما ومحافلهما، ومنتدياتهما السياسية والثقافية والإجتماعية على أقل تقدير، أليس الشعب الفلسطيني الأبي مازال يقاسي الاحتلال الصهيوني، وسوء الأحوال الاقتصادية والسياسية والأمنية التي يحاصره بها الكيان الغاصب في كل زوايا الحياة؟ لم يعش الوطن العربي والإسلامي طوال 68 عاما، بعيدا عن قضيته المحورية، إلا في السنوات الخمس الأخيرة ، لقد خلف الإرهاب العنيف مئات الألوف من الضحايا في صفوف العرب والمسلمين وغيرهم من الغربيين، فالإرهاب بعناوينه الإسلامية قد أراح الكيان الصهيوني كثيرا، وأعطاه مبررات جاهزة لتشوية الإسلام في العالم الغربي، حتى أصبحت بعض الشعوب الأوروبية توصم كل مسلم بالإرهاب، ما جعل بعض الدول الغربية تتعامل مع المسلمين بحذر شديد، ولا يستثنون أحدا منهم من الإساءة اللفظية والعملية، وفي بعض الدول الأوروبية يخاف المسلم من الانتقام إذا ما فجر الإرهاب سياراته المفخخة وعبواته الناسفة في أية دولة أوروبية.

 

فالصهيونية العالمية لعبت دورا كبيرا، وبذلت جهودا مضنية، وأموالا طائلة في سبيل ربط الإرهاب بالإسلام، واستطاعت الإستيلاء على الكثير من عقول الشعوب الغربية، وجعلها تنساق بلا تحقيق وراء هذه الفرية المصطنعة على الإسلام والمسلمين، بعد أن كانت منفتحة على تعاليم الإسلام بكل جوانحها ووجدانها الإنساني، والدليل دخول الكثير منها إلى الإسلام بعد قناعتهم بسماحته ورأفته ورحمته ومنطقيته وعقلانيته واستيعابه لكل الناس، من دون تمييز.

 

لابد أن يبحث العلماء والمفكرون والمثقفون العرب والمسلمون بجدية في بواعث الإرهاب وأصوله، الذي اجتاح مختلف بقاع العالم بهذه السرعة التي فاقت كل التوقعات، والبدء في وضع برامج محكمة، للتقليل من تأثيراته على عقول ومشاعر الشباب خصوصاً، والعمل على تنفيذها بآليات ووسائل وأساليب متطورة جدا، تتناسب وحجم الإمكانيات التقنية والتكنولوجية والإعلامية والاقتصادية الكبيرة المتاحة للإرهاب، لقد ثبت أن الوسائل البالية والخطب الرتيبة، التي أكل عليها الدهر وشرب لا تنفع في معالجة هذه الآفة الخطيرة التي تستهوي الكثير من الشباب العربي والمسلم ببهارجها وزخارفها البراقة.

 

غياب الكثير من المؤسسات الدينية عن تلبية احتياجات الشباب الفكرية والثقافية، ساهم بشكل غير مباشر في نماء وانتشار الأفكار والثقافات المخالفة لروح الإسلام في أوساط الصغار والشباب والرجال، والمتابعون لهذه الظاهرة العنيفة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يؤكدون أنها ليست وليدة هذه اللحظة، وإنما كانت تعمل على التغلغل والتمدد فكريا وثقافيا منذ زمن بعيد، ويقولون إن ما نراه هذه الأيام ما هو إلا حصاد تلك السنوات الطويلة، لا ريب أن ظهورها بهذه الصورة السريعة والرهيبة لم يكن صدفة، كان ضمن مخطط كبير، لقد سبق ظهوره صناعة الفرص المناسبة، التي تضمن له سرعة الاجتياح والانتشار في الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية والإنسانية، فالحواضن والتمويل الاقتصادي والإعلامي جميعها كانت تراها أسباباً مهمة لظهورها وتحركها بقوة فائقة.

 

لم يكتب لها الظهور والتغلغل والانتشار والتأثير النفسي والمعنوي في الكثير من الشباب العربي والمسلم، لولا وجود تلك العوامل الأربعة التي ذكرناها آنفاً، لم يعد شباب الإنترنت يقبل بوسائل أقل تطوراً من الوسائل التي بيده، يريد أن تصل إليه الفكرة أو المعلومة في أي وقت وفي أي مكان يتواجد فيه، فالمؤسسات الإسلامية تحتاج إلى أن تحصن نفسها بكل جديد في عالم التكنولوجيا، وألا تتجاهل الأهمية الكبرى لهذه التقنية الحديثة والمتسارعة، فالتطور إذا لم تواكبه خطوة بخطوة، يسبقك في كل المجالات، والوقت إذا لم يستثمر جيدا يتجاوز من يتجاهله ويذهب إلى غيره، فالخطيب الذي يعتلي منبر المسجد أو الفضائية أو الإذاعة، يجب أن يكون قلبه يتسع لكل الإنسانية، بمختلف مكوناتها العرقية والطائفية والمذهبية، والخطيب الذي لم يتعلم فن الخطابة تراه يتخبط في تقديم المعلومة للناس، وقد يدخل مجتمعه في متاهات فكرية وثقافية تؤدي إلى فتن، لا يعلم مداها إلا الله تعالى، نأمل لمجتمعاتنا العربية والإسلامية السعادة والرفاهية، وأن يمن عليها بالأمن والسلام والتطور والنماء في كل المجالات العلمية والمهنية.

 

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/08/04

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد