آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إسماعيل القاسمي الحسني
عن الكاتب :
كاتب جزائري

إسقاط الجزائر ضرورة إستراتيجية…. على الجزائريين أن ينتبهوا جيدا للخطر

 

إسماعيل القاسمي الحسني ..

لابد من وقفة موجزة، نعمل فيها الفكر بوعي و تأمل عميق، خارجا عن مهاترات دعم السلطة أو معارضتها، فالموضوع إن كان ليخدم نظام الحكم في شق ما منه، فلا شك أن نظرة شاملة و موضوعية، تنتهي بحقيقة أنه يخدم الجزائر ككيان و دولة و ككل، و ليس فقط حكما و سلطة.

 

هناك من يعتقد بأن “الجزائر” مستهدفة منذ 2011 فقط، و آخر يرجع التاريخ إلى 1992، و غيرهما إلى حقب أو مفاصل أخرى، و أغلب من يتعرض لهذا الموضوع، يطرحه أو يوظفه لخدمة توجه معين بذاته، ما يجعل القراءة متحيزة لطرحه، و من المؤسف أن يأتي توظيف التاريخ و بعض الأحداث لتزكية موقف سواء لمعارضة الحكم أو مولاته.

 

السؤال: هل فعلا استهداف الدولة الجزائرية، يعود فقط لمرحلة استقلالها؟ أم منذ احتلالها 1830؟ أم هو عقيدة راسخة في العقل السياسي و العسكري الغربي تعود لما قبل ذلك؟ و هل حلقات سلسلة الاستهداف متقطعة أم متواصلة؟.

 

الوقائع التاريخية الموثقة تفيد بأن الجزائر كدولة معلومة الحدود الجغرافية، و منذ سقوط الأندلس 1492م إلى غاية احتلالها 1830، كانت هدفا رئيسيا و أولا للأنظمة الأوروبية، و يكفي أن نستدل بأكثر من عشرين حملة عسكرية ضخمة على امتداد قرنين فقط، بدأت بحملة هجوم شارل الخامس 1541 التي مني فيها بهزيمة نكراء، و لم تتوقف الحملات إلى غاية 1830.

 

علينا أن نتوقف قليلا أمام عدد عشرين حملة عسكرية أوروبية خلال مائتي عام فقط، تراوحت فيها جيوش الغرب على الجزائر “الوحيدة”، فقد تناوب عليها الفرنسيون و الايطاليون و الهولنديون و الأسبان و البرتغال و البريطانيون على ما أذكر، و كان شعبها لوحده يذود عن حماها و حياضها؛ حين نتأمل سنقف على واقع مروع من جهة و مشرف من جهة أخرى، ما هو مروع أن تجد  الحملات العسكرية على الجزائر بلغت نسبتها كل عشر سنوات حرب ضروس، و ما هو مشرف أن جميع تلكم الحملات أثبتت بسالة هذا الشعب و قوة دفاعه الأسطورية. لكن في طي هذه الوقائع التاريخية حقيقة “مُغيبّة” لا يمكن تجاوزها أو إغفالها، و هي مدى إصرار القادة في أوروبا على ضرورة كسر الجزائر، و حتمية إضعافها إن لم يتأتى احتلالها بشكل نهائي، و استعباد شعبها و نهب خيراتها. هذا الإصرار يترجمه العدد الهائل و المتواصل دون انقطاع للحملات العسكرية لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي و الحيوي وفق تقدير العقل السياسي الحاكم في القارة العجوز.

 

الحروب هي الحروب، و لو أسقطنا واقع ما نشاهده اليوم، على التاريخ المعاصر للجزائر، لتبيّن لنا حجم و مستوى الحقد و الغل المتواصل و المتراكم على الجزائر، و لتبيّن لنا أي مكانة تحتلها و أين تصنف لدى الجهة الشمالية المعتدية على مرّ التاريخ. و يكفي هنا الاطلاع كمثل على عدد جنود آخر حملة لفرنسا على الجزائر، و التي على إثرها تم الاحتلال، و الذي تجاوز اثنين و ثلاثين ألفا جندي، هذه الحملة التي عدّها مؤرخون فرنسيون أضخم حملة عسكرية فرنسية؛ و لنا بمقاييس العصر أن نفترض حملة عسكرية على دولة عربية تعداد عناصرها يتجاوز الثلاثمائة ألف عسكري.

 

إذن جذور استهداف الجزائر تعود إلى القرن السادس عشر على الأقل، و حلقات مسلسله لم تتوقف في 1830 و لا عام الاستقلال 1962، بل يمكنني القول بأن أي متابع منصف، سيقر حتما بأن الاستهداف لم و لن ينقطع أبدا.

 

غير أن الوسائل تغيرت، و طبيعة الحروب كذلك، و أدوات الهجوم و الاحتلال و التفتيت و الإضعاف أخذت أشكالا أخرى تتماشى و طبيعة المرحلة الحضارية التي انتقلت من حقبة الثورة الصناعية إلى حقبة الثورة التكنولوجية و عالم الاتصالات.

 

الجزائر اليوم مستهدفة بشكل رئيسي، و بنفس الأدوات و الوسائل التي عصفت بدول عربية، و أردتها صريعة الفتن الداخلية، تغرق بشكل مروع في دماء أبنائها، و تتمزق جغرافيتها على ايدي نخبها، التي كان المُعَول عليها فأصبحت المِعْول ذاته؛ و بنظرة سريعة يمكن أن نلمس ذلك ظاهرا الآن على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، و التي فرضت تداول ذات المواضيع و القضايا المصنّعة و القنابل المعدة للتفجير، على مستوى وسائل الإعلام (صانعة الرأي) المقروءة منها و المرئية.

 

الجزائر لم تكن منذ 1541 إلى غاية اليوم مستهدفة في سلطتها أو نظام حكمها، و إنما لموقعها الجغرافي المتميز، و لانتمائها الحضاري و مقومات شخصيتها، هذه هي الحقيقة و هذا هو الواقع؛ الذي و إن يسعى السياسيون في مناكفاتهم و صراعهم الصبياني الأرعن لإغفاله، و تغييبه عن الوعي الجمعي، فإنه هو الحاضر بل و المُحرّك الأصيل لدى العقل الغربي.

لا أعتقد أن عين بصير منصف، تخطئ تحديد الأداة الفكرية و المصادر التمويلية التي عصفت بدول -و ليس مجرد الأنظمة- عربية بعينها؛ و ليس لدي وهم بأن خطر التكفير عبر المنابر الإعلامية و نشره بوسائل التواصل الاجتماعي، هو السلاح الأكثر فتكا و تدميرا و تداولا في هذه المرحلة من تاريخ الأمة.

 

نظرة سريعة لليبيا و سوريا ثم اليمن، تثبت صحة ما أقول، و الجزائر الآن في عين هذا الإعصار المدمر، و لا أعلم حقيقة حجم وسائل الدفاع و فاعليتها التي أعدتها السلطة في الجزائر و النخب الفكرية لمواجهة هذا الخطر القاتل.

 

المواطن الجزائري يعلم جيدا، بأن كثيرا من المفردات الطائفية المقيتة، لم تكن متداولة البتة في خطابه قبل 2012، و لم تكن هذه السموم المحقونة حديثا في عروق معاملاته، موجودة على الإطلاق في عالمه الافتراضي فضلا عن الواقعي؛ بيد أنها اليوم تنتقل في حالة تسلل متدفق، من حالة العالم الوهمي إلى العالم المعيشي. في غياب شبه كلّي للنخب السياسية و الفكرية و الاجتماعية.

 

ما يسعني قوله في الختام، الجزائريون و إن كانوا يتميّزون بحاسة عالية التوجس مما هو خارجي، فيبقون جسما بشريا مثلهم مثل غيرهم، و متى تسللت أو حُقنت في أوردته الفكرية و السلوكية، سموم المفردات الطائفية و المذهبية، فلا محالة أنه سيصاب بمثل ما أصيب به غيره. و ساعتها قد لا تختلف النتائج المدمرة للجسم، إلا بشكل نسبي و ليس النوعي، تحلل و تفكك يخدم بشكل مباشر و وحيد عدو الأمس و اليوم و غد. و يقينا لن يدفع ثمنها الطرف العربي الخارجي الذي يغذيها و ينفخ في كيرها، و لن يغيث الشعب الجزائري، إلا بما أغاث به الأشقاء في ليبيا و سوريا و اليمن.

فلاح جزائري.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/09/24

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد