آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إسماعيل القاسمي الحسني
عن الكاتب :
كاتب جزائري

تونس: حين تجلب الطاعون الأمريكي إليها.. لا تقل للجار الأمر لا يعنيك

 

إسماعيل القاسمي الحسني ..

بداية أرى من الضرورة الإضاءة على نقطة مهمة للغاية تتعلق بالمقال الأخير، وكذلك بموضوع اليوم، وهي أن نقدي الشديد للسلطة والوضع العام في الجزائر، لا يعني أبدا أنها دولة ضعيفة يُقدّر انهيارها في وقت وجيز، واختصارا أسجل بأن روسيا مثلا قوة عظمى، وفيها كثير مما يؤخذ عليها وبقوة كذلك، وقراءة نقده خارج سياق قوة الدولة ككل، على اعتبار موضوع النقد يشكل وحده قيمة الدولة ووزنها، ليٌّ لواقع الحال، والتفاف غير بريء. حين نسجل إضعاف جهاز المخابرات الجزائرية، فذلك نسبة لقدراته وإمكاناته والمساحة التي يجب أن يغطيها، وهذا لا يعني أبدا الاستهانة بقوته، بل لعله يعدّ من أقوى الأجهزة الإستخباراتية في العالم، وشريكا ومرجعية رئيسية لديها على الإطلاق، ومن واقع كونه يتمتع بالاستقلالية والخبرة الذاتية المتراكمة. وكذلك حين وجهت النقد لهرم السلطة، فعلى ضعف أدائها وضمور صورتها داخليا، فإنما يُحسب قياسا كذلك، والى غاية اليوم على الأقل، هي أكثر الأنظمة العربية فطنة وقدرة على إدارة مشاكلها، فضلا عن حضورها القوي والمؤثر،  في المحافل الإقليمية و الدولية.

 

وعلى ما تقدم، يكون قد أخطأ التقدير من يعتقد بأن الدولة الجزائرية في حالة ضعف، ويجانب الصواب من يستخف بوزنها و يستهين بخطرها.

 

الجزائر، وبكل موضوعية وتجرد، إذا ما قمت بعملية مسح لخارطة العالم العربي، ستجدها هي الدولة الأكبر والأقوى على الإطلاق، وأكثرها استقرارا و أمنا، و يعلم العاقل أن هذا الواقع لم ولن يأتي من فراغ.

 

لم يكن مفاجئا لنا تصريح وزير الدفاع التونسي البارحة حول وصول طائرات تجسس أمريكية إلي تونس، تحت غطاء التعاون المشترك في محاربة الإرهاب ومراقبة الحدود التونسية؛ فقد سجلنا هذه الانعطافة الخطيرة للغاية أثناء زيارة الرئيس السبسي للولايات المتحدة، وما سرّبته دوائر معنية بالشأن الأمني و الإستراتيجي، من معلومات بخصوص ملاحق الاتفاقية التي ابرمها مع باراك أوباما في: “مذكرة نحو علاقات أمريكية-تونسية مستدامة 2015/05/20″، وكتبنا حينها هنا مرات عدة، ندعو فيها القيادة التونسية لإعادة النظر بمسؤولية ووعي، في نتائج المضي بهذا الخيار الذي يهدد بشكل جدي ومباشر الدولة الجزائرية.

 

يُفترض أن القيادة التونسية تعلم بأن الجزائر شكلت برفضها القاطع، حجر عثرة لعمل قوات افريكوم في المنطقة، ووقفت سدا قويا ومنيعا يحول دون التدخل الأمريكي في الشأن الإقليمي، هذا التدخل الذي ما عهدناه وقع في إقليم إلا خرّبه وجلب له الدمار، سواء على مستوى العلاقات البينية لمكوناته، أو على مستوى الحروب العبثية التي يوقد نارها. ولا نعتقد أن القيادة التونسية بحاجة لأمثلة لتتأكد من ذلك.

 

ويُفترض كذلك أن القيادة التونسية تعلم فيما يتعلق بموضوع الطائرات من دون طيار تحديدا، بأن الجزائر كانت سابقة عنها في تقديم طلب من الولايات المتحدة بسنتين على الأقل، وأن الولايات المتحدة اشترطت على الجزائر قاعدة لها على الأرض الجزائرية، كما اشترطت أن يكون التحكم بيد الولايات المتحدة فقط؛ الأمر الذي رفضته الجزائر شكلا و موضوعا، لما يشكله من خطر أمني عليها وعلى الأمن الإقليمي ككل. هذه الشروط التي قبلت بها القيادة التونسية، وسلّمت لها عنقها مع الأسف الشديد.

 

ويُفترض أن المندوب الأمني التونسي – وهنا أتجاوز مضطرا الخط الأحمر للمخابرات الجزائرية- كان أمينا في تقريره لقيادته، بخصوص اجتماع ضم الأطراف المعنية بمن فيها ممثل CIA، اللقاء الذي يعود لسنتين، والذي رفع فيه ممثل جهاز المخابرات الجزائرية، الصوت عاليا بوجه المندوب الأمريكي، وبلغة عسكرية حادة وصارمة، رفضا لأي شكل من أشكال التدخل الأمني الأمريكي في الإقليم. القواعد المعمول بها في دول العالم، أن الرئيس السبسي قد اطلع على تفاصيل هذا اللقاء، والذي نحسبه كان فاصلا في خيار الولايات المتحدة، للاستدارة نحو تونس لفرض حالة الاختراق كواقع لا مفر للجزائر منه.

 

بالنسبة للخبراء في تونس نقول: يفترض أنهم على اطلاع دقيق على الفارق بين ما قدمته الجزائر لتونس، سواء على مستوى الدعم الأمني والإستخبارتي، أو على مستوى الدعم المالي؛ الذي تكفي عملية حسابية بسيطة لما ورد في مذكرة: نحو علاقات أمريكية-تونسية مستدامة، تحت البند الأخير منها “تطوير القدرات الأمنية”، بأن الجزائر قدّمت خمسة أضعاف ما قدمته أمريكا في مذكرة (كامب ديفيد هذه لكن بالنسخة التونسية).

 

ويفترض أنهم على اطلاع كذلك، بأن الجزائر قد نجحت في صناعة طائرات من دون طيّار، مزودة بالخصائص المتصلة بمهامها، سواء للمراقبة أو حتى ذات الطابع القتالي، وبلغت الاكتفاء و تغطية الحاجة منها، وأنها قامت إلى حد الساعة بتطوير الجيل الرابع منها تنافس بجدارة الطائرات الأمريكية. وهنا لا أشير للإنتاج المشترك مع جنوب إفريقيا أو إيران لما تفرضه الشراكة من قواعد في مثل هذا المُصنّع الأمني المتطور؛ وإنما أشير فقط للصناعة الجزائرية الصرفة، التي يحق للقيادة الجزائرية التصرف بشأنها بكل حرية وسيادة مستقلة عن أي شريك.

 

كما يُفترض أنهم على اطلاع و بّينة، بأن الجزائر قد نجحت في بناء ثلاثة أقمار صناعية بعقول ومادة جزائرية خالصة، وقد تم إطلاقها بنجاح كذلك شهر سبتمبر الماضي، وهي تعمل بطاقات وبيانات عالية، ومن هذه الأقمار الصناعية ما يقوم بمراقبة دقيقة لكل الحدود، ولا نعتقد أن القمر الأمريكي يزيد عنها، وإن ثبت ذلك، فاليقين أن أمريكا لن تزوّد تونس بكل ما تحتاج له. فسياسة فرض التبعية المعلوماتية أو الأمنية لا تقل أهمية وخطرا، عن التبعيّة الغذائية والصناعية وفق القواعد العامة لعلاقات القوى العظمى ببقية دول العالم، وعلى وجه أخص العربية منها.

 

و يُفترض أن النخب التونسية تعلم جيدا بأن الجزائر لا تتحرك، ما لم تستوثق من المعلومات، ليس من طبيعتها التهافت ولا التهريج العربي المعروف، ولعلها تذكر جيدا أن تصريحات خميس الجهيناوي بصفته مستشارا للرئيس السبسي عقب اتفاقية (كامب ديفيد بالنسخة التونسية) التي زعم فيها أنها ليست على حساب الجزائر، أو تصريحات  راشد الغنوشي حين سارع لزيارة الجزائر على إثرها، والتي جاءت حرفيا:”  أكّدتُ أنها مجرد إعلان نوايا، ولا تتضمن التزامات متبادلة، لأنه حينها كان من المفروض الإمضاء عليها من قبل المؤسسات التشريعية في البلدين، وهو ما لم يقع″؛ ولا ندري بما يصف الغنوشي اليوم موقف البارحة، وبماذا يفسر تصريحه السابق؟ هذه التصريحات وغيرها لم تثن القيادة العليا في الجزائر، عن إرسال وزير خارجيتها رمضان لعمامرة 2015/07/23 للقاء الرئيس التونسي، محملا برسالة عنوانها: “على تونس أن تختار بين أمريكا و الجزائر”. ويُفترض أن القيادة التونسية هي الأكثر دراية بجدية الخطاب الجزائري، والأكثر علما و خبرة بصرامته و حزمه.

 

وبما أن القيادة التونسية قد حسمت خيارها، أختم المقال بالملاحظات السريعة التالية:

التاريخ والجغرافيا لن يتغيرا، وعلاقة الشعبين الشقيقين ستفرض حتما الخيار الأمثل.

السلطة التونسية لم تسجل أي طلب رسمي للجزائر بخصوص حاجتها لطائرات من دون طيّار.

السلطة التونسية لم تسجل أي طلب رسمي للجزائر بخصوص حاجتها لتدريب و تأهيل إطارات تونسية في المجال المعني.

الجزائر لها إمكانيات و قدرات تفوق بمراحل ما نالته السلطة التونسية من فتات أمريكا.

من أنقذ المواسم السياحية المتعاقبة في تونس، قطعا ليس الشعب الأمريكي و لا خزانته، ولا أحد يجهل بأن السياحة هي العمود الفقري للاقتصاد التونسي.(راجع تصريحات المسؤولين التونسيين).

ما من خبير في الشؤون السياسية والإستراتيجية، أو له اطلاع على الملفات الأمنية، إلا ويعلم أن ما مضت فيه القيادة التونسية، يستهدف بشكل مباشر وحصري الجزائر.

 

ختاما يحضرني هنا قول النابغة محمود درويش رحمه الله: “أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا”؛ وما من عاقل يجلب إلى بيته الطاعون، و إن أصيب بلوثة عقلية و فعل ذلك، فليس من حقه أن يقول لجاره بأن أمر الطاعون شأن خاص لا دخل لك فيه، فلا تغلق بابك و لا تعلي أسوارك.

 

إن الجزائر لا تلعب ولا تقبل باللعب، و لكم تكون خسارة تونس فادحة، ما لم تتدارك النخب الواعية الأمر؛ ذلك أنه من المؤكد حد اليقين، بأن الجزائر قادرة على مواجهة هذا التحدي الأمني والاستراتيجي الخطير، وإنما السؤال: هل فعلا السلطة التونسية تملك القدرة على مواجهة تداعيات الطاعون؟.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/10/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد